المغربي يونس بنضريف يقارب خط الثلث بفنيات جديدة
[wpcc-script type=”5217b8524c3c320872d1fa67-text/javascript”]
يعمد الخطاط التشكيلي يونس بنضريف إلى إنتاج مواد حروفية ذات مواضيع متنوعة بما تطرحه تشكيلاته الفنية الرائقة من تركيبات خطية تتجه مباشرة إلى خط الثلث، الخط الصعب المتشابك الجميل، يتفاعل معه يونس بنضريف وفق قيم فنية وجمالية يتجه بها إلى مناحي دقيقة في صياغته التشكيلية، سواء ما تعلق منه بالتركيب أو بمختلف المناحي الأخرى. فالشكل بما تحمله مفرداته حاضر في أعمال الفنان الخطاط يونس بنضريف.
ويمكن القول بأن أعماله تمتح مقوماتها من أسلوب يتأسس على الدقة العالية والضبط والتقنية الكبيرة في معالجة مختلف التراكيب الحروفية بخط الثلث، فهو يشكل أعماله الفنية وفق المؤثرات التقييدية والوعي بأهمية القواعد وبمستويات المقاسات المطلوبة، التي تتناسب ورُؤاه المعرفية وحسه الإبداعي وذوقه الرفيع.
وهو بذلك ينطلق من واقع حروفي متنوع الأساس وموحد المنهج والضبط، فيصوغه بأسلوب فني يخدم رؤية مشدودة بعبَق المعالم الثقافية العربية والإسلامية، فيغوص في حضرة عوالم خط الثلث، حيث لا يكتفي باستدعاء الحرف مجردا أو مركبا أو باستدعاء المادة الحروفية، والاشتغال عليها؛ وإنما يتجاوز ذلك إلى التعبير بالشكل التركيبي في مجمله بأبعاد إيحائية ودلالية، وقيم بنائية، وأيضا بخلفية سنادية تُدللُ على وعيه بأعماق ما تكتنهه الحروف في المادة الفنية بكل عناصرها ومفرداتها، وإيلائه لها أهمية كبرى، سواء من حيث المجال الجمالي الذي يرصد السمات العديدة التي تتوفر عليها أعماله الخطية، أو من حيث صنع الإيحائية لديه، التي تنبني على التوازن وعدة مقومات قاعدية تخص خط الثلث.
ويوظف لعمل ذلك النظرة البعيدة الثاقبة، فيقترب من التعقيد، بتوظيفات دقيقة لحاسته الحادقة التي تظهر سحرية أدائه للتركيب المتقن المضبوط بحسابات محكمة في الفضاء، وبذلك يكشف عما تكتنزه أعماله من حمولات جمالية تزخر بالتأويل ذي الدلالات المفتوحة، وفقا لما يعبر عنه بدقة عميقة وعناية فائقة من مسافات مختلفة ومقاسات حروفية متنوعة، تتبدى للقارئ ظاهرة ما لم يكن في استطاعته رؤيتها بذلك الشكل.
وهذا يعد ملمسا جديدا وإبداعا مميــــزا في أســــلوب الخطاط يونس بنضريف الذي يرصد في أدائه الحروفي الفني التعبــــيري العــلاقة القويمة بين الحرف والإشارة والموضـــــوع، وفق المرجعــــيات المنبثقة من أساسيات الخط العربي ومن جمالياته التركيبية، ليشحن أعماله بطابع تركيبي جمالي ودلالي، يمكّنه من تخليد مفردات المضامين التي يشتغل عليها في ارتباط وثيق بالمكونات الثقافية والمعرفية التي تؤطر العمل في جوهره، وتنم عن أفكار متجددة للمبدع، وعن خياله المنفتح على مستوى التكوين والتصميم والتوزيع، وهو ما يضع القارئ أمام أعمال حروفية تنطق بمعاني جمالية ودلالات متعددة، غنية بالإشارات في سياق وشائج قائمة بين ما تحمله المضامين والمادة الجمالية في علاقة ترسخ جانبا من التداخل بين كافة العناصر المنفصلة بكل ما تحمله التراكيب من تشعبات دلالية وتأويلات تميز في عمقها الخطاب الحروفي والفني والجمالي، وما تكتسيه أعماله الفنية من وظائف بنائية ودلالية تحيل إلى مجال جديد لوضع المادة الفنية وتمظهرات الحروف في مواجهة فنون الضبط والتقييد، بعمق وفرادة في تصوراته وتخطيطاته التي تعج بالانسجام بين هذا وذاك، وتتميز بالإيجابية في التعبير عن العالم البديل للخط العربي.
وهذا هو ما يبين الاتجاه الجاذب في فنية خط الثلث وحروفيات الخطاط الفنان يونس بنضريف التي تحتوي فلسفات أخرى جديدة تتفاعل مع أنساق الفضاء اللونية المختلفة والمتباينة بتوظيفات خاصة، لكن بوجدانية وواقعية إيحائية، تدعم القـــــوة التعبيرية المحكمة لديه.
وتمنح القارئ انطباعا بأن الخطاط يونس بنضريف يعمل وفق تصورات ورؤى حروفية صرفة، يوزعها بأسلوبه الخاص المنسجم مع الطقوس الحروفية العربية التي تفصــل بين ما هو مقيد بالضبط والتقييد والقواعد وبين ما هو مبني على شاكلة محكمة ومتجددة في الآن نفسه.
٭ ناقد تشكيلي
محمد البندوري