المغربي محمد كرم الطاهري يجهز على المسموع بالصورة البصرية
[wpcc-script type=”b86e02b0d559c71967b84951-text/javascript”]
يتفاعل التشكيلي المغربي محمد كرم الطاهري مع مادته الفنية وفق رؤى تعبيرية تتخذ من الصورة قاعدة لبسط المنمنمات والجماليات الموتيفية لصناعة أشكال وعلامات ورموز ينزع بها الصفات الظاهرية لعالم الشكل داخل الفضاء، ثم يقوم بعملية البناء، مع بسط نوع من الاختلاف بين مفردات المادة الفنية التي تولد عددا من الدلالات، وبين البؤر اللونية وصناعة الأشكال الفنية، التي تؤطر المجال الجمالي.
فالإيقاعات الفنية الشخوصية والأشكال والرموز القديمة، كلها تشكل ثقلا وكتلا وركاما أيقونيا دالا على معاني ترمي إلى تأويلات معينة في منظومته الإبداعية، كما أن عمليات تداخل الأشكال والشخوص يشكلان مجالا جماليا يكسب العمل الفني حيوية ورشاقة، يروم التعبير بعمق عما يخالج ذات الفنان محمد كرم الطاهري، بل إن التفاعل الجمالي مع الشخوصات ومع المواد التراثية ومع كل العناصر المكونة لأعماله تجهز على عالم المسموع إلى الصورة الفنية البصرية بعوالم ذات قيمة فنية وبلاغية، وخصوصيات متفردة وجماليات تؤطرها طاقة الفنان الإبداعية التي تحرر أعماله من القيود وتصهرها في اللون والجمال بقيمته المعاصرة، بل تؤكد قدرة الشكل الفني على التطور في إطار ليونته ومطاوعته للألوان التوظيفية والتعبيرية التي يرغبها الفنان محمد كرم الطاهري، بأبعاد ودلالات فنية ترتكز على رؤى ثقافية وتراثية تهدف إلى إبراز مختلف الجماليات بدون تقييد، فيحقق بذلك التوازن الإبداعي بين المادة الفنية وتشكيل المكان وفق تصوره الخاص.
إن مقاطع بعض الأشكال اللونية والأشكال الشخوصية والعلامات المختلفة بكثافتها المتسمة بالعفوية والانسيابية، تشكل ترنيمة تستند إلى التراث القديم، لكن في إطار علاقات جديدة لتوليد دلالات جديدة، دعامتها الأساس إثقال المساحات بإحداثيات التعابير من منظور الواقع والخيال، وبإيحاءات قادرة على التحول إلى دال يستند إلى مرجع فني ورمزي وعلاماتي معين. فالاسترسالات الشكلية الغنائية ترسل نبراتها وفق الرؤية البصرية، ما يؤكد على أن المبدع محمد كرم الطاهري يشكل من التعبير الشكلي واللوني فضاء كثيفا وفق مادة أيقونية تفصح مباشرة عن جهاز مضاميني وجمالي، يوفر التوازن الدقيق، وينتج محاورات بين الجماليات المتنوعة بكافة مكونات العمل الإبداعي من كتل وتكوينات ورموز وعلامات، وبين الأبعاد الفنية التي تطرق باب الزمن القديم، لتصوغه في الزمان والمكان المعاصر بحركة تشكيلية تحوله إلى صيغ فنية جمالية. وهو يتخم الفضاء، ويسد جميع منافذه، ويعتم على الفراغ، بإجهازه على عملية الاختزال التي تشكل محورا أساسيا في الفن الحداثي المعاصر. لأنه يرتهن إلى المادة التي يشتغل عليها والتي تتطلب ملء المساحات الفنية الفارغة، ليحدث بواسطتها إيحاءات عميقة الدلالات والمغازي.
وبذلك، فتجربته الفنية تنبني على نمط تعبيري جمالي، يمتح مقوماته من الانفعال الباطني، حيث تتبدى أعماله وصفا يعبر عن معان نفسية أو ذهنية، يصنع من خلالها شخوصا تعبيرية، وأشكالا فنية يصيغها في ألوان متعددة، ويردفها بجنسها لينسج منهما المادة التعبيرية التي يرغبها. ثم يشكل منها مواد رمزية وعلاماتية ذات قيمة تراثية، فيعمد إلى روابط علائقية يكثف بها الفضاء تتراءى بين كتل من الرموز والعلامات والألوان.
يتجه الطاهري من خلال هذه العمليات البنائية إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، خصوصا أنه يجمع في العمل الواحد بين اللون وجنسه ومشتقاته، ليفصح عن التراكمات الرمزية، والأشكال والدلالات العميقة، والعلامات الأيقونية، التي تنبثق من هذه الألوان المتداخلة مع الأشكال التي تؤصل لفلسفة قيمية تستجيب لضرورات العمل حتى يتفاعل مع الثقافة الفنية التفاعلية. إن خاصية التعدد الشكلي والرمزي والإيحائي والإشارات في نسيجه الفني، يحدث حركات متتالية قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهو يبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، وإنه أيضا يؤثث لجمال تراثي يجول بالقارئ في عمق الصورة التعبيرية بصيغ إشكالية جمالية متعددة وفق علاقات بين مختلف الألوان والرموز والعلامات، تصل درجة عالية من التوازن، وهو بذلك يبني جسر التفاعل مع الأشكال التراثية، التي تشكل في جوهرها أدوات أيقونية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع الحس الانفعالي، وتصوراته التي يحملها اللون والشكل وطريقة توظيفهما، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة وفق مقاربات لونية تعبيرية، وتقنية موفقة.
٭ ناقد مغربي
محمد البندوري