معرض «السيرياليون المصريون» في القاهرة … جريمة جديدة في حق السيريالية

القاهرة ـ «القدس العربي»: الفن ليس سوى مخزن بارود/ اليأس يقتحم الأبواب/لا شيء نافع مثل الواقع/ يحيا الفن المنحط/ المرأة التي تخدم الرجل والرجل الذي يخدم الرئيس كلاهما من طبقة العبيد/ الفن ليس سوى تعويض للقِلة التي ولِدَت مسمومة/ افتحوا السجون .. سَرّحوا الجيش/ ليعُم جنوننا حتى يشمل نوابغ هذا المجتمع الإجرامي/ سفهوا آباءكم وابصقوا في وجوه عسكريّكم. (من كتابات السيريالية المصرية).

معرض «السيرياليون المصريون» في القاهرة … جريمة جديدة في حق السيريالية

[wpcc-script type=”fde74ef7b973b98a81df9f79-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: الفن ليس سوى مخزن بارود/ اليأس يقتحم الأبواب/لا شيء نافع مثل الواقع/ يحيا الفن المنحط/ المرأة التي تخدم الرجل والرجل الذي يخدم الرئيس كلاهما من طبقة العبيد/ الفن ليس سوى تعويض للقِلة التي ولِدَت مسمومة/ افتحوا السجون .. سَرّحوا الجيش/ ليعُم جنوننا حتى يشمل نوابغ هذا المجتمع الإجرامي/ سفهوا آباءكم وابصقوا في وجوه عسكريّكم. (من كتابات السيريالية المصرية).
«امرأة شريفة = احتكار جنسي/ شرعية = لجام الشعوب/ متحف = أكبر مزبلة مُعترَف بها رسمياً/ فوضى = انتصار الروح على اليقين/ عمل = كل شيء لا ترغب في فعله/ الأنا = الشيء الأكثر أهمية في العالم». (قاموس لاستخدام العالم البرجوازي، جورج حنين). 
هذه بعض من العبارات التي جسدت أفكار الحركة السيريالة المصرية، هذه الحركة التي حتى الآن رغم الطنطنات والصخب الطفولي للكثير من الفنانين المصريين، لم ترق إلى روح هؤلاء، التي كانت ضد كل شيء زائف في ما يحيونه. فالحركة السيريالية المصرية ومن خلال روادها (جورج حنين 1973-1914/ ورمسيس يونان 1966-1913/ وأنور كامل 1991-1913/ وكامل التلمساني 1972-1917/ وفؤاد كامل 1973-1919) عانت الكثير من التهميش، ونشر الضلالات حول أصحابها، ولنا أن ننظر إلى النظم السياسية والاجتماعية حتى ندرك فداحة الأمر، اللهم بعض التجارب الفردية التي قام بها الذين يعون جيداً قيمة هؤلاء ومدى دورهم في الثقافة المصرية.
يقام الآن في القاهرة معرض يضم أعمال السيريالية المصرية، بعنوان «حين يصبح الفن حرية: السيرياليون المصريون (1938-1965) في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية، فالحدث جلل بالفعل بأن نرى اليوم إنتاج هؤلاء مرأى العين، من لوحات ووثائق طالما قرأنا عنها في الكتب التي تناولت الحركة وروادها، لكن يبدو أن منظمي المعرض تعاملوا مع تراث هؤلاء بانتهاك شديد ــ تذكرت عبارة ونيس بطل فيلم المومياء لشادي عبد السلام .. «هل هذا عيشنا؟». الأمر لا يتجاوز البروباغاندا والتسليع لهؤلاء وفنهم، الذين طالما حاربوا هذه الفكرة، ودفعوا ثمنها راضين تماماً. ويبدو أن الحِس الساخر للسيرياليين أنفسهم وضحكاتهم الصاخبة وهم يشاهدون المعرض المقام باسمهم سيظل هو الصوت الأعلى والصدى الذي يتردد في قاعات العرض.

أعمال لا تنتمي للحركة

بداية لا توجد بيانات مفصلة عن اللوحات أو كتاب يوثق للحدث، إضافة إلى تعليمات منع التصوير، وهو الأمر الغريب! الأفدح أن منظمي المعرض تعاملوا مع الجمهور وكأنهم تلاميذ في روضة الأطفال، بحيث لم نستطع أن نفرّق مثلاً بين ما ينتمي لأعمال فناني الحركة وأعمال أخرى وضعوها لتطالعنا لنسخر منها في النهاية، كبعض اللوحات من فناني التسعينيات مثلاً، أو لقطات فوتوغرافية للمصور فان ليو، وكتابة أنه انتمى للسيريالية بشكل غامض!! وإمعاناً في العبث المرضي جاءت الوثائق، وهي الجزء الأهم في المعرض، لتشكل مهزلة كبرى، فمعظمها إصدارات حديثة عن الحركة وبعض روادها، كمجلة «إبداع» على سبيل المثال، وعددها الصادر في بداية تسعينيات القرن الفائت، أو بعض الملازم المصوّرة من أعداد مجلة «التطور» ــ لسان حال الجماعة ــ كذلك بعض الكتب والمقالات الحديثة التي تناولت هذا الفنان أو ذاك من رواد السيريالية المصرية. فلا وثائق ولا سجل أرشيفي لو قام أحد الهواة بجمعه لخرج أكثر اكتمالا ووعيا بما يفعله.

الخلط والتخبط وأشياء أخرى

وبما أن الأمر لا يتعدى كونه شكلاً تجارياً، أو مشروعاً ثقافياً من المقدّر له أن يجوب عدة دول كما أعلن السادة منظمو الحدث، فما نراه من قصور حتى في كيفية رؤية الحركة السيريالية وفهم آلياتها والظروف التي نشأت فيها. فجماعة الفن والحرية على سبيل المثال وهي الصوت المعبّر الأساسي للحركة، من خلال المؤسس الأول لها جورج حنين ورفاقه، تختلف تماماً عن نهج عبد الهادي الجزار، الذي استلهم الوعي الشعبي وصاغ مفهوم لوحاته، وتواصل بعد ذلك هو وغيره مع تطورات الأحداث السياسية، كانقلاب يوليو 1952، بخلاف جماعة الفن والحرية، هل لنا أن نرى لوحة لرمسيس يونان مثلاً كـ «نذير العاصفة» أو «مشهد طوطمي» بجانب لوحة للجزار تحمل عنوان «الميثاق»؟ معرض للسيريالية المصرية يمجد انقلاب يوليو (في فيلم زيارة السيد الرئيس لمنير راضي، أشيع أن رئيس الولايات المتحدة سيمر قطاره ويتوقف في إحدى القرى في الريف المصري، واستعد أهل القرية تماماً للحدث الجلل، وخرج الجميع يحملون اللافتات وصور لكل من الرئيس الأمريكي والمصري وقتها في السبعينيات، كان المخزن لم يزل يتنفس هواء الستينيات، فوجد أحدهم صورة لفيدل كاسترو، وقد أعجبه شكل الرجل، فخرج بها يستقبل الرئيس الأمريكي).
ناهيك عن وجود أعمال ربما وجدوها مصادفة في أحد المخازن أو أوحى لهم أحدهم بأنها تنتمي إلى السيريالية وعهدها.
هناك أعمال هامة لا شك، كبعض أعمال كامل التلمساني، وإنجي أفلاطون في مرحلتها الأولى، حيث كانت تلميذة للتلمساني، كذلك سمير رافع في بداياته. وبعض أعمال إبراهيم مسعودة. لكن في المُجمل لا ينتمي ولا يُعبّر المعرض عن السيرياليين المصريين وروحهم. كيف سترى طفلاً يحيا في دار للمسنين؟!

الروح السيريالية

الروح السيريالية سيطرت على العديد من مثقفي تلك الفترة في مصر ــ ما بعد الحرب العالمية الثانية ــ لكن محاضرة جورج حنين الأولى عن السيريالية هي التي بلورت وجسدت هذه الروح في أعمال لاحقة، فلا يكفي تأثر هذا الفنان أو ذاك لاعتباره يتنفس هذا الفكر وهذه الرؤية في حياته وأعماله. كان الوعي والترقب للجديد هو سمة ذلك الوقت في عرف هؤلاء، لذا نجدهم التفوا حول حنين وأفكاره، وكأنهم وجدوا ملاذهم الأخير، الذي تمسكوا به حتى النهاية، حنين بالطبع ومعه رمسيس يونان، أما الباقي فسقط وتحول بعد تموز/يوليو 1952.
أما المناخ الذي نحياه الآن فيعكس مدى الوعي الذي وصلنا إليه، وهو ليس وليد المصادفة، ولكنه أسلوب يتنفسونه، ولا أستطيع أن أرد في عبارات كان سيكتبها السيرياليون إن شاهدوا مأساة مثل هذه. لن نمتلك الجرأة لتكون العبارات أكثر قسوة وسخرية كما كانوا يفعلون. وما يحدث هو انتهاك مستمر لفكر رواد الحركة وفنانيها الكبار، وهم رغماً عن الجميع من أصحاب الرؤى القومية والتقليدية، الذين أصبحوا الآن رجال بيزنس لطالما حقّرهم أصحاب الاحتفالية التي يقيمونها باسمهم. الأمر محفز في النهاية لاكتشاف حقيقي للحركة وروادها، أعمالهم وكتاباتهم التي لم تتحملها الدولة المصرية، فنفت وشردت معظمهم خارج مصر. الأمر محفز لإعادة نشر كتابات هؤلاء المنفيين من البداية، والمُتاجَر بهم الآن، تماماً كاستعراض آثارنا في الخارج، والتباهي بأننا نمتلكها، دون أدنى وعي بما نرى أو نفعل.
ولا أجد أو أتخيل في النهاية سوى جورج حنين، يجلس أمام الباب الزجاجي الخارجي لقاعة العرض، يدخن ويستعرض الزائرين، ضاحكاً في سخرية قائلاً:
أنا الإنسان الجالس على حافة الطريق
ليكتب وهو يحتبس الكلمات
وهو يرمي مَن يكتفون بالنظر
على رأس مَن يكتفون بالفهم
وتنتج عن ذلك هالة بنفسجيّة كبيرة حَول العينين
لا يشفى المرء منها أبداً
……..
أنا ذلك الذي جلس على حافة الطريق
والذي يُبقي أعداءه
تحت رحمة تعبه.

معرض «السيرياليون المصريون» في القاهرة … جريمة جديدة في حق السيريالية

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *