في كتاب ياسمين فراج «المناهج النقدية في الموسيقى العربية»: إنتاج المعنى من خلال السياق الثقافي والاجتماعي

قليلة هي الكتب المتخصصة بالعربية في مجال الموسيقى، فيأتي كتاب «المناهج النقدية في الموسيقى العربية» لمؤلفته ياسمين فراج ليضيف إلى المكتبة العربية. ويتضمن الكتاب مقدمة عن المنهج العلمي الذي انتهجته الباحثة، وهو ما أطلفت عليه «منهج الألفية لنقد الموسيقى الغنائية» وحاولت من خلاله التدليل على صحة فرضياتها والنتائج النقدية التي توصلت إليها. ضم الكتاب ثلاث دراسات علمية رصينة، جاءت الأولى بعنوان، البنية الموسيقية وعلاقتها بالبنية الثقافية في مصر إبان القرن التاسع عشر، تلك المرحلة المحورية في تاريخ مصر الحديث، وتفترض المؤلفة وجود علاقة بين صيغة الدور الغنائي والأنماط الثقافية التي كانت سائدة في المجتمع وقتها، ذلك من حيث الآلات الموسيقية والصوت البشري والإيقاع، كذلك العلاقة بين المقاطع الشعرية واللحنية. وتناول الفصل الثاني المعنون بـ «سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية» في أيار/مايو 2012 لاكتشاف مدى دلالة الكلمات والمقاطع اللحنية التي تعبّر عن الفئة التي أراد كل مرشح التوجه إليها، أو يعبّر عنها بالأساس. وأخيراً فصل بعنوان «أثر الموسيقى الأوروبية على الأغنية المصرية المعاصرة في الألفية الثالثة».

في كتاب ياسمين فراج «المناهج النقدية في الموسيقى العربية»: إنتاج المعنى من خلال السياق الثقافي والاجتماعي

[wpcc-script type=”acdef68e734c10b5691887a7-text/javascript”]

 

قليلة هي الكتب المتخصصة بالعربية في مجال الموسيقى، فيأتي كتاب «المناهج النقدية في الموسيقى العربية» لمؤلفته ياسمين فراج ليضيف إلى المكتبة العربية. ويتضمن الكتاب مقدمة عن المنهج العلمي الذي انتهجته الباحثة، وهو ما أطلفت عليه «منهج الألفية لنقد الموسيقى الغنائية» وحاولت من خلاله التدليل على صحة فرضياتها والنتائج النقدية التي توصلت إليها. ضم الكتاب ثلاث دراسات علمية رصينة، جاءت الأولى بعنوان، البنية الموسيقية وعلاقتها بالبنية الثقافية في مصر إبان القرن التاسع عشر، تلك المرحلة المحورية في تاريخ مصر الحديث، وتفترض المؤلفة وجود علاقة بين صيغة الدور الغنائي والأنماط الثقافية التي كانت سائدة في المجتمع وقتها، ذلك من حيث الآلات الموسيقية والصوت البشري والإيقاع، كذلك العلاقة بين المقاطع الشعرية واللحنية. وتناول الفصل الثاني المعنون بـ «سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية» في أيار/مايو 2012 لاكتشاف مدى دلالة الكلمات والمقاطع اللحنية التي تعبّر عن الفئة التي أراد كل مرشح التوجه إليها، أو يعبّر عنها بالأساس. وأخيراً فصل بعنوان «أثر الموسيقى الأوروبية على الأغنية المصرية المعاصرة في الألفية الثالثة».

المنهج النظري

تعتمد المؤلفة عل ما أسمته «منهج الألفية» كمنهج نظري دقيق لتحليل الأعمال الموسقية، والذي ــ حسب قولها ــ سيُعطي أبعاداً تفسيرية واضحة للعمل الموسيقي. وهو في الأساس تطوير للمنهج البنيوي وعلم العلامات. ويأتي ذلك من خلال التناول اللحني، ومن حيث المقامات المستخدمة، وعلاقتها بمضمون النص الشعري. ثم التناول الإيقاعي، من حيث طبيعة الإيقاع سواء شرقي أم غربي، وهل هو متغير أم ثابت، إضافة إلى نوعية آلات الإيقاع. كذلك التناول الآلي، والمتمثل في نوع الآلة التي يتم العزف عليها، وكيفية توظيفها في العمل الموسيقي. وأخيراً الأداء الغنائي، سواء فردي أو جماعي، رجالي أو نسائي، أم مُشترك، والمنطقة الصوتية التي يغني فيها المؤدي. ويبدو أن أهم ما يميز هذا المنهج هو الاعتماد على المقطع الغنائي بدلاً من المقطع الموسيقي ــ عدد الموازير ــ كما هو مُتبع في جميع الدراسات الموسيقية السابقة.

محاولة استكشاف الدلالة

وتحاول المؤلفة من خلال التطبيق العملي لمنهجها أن تستكشف دلالة العمل الموسيقي، ومدى نجاحه في تحقيق الصيغة النهائية التي أراد التعبير عنها، وكيف توافق النص الموسيقي مع النص الشعري. وتذكر مثالاً لأغنية (زهرة المدائن) ففي البيتين الشعريين «الغضب الساطع آتٍ/ وأنا كلي إيمان/الغضب الساطع آتٍ/ سأمرّ على الأحزان» سبق غناء البيتين آلة الترومبيت، وكأنها نفير حرب، إضافة إلى تكرار موتيف إيقاعي أعطى الانطباع السمعي أن هناك ثمّة خيولاً آتية في الطريق. وهنا يبدو كيف ينتج استخدام الآلة والنموذج الإيقاعي دلالته في تطابقه والنص الشعري.

البنية الموسيقية
وعلاقتها بالبنية الثقافية

تستحضر المؤلفة الموسيقى المصرية في القرن التاسع عشر، من حيث طبيعة الدور الغنائي والسياق الثقافي والاجتماعي الذي تم من خلاله إنتاج هذا الشكل الغنائي، على مستوى علاقة الكلمة واللحن والصوت المؤدي. ففي تلك الفترة كان الدور الغنائي يُقدم أمام صفوة المجتمع، فالكلمات رصينة وبعيدة عن الاسفاف، وتستشهد المؤلفة بدور «العفو يا سيد الملاح» لمحمد عبد الرحيم المسلوب وأداء بمبة العوادة 1904 ودور «عشنا وشوفنا سنين» لمحمد عثمان، وأداء سليمان أبو داوود 1907. ويبدو أن تأثير الايقاعات الأجنبية على الغناء المصري كان ضعيفاً، كذلك لم يظهر التوزيع الموسقي أو الكورال، فالغناء كان في خط لحني منفرد، وهو بذلك لم يخرج عن التراث الغنائي المصري. جاءت صيغة الدور من الشام في الأساس، وتم تمصيرها على يد مُلحني القرن التاسع عشر. كانت هذه الأدوار تتراوح ما بين المضمون العاطفي والانتقاد السياسي والاجتماعي. ظهور تسجيلات بصوت مطربات ــ بمبة العوادة وألمظ ــ وهو ما يدل على أن المجتمع المصري في تلك الحقبة لم يكن يعاني من مشكلات عقائدية وثقافية تُحرّم غناء النساء.

الأغنيات الدعائية
لمرشحي رئاسة الجمهورية

وفي هذا الفصل تحاول المؤلفة من خلال أغنيات مرشحي الرئاسة المصرية في العام 2012 أن تستعرض كيف جسدت هذه الأغنيات أفكار كل من المرشحين، محمد مرسي، وأحمد شفيق، وحمدين صباحي دعماً لبرامجهم الانتخابية، وكيف أصبحت الأغنية أحد أهم أشكال الدعاية السياسية. وتستنتج في الأخير أن الملامح العامة لهذه الأغنيات على تباينها كانت تستهدف الشريحة الاجتماعية الوسطى والأدنى، بداية من الكلمات أو المقام الموسيقي المستخدم، والإيقاع المصري، سواء المقسوم أو الملفوف الشعبي. وبالتحليل تبدو بعض النتائج الطريفة الدالة على عقلية المرشحين، نوجزها في ما يلي:
محمد مرسي، استخدام أفعال الأمر بكثرة (إختاروا الرجل الإنسان، خُش وعلّم ع الميزان، إشتمني واتهمني). كذلك استخدام أفعال التسويف، مثل (هيخلصنا، هيرجع، هيكمل)، ظهور العديد من العبارات الدينية (مسلم ويا مسيحي كمان، الإسلام هو الحل، مرسي معاكم دنا ودين). بالطبع اقتصر الغناء عل الرجال.
أحمد شفيق، كانت البداية في الإسقاط على تاريخ المرشحين السابقين (حد كده ما يكونش قِلة/ولا حد ماسك له ذِلة، ولا تبقى عميل). كذلك عبارات التسويف المعهودة، مثل (بكرة تفرج، هيملا الساحة إنتاج وسياحة، الحد الأدنى هيجبوا لولادنا). فالإيحاء هنا بالكلمات فقط، دون تحديد أهداف فعلية. وكان الكورال المختلط هو الذي يقوم بالأداء ما يعني عدم التفرقة بين رجل وامرأة.
حمدين صباحي، هنا لم يُشر قط إلى رمز المرشح الانتخابي، والاكتفاء باسمه أو شعار حملته الدعائية، وهو ما يدل على إيمان مؤيديه بشهرة شخصه. كذلك لم تدل الأغنيات على الأهداف الفعلية للبرنامج الانتخابي، والاعتماد على كلمات وعبارات استعارية في الغالب. وفي الأخير كان الصوت للكورال المختلط، بما يوضح النزعة الليبرالية.

الموسيقى الأوروبية
والأغنية المصرية المعاصرة

وفي الفصل الأخير تستعرض ياسمين فراج مدى تأثير الموسيقى الأوروبية على الأغنية المصرية المعاصرة، تطبيقاً على عينة بحثية من الأغنيات ــ سنشير إلى اسم الأغنية والمطرب والملحن ــ (وهي عاملة إيه دلوقت: عمرو دياب/ عصام كاريكا. لا يا حبيبي: شيرين/وليد سعد. رجعنا في كلامنا ليه: أنغام/تامر علي. تحب تاني: محمد فؤاد/أحمد فرحات. إنت لغيري: آمال ماهر/أحمد عاشور. إزاي: محمد منير/أحمد فرحات).
وترى أن المزج بين عنصري الموسيقى أوجد أنماطاً جديدة كالمزج بين أصوات الآلات الموسيقية، كذلك محاولة ظهور خصوصية الموسيقى المصرية من خلال الآلات الغربية، كتأثر آلة الغيتار واستخدامها من خلال إيقاع المقسوم. ظهر التأثير الغربي من خلال الأداء الغنائي، فالأغنيات تراوحت بين مقامي الكورد والنهاوند، وهي مقامات أوروبية في الأساس، مع تراجع لاستخدام المقامات المصرية التي تعتمد على نغمة ثلاثة أرباع التون. وأيضاً تراجع دور الكورال في شكله التقليدي، وأن يقوم المطرب بهذا الدور من خلال تقنية التسجيل عن طريق تعدد القنوات الصوتية/التراكات. إضافة إلى سيطرة الإيقاعات الغربية وبالتالي شكل الأداء الغنائي، كذلك ظهر التنسيق الآلي بديلاً عن التوزيع الموسيقي المعروف.

ياسمين فراج: «المناهج النقدية
في الموسيقى العربية»
الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016
193 صفحة.

في كتاب ياسمين فراج «المناهج النقدية في الموسيقى العربية»: إنتاج المعنى من خلال السياق الثقافي والاجتماعي

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *