فيلم مؤيد العليان «حب وسرقة ومشاكل أخرى»: حكاية فلسطينية ولكن على الطريقة الأمريكية

القاهرة ـ «القدس العربي»: عندما تستعد لمشاهدة فيلم من فلسطين أو عنها ــ إلا قِلة من الأعمال التي يرحمنا بها الله من حين لآخر ــ فإن العديد من الكلاشيهات تتواتر في ذهنك، العبارات النضالية، الجهاد بأي طريقة، وتوجيه الرسالة للغرب أولاً، لكسب المزيد من التعاطف، والأدق لكسب بعض الجوائز في المهرجانات، ومغازلة بعض الحالمين من ثوار المقاهي وأبخرة الشاي من عاقدي الشال الفلسطيني حول رقابهم، كشارة موسومة للنضال. ويبدو أن فيلم «حب وسرقة وأشياء أخرى» للمخرج مؤيد عليان، نجح في الابتعاد بقدر ما عن هذه التركيبة التقليدية، وإن توسل في الوقت نفسه بتركيبة أخرى ــ الوصفة الأمريكية ــ لعرض حكاية فيلمه. وربما شفع له أنها تجربته الروائية الطويلة الأولى، بعد عدة تجارب قصيرة ووثائقية، منها «ليش صابرين» و«منفيون في القدس». عُرض الفيلم ضمن العروض الخاصة بسينما زاوية في القاهرة منذ أيام.

فيلم مؤيد العليان «حب وسرقة ومشاكل أخرى»: حكاية فلسطينية ولكن على الطريقة الأمريكية

[wpcc-script type=”2b7a96851ec5a186b1227cc3-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: عندما تستعد لمشاهدة فيلم من فلسطين أو عنها ــ إلا قِلة من الأعمال التي يرحمنا بها الله من حين لآخر ــ فإن العديد من الكلاشيهات تتواتر في ذهنك، العبارات النضالية، الجهاد بأي طريقة، وتوجيه الرسالة للغرب أولاً، لكسب المزيد من التعاطف، والأدق لكسب بعض الجوائز في المهرجانات، ومغازلة بعض الحالمين من ثوار المقاهي وأبخرة الشاي من عاقدي الشال الفلسطيني حول رقابهم، كشارة موسومة للنضال. ويبدو أن فيلم «حب وسرقة وأشياء أخرى» للمخرج مؤيد عليان، نجح في الابتعاد بقدر ما عن هذه التركيبة التقليدية، وإن توسل في الوقت نفسه بتركيبة أخرى ــ الوصفة الأمريكية ــ لعرض حكاية فيلمه. وربما شفع له أنها تجربته الروائية الطويلة الأولى، بعد عدة تجارب قصيرة ووثائقية، منها «ليش صابرين» و«منفيون في القدس». عُرض الفيلم ضمن العروض الخاصة بسينما زاوية في القاهرة منذ أيام.

الحكاية

موسى شاب فلسطيني يعمل مع أبيه كعامل بناء، بناء المستوطنات، فلا عمل ولا أمل سوى الفرار من هذا الواقع المتأزم، ويحلم بالسفر للخارج، ويحاول جمع المال اللازم لتكلفة الرحلة وبداية حياة جديدة، يقوم مصادفة بسرقة إحدى السيارات، إلا أن هذه السيارة تخص إحدى المجموعات النضالية، وبها جندي إسرائيلي، يتم التفاوض بشأنه مع السلطات حتى يتم الإفراج عن بعض الأسرى من الفلسطينيين، لتبدأ المشكلات وتتوصل إليه جماعة النضال، ومن ناحية أخرى يحقق معه أحد رجال المخابرات الإسرائيليين، ويهدده بإفشاء سر علاقته بامرأة متزوجة من أحد رجال الأعمال والسلطة الفلسطينية ــ هي في الأصل حبيبته وأم ابنته ــ وهكذا تتأزم الأمور. هذه الطريقة معروفة في السرد السينمائي، من أزمة صغيرة إلى مشكلات أكبر، حيث لا مفر أمام البطل ولا مهرب. ولكن تقنية السيناريو وتنفيذه تتشابه كثيراً مع طريقة السينما الأمريكية، المثال الصارخ مع الفارق بالطبع فيلم U – TURN لأوليفر ستون. ستون الذي حلل طبيعة المجتمع الأمريكي وبنيته في أعمق صورة لها، بينما كان ما يشغل مخرج الحب والسرقة أشياء أخرى، أهمها التشويق والإثارة، فالجميع يريدون البطل وحياته بأي ثمن.

الأبيض والأسود والحِس الساخر

اختار المخرج أن يكون فيلمه بالأبيض والأسود، فلا ألوان على هذه الأرض، ومن تدرجات اللون الرمادي تبدو صورة الفيلم، الرماديات هي الأكثر سيطرة، الحوائط العالية، غرف التحقيق، أقبية رجال المقاومة، حتى الأشجار وظلالها على النهر. من ناحية أخرى يبدو الحِس الساخر الذي يحيط الحدث الرئيس، فطالما الواقع لا ينتمي لأي منطق، فبالضرورة أن يتم السخرية منه لأقصى حد. لم يتأسى الفيلم لبطله، ولكنه يحاول رسم صورة صادقة ــ بالأبيض والأسود ــ لهذا الواقع.

مقولات النضال الضرورية

أصبح من المعروف تماماً أن فريق النضال الرسمي، الذي يمثل فلسطين في محافل الدولية، يمثل شكلاً فجاً من التواطؤ، وأما الشعب المسجون عبر الحدود والبوابات والتصاريح، والذي لا يجد عملاً ولا يأمن على حياته يوماً، أصبح هؤلاء في نسيان تام، اللهم التحدث باسمهم عند الضرورة ــ هكذا يفعل كل الساسة العرب مع شعوبهم ــ ليقولها «موسى» صراحة أمام مسؤول فرقة المقاومة، والذي كان مثلاً أعلى لموسى من قبل، أن الساسة أشباههم هم السبب في ما يحدث. ويتشابه حال موسى والكثيرين، فلا عمل ولا علاقة حب طبيعية ــ حبيبته وأم ابنته متزوجه بآخر ثري ــ ولا أدنى أمل حتى في الرحيل أو الفرار بمعنى أدق.

الجندي الإسرائيلي والمرأة العجوز

كان من المفترض أن تنشأ حكاية بين موسى والجندي الأسير الذي وجده مصادفة، إلا أن العلاقة بينهما اقتربت أكثر من الشكل الكاريكاتيري، كلمات متبادلة غير مفهومة، إنكليزية موسى المحدودة، وغناء الجندي بالعبرية. نجح الفيلم في عدم التورط بالتفاعل بينهما وفق التفكير الحالم بمحاولة الحياة المشتركة، ولكن تعامله كان أوقع، فاللقاء جاء مصادفة ــ سيئة بالطبع ــ وكل منهما في مأزق، وكل منهما أسير آخر يريد دمه، الجميع هنا يتفاوض من خلالهما، مجرد لعبة بين قوى أكبر، تريد بشتى الطرق الحفاظ على نفسها. المفارقة أنهما يدخلان بيت امرأة عجوز عمياء ــ لابد وأن تكون عمياء، حتى لا تلحظ الجندي المختطف! – المرأة تنتظر الإفراج عن الأسرى فابنها منهم، وتنتظر تسليم الجندي للمقايضة به، وبينما يتم القبض على موسى في النهاية، بعد قتله زوج حبيبته، يهلل الجميع على شاشات التلفزيون، فالصفقة تمت بنجاح!
يبدو أن فكرة الفيلم وبالتبعية السيناريو قاما على تقديم نموذج وتكثيف الأحداث، ومحاولة نمذجة الحكاية ككل، بمعنى تركيبة مُختلقة، بها الكثير من لي ذراع الدراما، والكتابة على شاكلة دروس السيناريو الأمريكية ــ الشائعة ــ لنضع البطل في مأزق، ثم نطور المأزق لآخر أشد قسوة، لابد من السخرية والضحك هنا، لا نريد مأساويات، هل سنترك زوج المرأة يقتل البطل وينتهي الأمر بالتكتم على الجثة، لا لنجعل البطل يقتل الزوج، ويدخل السجن، إننا نريد أن نقول أن السجن في كل مكان. حسناً اتفقنا!!

رؤية الجيل الجديد

للسينما الفلسطينية رؤيتها عبر عدة أجيال من مخرجيها، وبالنظر إلى ذلك يبدو أن هذه الرؤية تتباين الآن، فالحل الذي كان يبحث عنه ميشيل خليفي في «عُرس الجليل»، وضرورة التعايش بين الشعبين، وإدعاء الرفض والنضال الزاعق والملفق كما يفعل رشيد مشهراوي، وصولاً إلى سينما إيليا سليمان، ومناقشة الموضوعات في عقلانية شديدة ورؤية جمالية مختلفة تماماً، وسخرية سوداء مدروسة. أما الجيل الجديد ومنهم مؤيد عليان، فيدركون تماماً أن الأفق غائم، ولا رؤية في المستقبل واضحة، وتأكد هذا الجيل من أن مأساتهم تكمن في ساساتهم قبل أي شيء، وصراعهم مع أجيال سابقة عاشت النضال وتم سجنها، وأفنت أعمارها في سجون الاحتلال، الوضع مرتبك، وما السخرية إلا من وضع عام، لا يدري أحد عن تشكلاته وتأزماته، نتحدث عن الناس العادية القابعة بالفعل تحت وطأة الاحتلال، معاناة البطالة والملاحقة وتصاريح المرور، جو خانق لا يُحتمل.
وتعد السينما صوت هؤلاء، ولكن هل من الممكن اعتبار السينما وبعد تجاربها وفنانيها على شاكلة الساسة المبجلين؟ بمعنى أنها تاجرت بهؤلاء أيضاً، واستغلت القضية أو المأساة في الترويج لأسماء معينة، فقط تذهب لهذه الأرض في زيارات خاطفة، وتلتقط الصور ــ أرشيف نضالي خائب ــ ويتم الإعلان بعدها عن فيلم جديد! تم استغلال هؤلاء والترويج لبضاعة والتربح منها، والعيش بعيداً عن معاناتهم. لا نقول ان الفنان عليه أن يعمل في الفاعل مثلاً، وأن يقف في وجه دبابة ــ لن يجرؤ ــ ولكن أن يستغل التحدث بلسان هؤلاء، ويتعامل معهم كمبعوث أممي، يعرف كل شيء ويوزع بركاته الممقوتة، ومقولاته الجوفاء كالقادة السياسيين الذين يسبهم في أفلامه ويصادقهم في جلسة يتبادلون فيها الكؤوس. وعلى المُشاهد فقط أن يستشعر مدى صدق أو زيف الفيلم الذي يراه، وبالتبعية مدى مصداقية صاحبه.

فيلم مؤيد العليان «حب وسرقة ومشاكل أخرى»: حكاية فلسطينية ولكن على الطريقة الأمريكية

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *