الرموز والطبيعة في أعمال التشكيلي المغربي عبد الفتاح بلالي
[wpcc-script type=”0d7220b49524b2fe23952b1e-text/javascript”]
عرض الفنان التشكيلي المغربي عبد الفتاح بلالي أعماله الأخيرة في دار العرض ابن خلدون في مدينة طنجة تحت عنوان «سفر في الرموز».
ضم المعرض باكورة أعماله من خلال زياراته الميدانية لعدد من المناطق في المغرب التي تضم مواقع صخرية تحتوي نقوشا وعلامات ورموزا اعتبرها متاحف في الهواء الطلق، وقد أفضت هذه الرحلات من خلال البحث والحفر في ذاكرة الزمن واستكشاف العديد من الرموز المختلفة وتقصي أثر الإنسان ما قبل التاريخ إلى عملية تطبيقية توسمت أنواعا من الرموز والأشكال في معرضه الذي يضم عددا هائلا من اللوحات التي تم إنتاجها على مدى خمس سنوات. فالزائر للمعرض يستشعر آثار الإنسان الضاربة في عمق زمن ما قبل التاريخ، ويستشعر كذلك روح المواد الطبيعية المستعملة في التلوين كالأتربة التي أخذها الفنان من عين الأمكنة التي زارها، أو من المواقع الصخرية التي استكشفها وقام بدراستها.. ليستحضر حقيقة ما وقف عليه ويقيم له تكريما من خلال معرضه هذا «سفر في الرموز» في بعده الكوني والميثولوجي.
شكلت الرموز في معرض الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي في مدينة طنجة حلقة فنية مهمة، أطرت أسلوبه الجمالي بسفر في الزمن وفي التاريخ الفني، من خلال بحث عميق في التراث بما يحمله من رموز وعلامات وبما يختزله من مقومات فنية وتاريخية. عبد الفتاح بلالي الذي هو أحد الفنانين التشكيليين الباحثين؛ نحت من خلال معرضه هذا أسلوبا جديدا في النبش في الرموز وما تحتويه من معاني ودلالات متنوعة، خصوصا أن للرموز خاصية الإشارة أو التلميح، أو أنها تنزاح أحيانا نحو المبهم، إلا أن الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي استطاع ببحثه الميداني أن ينقش صورة الرموز في أعماله بطريقة تقرب القارئ من دلالاتها التعبيرية، وقد صاغها في قوالب مختلفة أبان عنها من خلال بحثه العميق حيث لفها بالألوان الطبيعية ليصنع منها المادة التعبيرية التي تعود إلى زمن ما قبل التاريخ، بل جعل منها رموزا حقيقية واقعية ومواد علاماتية ميسرة للفهم، ثم نسج منها خيوطا علائقية بين زمن ما قبل التاريخ والزمن المعاصر. فقد كثف بها فضاءات أعماله التشكيلية لتبدو بين الكتل اللونية في صيغ جمالية يلفها الانسجام في بناءات مترابطة ومتصلة بتراكمات من الأشكال الغابرة والألوان الطبيعية على نسج من العلاقات والروابط بين المواد الحية التي أخذها من الأمكنة التي تضرب في الأزمنة الغابرة وبين المواد الطبيعية الآنية. إنه يعمل من خلال كل ذلك على صنع مساحات من المعرفة الفنية بتعبير دقيق وبطرق مباشرة تنبع من أحاسيسه ومشاعره حيث تشكلت مجموعة من الهواجس التي أفصحت عنها كشوفاته الفنية وأبحاثه الميدانية.
إن عملية توظيف الرموز والعلامات في أعمال الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي التي تغطي مجمل مساحات الفضاء، تُظهر مختلف التعبيرات القيمية لإنسان ما قبل التاريخ وتستجلي المكنونات الغائصة في عوالم ذلك الزمن، فرصد الألوان الترابية والصخرية والأشكال والدوائر وأنصاف الدوائر، ومختلف الرموز، وهي كلها عناصر تستجلي بعضا من قوة التعبير لدى الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي، فتتبدى أعماله ناطقة بأحاسيس ومشاعر عميقة الدلالات، وتظهر فيها تعبيرات رمزية كثيفة تشد القارئ.
إن أسلوب الفنان التشكيلي عبد الفتاح بلالي اتجه نحو عمل بحثي من منظور خاص يرصد الرموز في زمن ما قبل التاريخ، وهو بذلك قد خضع لسلطة التصور فمنح المادة التشكيلية استدراكا معرفيا لما فات من الأزمنة، وأعاد الاعتبار للرموز القديمة بتكريمه لها من خلال عمليات توظيف ناجعة واستعمالات تقنية متقنة، فكان موفقا في الربط بين مجموعة من العلاقات، والحد من مجموعة من التباينات داخل الأنساق اللونية في علاقاتها بالرموز والعلامات. الشيء الذي مكن أسلوبه الفريد التحاوري النوعي من إعطاء المادة الفنية والرموز تحولا في التعبير مخالفا للمألوف، ومتمردا على الجاهز، ليصنع بؤرة تشكيلية معرفية وقاموسا رمزيا مبنيا على تصورات وأبعاد فلسفية جديدة تخص القضايا الرمزية لزمن ما قبل التاريخ، وهي مدججة بعوالم تخص الأبعاد التعبيرية والدلالات المتنوعة التي تتجاوب في عمقها مع كل المناحي التشكيلية المعاصرة.
٭ ناقد مغربي
محمد البندوري