مدحت صفوت في «السلطة والمصلحة… إستراتيجيات التفكيك والخطاب العربي»: كيف أساءت الترجمات إلى مفاهيم ومصطلحات التفكيكية

القاهرة ـ «القدس العربي»: يبدو الخطاب النقدي العربي كحال مجتمعه، مهما حاول الادعاء بالتجاوز، أو الاتيان بجديد، حتى أن معاركه لا يتخلف عنها سوى الطنطنة الفارغة، اللهم في ما ندر. وقد يستكين العقل النقدي العربي إلى المفاهيم والمقولات والنظريات التي استأنسها، أو بمعنى أدق استأنسته، وطوعته لمصلحتها.

مدحت صفوت في «السلطة والمصلحة… إستراتيجيات التفكيك والخطاب العربي»: كيف أساءت الترجمات إلى مفاهيم ومصطلحات التفكيكية

[wpcc-script type=”df6960807d8a823097d3935f-text/javascript”]

 

القاهرة ـ «القدس العربي»: يبدو الخطاب النقدي العربي كحال مجتمعه، مهما حاول الادعاء بالتجاوز، أو الاتيان بجديد، حتى أن معاركه لا يتخلف عنها سوى الطنطنة الفارغة، اللهم في ما ندر. وقد يستكين العقل النقدي العربي إلى المفاهيم والمقولات والنظريات التي استأنسها، أو بمعنى أدق استأنسته، وطوعته لمصلحتها.
يحاول الباحث مدحت صفوت في كتابه المعنون بـ «السلطة والمصلحة … إستراتيجيات التفكيك والخطاب العربي» كشف هذا الخطاب وأعلامه، من خلال الموقف من التفكيكية، واستخدامها في استقراء النصوص النقدية وأصحابها. يستعرض صفوت مفاهيم ومصطلحات التفكيكية، وكيف أساءت الترجمات إلى فهمها، ثم يعرج إلى مخالفيها في الغرب، ويأتي إلى النقاد العرب ومواقفهم المتباينة من التفكيك ونتائجه، ليبدو أن أغلبهم استعان في بحثه بآراء أصحاب المواقف النقدية الرافضة للتفكيكية. أولى المؤلف النظر إلى بعض الأصوات النقدية الشهيرة في بلاد العرب، وفكك خطاباتها، مثل عبد العزيز حمودة، وعبد الله الغذامي، وعبد الوهاب المسيري، وعبد الملك مرتاض، ونقاد وباحثين آخرين. ويبدو على المؤلف موقفه الحاد ولغته الأكثر حدة في الانتقاد أو عرض فكرة جدالية مع الأفكار النقدية المطروحة، وإن كان هذا لا ينفي عن الكتاب/البحث الدقة والوعي الشديدين. صدر الكتاب مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ما بعد الحداثة

ينفي المؤلف بداية أن تكون ما بعد الحداثة امتداداً للحداثة، فهي وإن كانت مرحلة متصلة من التطور الفكري الإنساني على كافة المستويات، إلا أنها متباينة مع الحداثة ومناقضة لها، وما هي إلا حركة احتجاجية ورد فعل لمسار أحداثها وتجلياتها. فالعلاقة بينهما أعقد من التصنيف والتحقيب المتعجل. ويضيف المؤلف أن عدمية نيتشه كانت أهم عوامل نقد الحداثة وإعلان مرحلة ما بعد الحداثة، هدم نيتشه هذا يقابله مشروع هيدغر، الذي قام بعملية إعادة التركيب، ذلك من خلال تركيزه على بناء نسق بديل للقيم.

التفكيك

يقول دريدا «أية محاولة لإبطال مفهوم من المفاهيم محكوم عليها بالوقوع في شراك المصطلحات التي اعتمد عليها هذا المفهوم». من هذه العبارة يرى المؤلف أن التناقض سمة ملازمة للتفكيك، وما تلخيص ما يقوله دريدا أو تحديد معناه، إلا خطأ ضروري. ويرى البعض أن الطريقة الأوضح لتقديم التفكيكية تتمثل في التقديم السلبي في أن مذهبها الأساسي هو إثبات معنى متماسك لنص ما أياً كان.

النص والمعنى

ومن العلاقة بين المؤلف والنص والقارئ، ترى التفكيكية أن النص لم يعد (حصيلة كتابة منتهية)، بل شبكة اختلافية، ونسيج من الآثار التي تحيل أبداً إلى شيء غير نفسها، وهكذا في عملية لا متناهية. وبذلك تنفي التفكيكية وجود معنى محدد لنص ما، فالمعاني مؤقتة، والعلاقة الدائمة بين النص والنصوص الأخرى تنفي فكرة الكشف عن معنى، والقارئ بدوره هنا يصبح مجموعة نصوص، فهو يعد منتجاً للنص، دون الاقتصار على دوره الاستهلاكي كمتلقي.

موقف النقد العربي

يستعرض المؤلف بعضا من الموقف الغربي أولاً، سواء ضد أو مع التفكيك، ثم ينتقل إلى موقف النقد والنقاد العرب من التفكيكية، وكيفية التناول والشرح وفي الأخير الموقف. يشير بداية إلى عبد العزيز حمودة وثلاثيته (المرايا المحدبة، المرايا المقعرة، والخروج من التيه)، والتي من خلالها نقض استراتيجية التفكيك برمتها، كما يرى في المشروع الحداثي وما بعد الحداثي مؤامرة على العرب وتراثهم، بوصفهما نتاج الممارسات الاستعمارية في الشرق. الأمر نفسه لم يستبعده عبد الوهاب المسيري، فدريدا عنده هو (سيد التقويضيين)، فيرى أنه ــ دريدا ــ المفكر في أمور لا يمكن التفكير فيها، مثل القضاء على النصوص الأصلية المقدسة الأبوية الثابتة … وبهذا يصبح التفسير المظلم هو الوحي، ويصبح اللاوعي هو الوعي. إضافة إلى إسهاب المسيري في يهودية دريدا، ودورها في صياغة التفكيك. ويرى المؤلف أن الآراء السابقة اعتمد أصحابها على الكتابات النقدية الغربية المناهضة للتفكيك.

آفات خطاب النقد العربي

ويستمر المؤلف في ضبط سمات/آفات خطاب النقد العربي، ذلك من خلال نقاط عدة، منها … إصدار الأحكام، والمتمثل في إصدار حكم قيمة على النص، ما يُشبه تمييز الجيد عن الردئ. كذلك إعادة الإنتاج، إذ يستعير الباحث مفهوما تراثياً أو حداثياً، ويعيد صياغته مرة أخرى، كما فعل عبد الله الغذامي وأعاد مفهوم (الخيال المتعقل)، وهو ما صكه جابر عصفور من قبل. والآفة الكبرى تأتي تحت اسم التعميم، الذي يعد من مزالق البحث المنهجي في مجال الدراسات الإنسانية، حيث كان ولا يزال هدف البحث هو تحديد السمات الخاصة بالموضوع المدروس، ولا يعني ذلك العمل الوصول إلى الكليات، بل الاشتغال على التفصيل الدقيق لما هو جزئي … كذلك تداول المفهوم في اطر عامة وصيغ غير محددة بالإشارات الموضوعية، والمسارات المنهجية، لما يحققه التعميم للباحث على المستوى الشخصي، من وفرة بإحساس الباحث بنرجسيته، حين يخيل إليه أنه هو المشرح والمنظر، والذي يستطيع أن يؤطر الظواهر الكلية، ويجعل من النص جثة على طاولة التشريح المسيطر عليها من قِبل الباحث. وأخيراً المصادرة، وتتمثل في استخدام الخطاب للغة توحي بامتلاك الحقيقة، وتقوم بحجب واستبعاد رؤية الآخر.

السلطة والمصلحة

ولاستجلاء حدود وآفاق الفضاءات السيسيوثقافية للخطابات التفككية، يبحث المؤلف من خلال مفهومين من داخل الخطاب التفكيكي، هما السلطة والمصلحة … مصلحة الباحث وخطابه، والسلطة التي تقاوم أو تساند هذه المصلحة. ويتحدد ذلك من خلال شروط إنتاج الخطاب، كالسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية، ويتضح ذلك في الأمثلة الآتية:

المصلحة النوعية

ذلك كما جاء في كتاب «الخطاب الروائي النسوي»، لمؤلفته سهام أبي العينين، حيث تتكشف من خلال نصوص الكاتبات المصريات كيفية تهميش المرأة والإقصاء الذكوري لها، فعمدت الروائيات إلى إسكات صوت الرجل، وتغييب سلطته كخطوة لتقويضها. إضافة إلى جعله مفعولاً وليس فاعلاً.

تبرير سلطة المؤسسة

هذه السمة يراها المؤلف في كتابات عبد الله الغذامي، فخطابه الذي يبدو شكلياً حداثياً، ويدعو إلى التغيير المجتمعي، هو في جوهره ينتمي في الكثير من مواضعه إلى الثقافة التقليدية السائدة في شبه الجزيرة العربية، ومتوافقة مع الرؤيا الجماعية للمجتمع، وهو القائم على تركيبة قبليّة مُدعمة بالعقيدة.

التحايل على الاستبعاد

يشير المؤلف إلى أن الخطاب التفكيكي في مصر واجه العديد من عمليات الاستبعاد، بداية من السلطة الأكاديمية، ذلك دون قرار رسمي، بل من خلال عُرف أكاديمي. وأعاد ذلك إلى أن منهج الدرس الأكاديمي بدأ تقليدياً، إضافة إلى المنهج النفسي والاجتماعي، ثم لغوياً، وبالتالي ترتبت العقلية البحثية والأكاديمية على درس انطباعي، أو آخر ينحاز إلى أفكار نسقية ذات عناصر منتظمة ومنضبطة. ويشير المؤلف إلى فاطمة قنديل، التي اقتحمت الدرس الأكاديمي بأطروحة تعتمد استراتيجية التفكيك، كما مارست الكتابة الإبداعية بعيداً عن التصنيفات الجاهزة.

مدحت صفوت: «السلطة والصراع … إستراتيجيات التفكيك والخطاب العربي»
الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017
208 صفحة.

مدحت صفوت في «السلطة والمصلحة… إستراتيجيات التفكيك والخطاب العربي»: كيف أساءت الترجمات إلى مفاهيم ومصطلحات التفكيكية

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *