محمود عبد العزيز «المزنجي» الذي أرّخ للأزمنة المصرية
[wpcc-script type=”88312cb0eb0a03d3e6f2e109-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: برحيل الفنان محمود عبد العزيز فقدت السينما المصرية واحدا من ممثليها المهمين. للرجل تاريخ طويل من الأعمال المهمة والمتميزة، التي لا تنفصل عن تاريخ السينما المصرية، يأتي على رأسها فيلم «الكيت كات» الذي أخرجه داود عبد السيد عام 1991، والذي أصبح بدوره من أهم وأفضل الأفلام، محققاً معادلة التوازن ما بين العمل الفني والجماهيري.
وتبدو موهبة وحرفية محمود عبد العزيز في الأدوار المتنوعة التي جسدها على الشاشة وتجاوزت 15 شخصية مختلفة، فما بين «الشيخ حـسني» وأفـلام رأفت الميـهي، الـتي كان عبد العزيز بطلها الأفضل، وحتى المسلسل الجماهيري «رأفت الهجان»، تجارب متباينة تماماً، حتى أن شخصية محمود عبد العزيز تختفي تماماً في الشخصية التي يجسدها.
ورغـم اختـلاف المستـوى الـفني للأعـمال فـي مجملها، إلا أنه كـان دومـاً يحــقق تـميزاً خاصـاً فــي الدور الذي يؤديه، بحيث يصـبح دوراً قـائماً بذاتــه.
تجارب الفنان محمود عبد العزيز الذي طغت على أدواره شخصية «المزنجي» أي صاحب المزاج على الطريقة المصرية، من الممكن تقسيمها إلى مراحل حسب الأعمال المتنوعة وعالمها شديد الاختلاف، حتى أنه يعد من أهم الممثلين الذين جسّدوا تيارات السينما المصرية، كالفانتازيا، وما يشبه الواقعية، والسينما الشاعرية وغيرها حتى نهاية الألفية الثانية.
عالم الفانتازيا
من خـلال أفـلام… «سـيداتي سـادتي، السـادة الرجـال، وسـمك لبن تمر هنـدي»، التي كـتبها وأخرجها رأفت الميهي، وجسد بطولتها محـمود عبد العزيز ابتعد الأخير عن أدوار السـبعينيات، التي تعتمد الفتى الوسيم وتؤصل صـورته لدى الجمهور، وكـانت الجرأة من عبد العزيز في الإقـدام على هذا الشكل الفيلمي، فعالم الفانتازيا وتعـقيداته وغرائبيته لا يتواصل مع المشاهد بدرجة معـقولة، ولكن شخصية الممثل وخِفة ظِله سـاعدتا على تجـاوز هذه الصعوبة في التلقي، الأمر صـار لا يعتمد على قصص الحب المجانية أو المُفتعلـة، وأصبـح العـمل يخاطـب وعـي المشاهد أكثر، وهو ما حقق نجاحاً ملـحوظاً على المسـتوى الجـماهيري والنـقدي. تناولت هذه الأعمال المشكلات الاجتماعية وعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع المصري، وأي سلطة يمكن تداولها بينهما، والتعرّض بالضرورة للثوابت الاجتماعية المغلوطة بالأسـاس، التي عـن طريقها تتم صياغة أفراده.
هذه الدلالات وتعقيداتها جـاءت عن طـريق ممثل يعي تماماً ماذا يفعل، من رجـل يتـزوج أربـع نساء، إلى رجل تتحول زوجـته إلى رجل مثله، حالة من إعادة أو انقلاب القيم بالمـعنى الأدق في مجـتمع مغلق يتحايل على نفسـه بوهم التـفوق الآمن.
الجوع
من الأعمال المهمة في السينما المصرية يأتي فيلم «الجوع» المستوحى من عالم فتوات نجيب محفوظ، الذي أخرجه علي بدرخان عام 1986، وقامت ببطولته سعاد حسني أمام محمود عبد العزيز. جسّد عبد العزيز هنا دور الفتوة الذي وصل إلى السلطة عن طريق الجرأة والشجاعة، وهو الآتي من عالم القاع/الحرافيش/الشعب. ولكن آفة السلطة تضربه، وتجعله من أبشع وأقسى الفتوات. واستطاع الرجل تجسيد هذه الحالة في حرفية كبيرة، هناك خبرة تمثيلية وأداء تعبيري سواء عن طريق الجسد والصوت متباين حسب حالة الرجل قبل وبعد توليه السلطة في الحارة. وصولاً إلى الثورة عليه وموته بيد مَن أيدوه وانتصر لهم من قبل. دور محمود عبد العزيز قام به العديد من الفنانين الذين اقتربوا من أعمال محفوظ، مثل محمود ياسين، ونور الشريف، لكن بنية الفيلم وطبيعة الشخصية تتباين عن الشخصيات السابقة، وأجاد الرجل تجسيدها إلى حدٍ كبير.
القبطان
قدّم محمود عبد العزيز فيلم «القبطان» عام 1997، وهو الفيلم الوحيد الذي أنجزه الناقد والكاتب سيد سعيد، ليجسّد شخصية مُتخيّلة شبه أسطورية. يقف عبد العزيز هنا على الجانب الآخر من السلطة ــ الجانب المعارض ــ ويمثل حكمة الشعب ومقاومته لممثل السلطة بكل الطرق. الشخصية هنا تقترب من شخصية زوربا اليوناني، خاصة في علاقته بالشاب الذي قاوم ودفع حياته ثمناً في النهاية، القبطان لا أحد يعرف له تاريخاً، متى جاء إلى المدينة والجميع يعرفه، وهو أحد مؤسسيها، موت الجميع ويظل هو باقياً يسخر من الضابط ــ ممثل السلطة ــ بعد فشله ورحيله عن المدينة. فهو روح الشعب الحي الذي لا يموت. هذه الحال الأقرب إلى الميتافيزيقا والممتزجة بروح الثقافة الشعبية وتراثها، نجح عبد العزيز في تجسدها، وكأنه تاريخ ممتد لا ينتهي.
هذه لمحات سريعة عن الأدوار المختلفة شديدة التباين التي جسدها الفنان الراحل محمود عبد العزيز. لمحات تواكب حدث رحيله. لكن هناك من الأعمال التي يجب إفراد دراسات خاصة ومستقلة عنها. سواء على المستوى الفني أو التأثير الاجتماعي، كفيلم «الكيت كات»، ومسلسل «رأفت الهجان»، وفيلمي .. «جري الوحوش» و«الكيف». ورغم تباين مستويات وأهداف هذه الأعمال، إلا أن تأثيرها الكبير على المشاهد المصري لا يستطيع أحد إنكاره، فعبارات بعض هذه الأفلام أصبحت على لسان الجمهور، يتداولها في مواقفه الحياتية، وأصبح «الكيت كات» كمكان في وعي الجميع مرتبطاً بالشيخ حسني. فأحد ركاب الميكروباص أشار ذات مرّة إلى السائق قائلاً «نزلني عند الشيخ حسني». ويكفي أي فنان أن يحتل طواعية وعي المشاهد إلى هذه الدرجة.
15 شخصية صنعت شعبية النجم المتفرد في أدواره
محمد عبد الرحيم