«ارتجال… أبطال عبد الرحمن الشرقاوي»: عرض يراجع قيم وتراث المسرح المصري
[wpcc-script type=”1d1fc6a17912fce3cbfa2846-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: يستند المسرح المصري ويتباهى دوماً بإنتاجه في فترة ستينيات القرن الفائت، وأنها الفترة التي شهدت الطفرة الثقافية والأصالة وما إلى ذلك من التشبيهات والمُسميات التي انفض من حولها الكثيرون. إلا أن النظرة المُتفحصة أو غير الممسوسة بمناخ تلك الفترة، من الممكن أن تسمح بإعادة النظر في هذه العروض وقبلها النصوص المسرحية التي تم إنتاجها في ظِل المناخ النضالي والأيديولوجي وقتها.
وبالتالي تم تصدير العديد من الأسماء التي أصبح من الصعب المساس بها من مؤلفي المسرح، وأن نصوصهم أصبحت ــ وفق زعم أنها من العلامات الفارقة ــ من الكلاسيكيات مضمونة النجاح، وبالتبعية تعطي القيمة الفنية إلى الفنان المسرحي الذي يتوسل بها ويقدمها وفق رؤيته، هذه الرؤية التي في الغالب لا تتعدى اختياره لهذا النص أو ذاك، ليجد نفسه بعد ذلك يحيا مأساة تحويل النص إلى عرض مسرحي.
ذلك ما حرّض على التفكير به العرض المسرحي «ارتجال.. أبطال عبد الرحمن الشرقاوي»، الذي عُرض مؤخراً على مسرح الهناجر/قاعة هدى وصفي،والعرض نتاج ورشة تدريب «فرقه شوشة المسرحية». إضاءة محمد عبد المحسن، موسيقى أحمد فهمي، مخرج مساعد أحمد رشاد، مخرج منفذ أحمد فتحي، سينوغرافيا ورؤية وإخراج حمادة شوشة.
نصوص عبد الرحمن الشرقاوي
يبدأ العرض المسرحي بمجموعة من الممثلين يعانون حالة من الملل، وحالة لا جدوى، فيثرثرون في أي شيء كيفما اتفق، ثم يصعد مخرج العرض ــ محاولة باهتة لكسر الإيهام ــ ويُعلن بداية العرض اعتماداً على نصوص عبد الرحمن الشرقاوي، فقرات مُنتقاة من مسرحياته الشهيرة. مشهد من معاناة «وحشي» الذي قام بقتل «حمزة» من مسرحية «الحسين»، ثم يتلوه مشهد آخر من مسرحية «الفتى مهران»، وأخيراً مشهد ختامي من مسرحية «وطني عكا». بالطبع هذه النصوص وقتها ربما كان لها بعض التأثير وتحقيق النجاح، وربما حتى الآن لها بعض الوقع. يدور التساؤل حول المسرح الشعري المصري، وهذه النصوص متكلفة البلاغة والعبارات الرنانة ــ تأثير ذلك على الأداء المسرحي معروف سلفاً ــ العبارات أشبه بالخطب العصماء، منولوجات طويلة أمام الجمهور، ولا يمكن بحال أن تتآلف مع مفردات العرض المسرحي، أو محاولة للاجتهاد وتطويع النصوص أو الاستناد إليها، لا نقلها كما هي، وهو ما حدث في عرض «ارتجال». ولنتأمل هذا المقطع كمثال .. «يا قاهر الأبطال/إنك رائع كالمعجزة/يا سيد الشهداء حمزة/أنا مَن طعنتك غادراً طعن الجبان/ورميت عزتك الشموخ إلى الهوان/أهديت أشرف ما يجود به الزمان إلى نساء بني أمية». وعلى هذا المنوال تُصاغ العبارات الطوال، فيكون تجسيدها فوق خشبة المسرح شبه المُحال.
الأمر لا يخص أعمال الشرقاوي وحدها، بل العديد من النصوص المكتوبة شعراً، ولا نقارن بكلاسيكيات المسرح الغربي، من سوفوكليس وحتى شكسبير، فهذه النصوص تعرف كيف تتعامل جيداً ومفردات العرض المسرحي. أما محاولة تلفيق الشعر العربي والنثر الموزون وفن المسرح، فالفارق كبير، والمقارنة ليست في صالح مؤلفينا.
المسألة الأخرى هي ما الفارق إذا ما تحوّلت هذه النصوص المكتوبة بالأساس للعرض المسرحي، أو هكذا يتراءى لمؤلفيها، أن تتحول إلى نصوص إذاعية، ما الفارق؟ هل سنشعر بأننا نريد الرؤية والمشاهدة المسرحية، أم سنكتفي بسماعها؟ فهي مكتوبة على غرار القصائد القديمة، اللهم إلا أبيات شعرية على لسان شخصيات. فهل هذا ينتمي إلى الفن المسرحي؟!
الأداء المسرحي
وبالطبع بداية من اختيار النصوص يأتي الأداء المسرحي، حيث المبالغة في الأداء والصوت وحركة الجسد، وانتظار التصفيق الحاد عند نهاية العبارات مشحونة البلاغة ــ لا الدلالة ــ وكأننا نجتلس الصحراء ونستمع إلى ما تيسر من الكلمات الموزونة فتسرقنا طلاوتها. حاول المخرج نظراً لكون المونولوحات طويلة نسبياً، أن يجزئ الشخصية المسرحية إلى عدة شخصيات على المسرح، عدة ممثلات يُكملن حوار الشخصية المسرحية، لم يستطع المخرج مع النص صبرا، لابد من حركة وتكوين مشهد مسرحي على الأقل، أما أن تقف الشخصية وتتحرك ذهاباً وجيئة، لا تدري ما تفعله سوى التفوه بالكلمات البليغة، فهو أمر يخرج عن أعراف المسرح.
التكلف هو السمة الواضحة في العرض، إضافة إلى أن الممثلين لم يكن معظمهم على المستوى نفسه، ومع مراعاة أنهم نتاج ورشة تدريب، والعرض هو إنتاجهم العملي أمام الجمهور، إلا أن التفاوت في الأداء الحركي والصوتي، خاصة أن الشخصيات مطلوب منها التقوّل بمقاطع صاخبة وتشنجات حركية ــ للأسف ــ كانت تثير ضحك بعض المشاهدين!
ورغم اجتهاد المخرج، إلا أنه وقع أسير نصوص تحيا المناخ الأيديولوجي، وتتوسل البلاغة القديمة، وتناقش قضايا بالفعل لم تزل قائمة في عالمنا الموصوم بالعروبة ــ وهـم الـقومية الذي اختفى ــ كالفساد السياسي والسُلطة الجـائرة، ولكن في صياغة قد تميل بعاطفة البعض، أو يمـكن تدريسها في المدارس على سبيل اختبارات البـلاغة الـعربية العـتيقة. وكم من الجرائم تُـرتكب بـاسم البــلاغة.
محمد عبد الرحيم