معرض «روزنامة 5» للفنون البصرية في القاهرة: التجريب وأزمات الواقع المصري في أعمال شباب الفنانين
[wpcc-script type=”b55e27a164d7d99ecbd9410c-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: في النسخة الخامسة من مسابقة ومعرض روزنامة، المقام حالياً في القاهرة، والذي تعرض أعماله في كل من مؤسسة (مدرار) للفنون، (غاليري مشربية للفن المعاصر)، و(سوما للفنون المرئية)، ويستمر في الفترة ما بين 4 أيلول/سبتمبر وحتى 5 تشرين الأول/أكتوبر 2016. تأتي هذه النسخة على اختلاف كبير من النسخة الرابعة في العام الماضي، حيث كان فعل السرد هو المسيطر على معظم الأعمال، والنغمة الشاملة للمعرض ككل ــ راجع «القدس العربي» في تاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2015 ــ ومن خلال أعمال متنوعة لما يُقارب 36 فناناً، ما بين التصوير، الفوتوغرافيا، أعمال الفيديو آرت، التصميم، الجرافيك، النحت، الخزف، الفنون الرقمية، والوسائط المتعددة.
يبدو الوضع الراهن وتأزمات الواقع المصري هو ما يلفت النظر في هذه الأعمال. لم تزل رؤية ما بعد الحداثة هي المُتحكمة في أساليب الفنانين، بداية من الخلط بين الأشكال الفنية، والمزج بينها، كذلك يبدو الملمح الجديد هنا هو السخرية الشديدة مما نعيشه، وهي حالة تتواصل مع حالات كثيرة من البحث عن يقين ما في الزمن الماضي ــ أساليب بعد حداثية تتوسل بلحظات يقين! ــ قلّ كثيراً اعتماد النصوص الأدبية الشارحة للأعمال، ربما فقط تنويهات عن العمل، ورغم أن الأعمال تحمل عناوين بها شيء من الكلاسيكية، إلا أن معالجة الموضوعات تبتعد تماماً عن البلاغة التشكيلية التقليدية.
من ناحية أخرى تبدو الأعمال في مُجملها تعبيراً ذاتياً واغترابياً عن الحِس الجمعي العام، هناك سخط ذاتي ومحاولات مستميتة في الانفلات من مأزق نفسي بالأساس، والتوتر ما بين البحث عن يقين ما وهذا الانفلات أدى بالبعض إلى الاستعراض التقني للفكرة التي أراد التعبير عنها، بغض النظر عن مدى التواصل مع الجمهور. وأخيراً تبدو الأعمال وكأنها تبحث عن إجهاد المتلقي حتى يتواصل ويُكمل العمل من خلال تأويل مخيلته، نجح البعض في وضع إشارات تضيء العمل، إلا أن البعض الآخر كانت ذاتيته المفرطة سبباً في استغلاق العمل، وجعله فقط عملاً استعراضياً لمهارات استخدام التقنيات التشكيلية، فقط ألعاب استعراضية دون ابتكار من خلال المألوف وتحويره.
تشكيل الفرد وتنميطه
صياغة الفرد ومحاولات تطبيعه وتطويعه لأفكار استهلاكية تنتجها السلطة الاجتماعية والاقتصادية كانت محور عمل كل من الفنانين أحمد محسن في عمله المعنون بـ «إنتاج قطيع الإنسانية» وهو من أعمال التصوير، والآخر رسوم متحركة بعنوان «مخاوف الطبقة الوسطى» لـ أحمد توفيق. كل من العملين يتناول فكراً يناهض ضياع الفرد واستغلاله من خلال ما يستهلكه من سلع، أو أن يصبح في ذاته سلعة مشوهة صنعها وصاغها المجتمع حفاظاً على وجوده كسلطة عليا تتحكم في الجميع. التكوين الملحمي في لوحة أحمد محسن، والإيحاء بتكوين يُشبه لوحات الكتاب المقدس، فلم تعد هناك وصايا عشر، ولا يبدو هناك نبي يرتقي جبلاً، لكن هناك استقرار وهدوء حالات التشابه والتماثل بين الجميع. الألوان أيضاً تبدو وكأنها من ألوان البيئات التاريخية والمقدسة، وكأن فعل التطويع وإنتاج المتشابهين بدأ من زمن سحيق، ولم يزل يُنتج ما يعزز السلطة الكبرى المتحكمة فيهم. وعلى العكس من القوة والجدة في معالجة الفكرة، تأتي معالجة أخرى يقوم بها أحمد توفيق، فالخطوط البسيطة والحركة في كل الكوميديا السوداء تسرد نتائج عملية التطويع هذه والضحك على المخلوقات، بأن تحولوا بدورهم آلات معطوبة، تتحرك في بهلوانية، ولا فارق ما بين شخص ودجاجة أصبحت تشاركه المصير.
محاولات البحث عن يقين
أي يقين يمكن البحث عنه أو حتى محاولة الوصول إليه. تبدو الأعمال في هذا الشأن وهي ترتبط بالذاكرة والقدرة على الحفاظ عليها. إلا أن الذاكرة هنا لا تسعف أصحابها، فيبدأ البحث عن زمن فائت يمكن الوثوق به، أو على أقل تقدير استغلال وجوده وكأنه أصبح زمناً منقضياً، وعالم كاد أن يختفي، حالة الاختفاء هذه والخوف من حدوثها، هي بالضبط كالمحاولة للوصول إلى يقين ما. الأفعال هنا تبدو عادية، كما في العمل الفوتوغرافي لمحمد همام المعنون بـ «حلاق من زمن عتيق» هنا لدينا شخصية ومكان مهنتها، والعلاقة التي أظهرتها اللقطات الفوتوغرافية توضح علاقة صاخب المهنة/الحلاق وأدواته ومكانه وزبائنه. هنا عالم وحكايات من الممكن استنتاجها، ومن مهنة الرجل أيضاً القائمة على الحكي والسرد. كذلك أدوات المهنة القديمة، والتي تكاد تختفي من المحال الحديثة. ورغم الذكاء في اختيار اللقطات وما تحويه من تفاصيل، إلا أن حالة الافتعال لا يمكن إنكارها، هناك شيء مُفتعل في اللقطات، فالرجل/الحلاق يبدو للفنان وكأنه أداة ليس أكثر. أما إبراهيم المولى وعمله الفوتوغرافي «هذه القصة عني» حالة الزمن تبدو على ملامح الشخصية موضوع العمل، سواء في جلسته وحيداً في شارع كبير أمام البيت، أو أن يلحظ وجهه في إطار مقصود، وخلفه جدار متساقط الطلاء، وبعض من تفاصيل جسده الواهن، هنا يصبح الفنان باحثاً عن شكل مستقبلي ربما سيكون عليه، اليقين ذاتي وتشاؤمي إلى حدٍ كبير، ويبدو الحِس الرومانتيكي والاحتفائي بحالة العجز والتقدم في العُمر.
آفاق الكولاج
الكولاج من أعمال تحفيز المخيلة، سواء لدى الفنان او المُتلقي، ومن خلال مواد معروفة وظائفها وعلاقاتها، تتخلق علاقات جديدة في العمل الفني بإعادة إنتاج هذه المواد. بعنوان «هجوم الألعاب» تأتي لوحات أماني نبيل، والتي تتخذ من معالم الميادين في القاهرة أساساً للتكوين في اللوحة، تماثيل الميادين كنجيب محفوظ وطلعت حرب، أو مبنى التلفزيون المصري/ماسبيرو. يبدو تمثال محفوظ وهو يُمسك بمسدس من مسدسات ألعاب الأطفال، بينما يده الأخرى تمسك بعصاه، أي قتال أو لعب الآن ينتويه تمثال الرجل؟! للمتلقي أن يتخيل الحالة العامة لهذه الألعاب بيد هؤلاء. بينما تأتي منى عصام في أعمالها المعنونة بـ «تأمل» لتلعب على ثيمة تكرار العنصر البصري، الشخوص في الأساس، وبعض الإطارات في الخلفية، ما يشبه النوافذ، التكرار هنا إيقاعي ويخلق حالة من التماثل، لكن المتأمل يجد اختلافات في الحركة والوجوه ووضعية الجسد.
رؤى الأجيال الجديدة
ما يميز أعمال «روزنامة» عموماً، والتي تتطور عاماً بعد عام، أن الفنانين يحاولون البحث عن أفكار وتقنيات تكسر حال المألوف والسائد في الفن التشكيلي المصري، ربما تأتي بعض الأعمال مُفتعلة واستعراضية بشكل ما، إلا أن قطع الصلة ما بين التشكيل التقليدي وأجياله السابقة هو أهم ما يميز هذه التجارب، وهي بالطبع مستوحاة تقنية ورؤية من الاطلاع كثيراً على الأعمال الغربية، لكنها خطوة في طريق إيجاد معادل بصري مصري لهذه الأفكار والتقنيات. وما المناخ العام للأعمال ــ مناخ الأزمة ــ إلا مناخ السخرية السوداء والقلق الذاتي، مهما يبدو من يقين موهوم حاول الفنان الإيحاء به أو الإصرار عليه، فحالة الاغتراب هذه يؤكدها الإصرار على نفيها والتحايل على وجودها.
محمد عبد الرحيم