الناقد المصري رضا عطية: لا توجد قامات نقدية الآن والموقف من الأصوات الجديدة مرتبك
[wpcc-script type=”69348940963b73f224cebc43-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: في ظل الزخم الإبداعي وتنوعه ــ بغض النظر عن قيمته ــ أصبح النقد الأدبي يعاني بدوره من محاولاته في متابعة هذا الإنتاج، ويبدو أن الأصوات النقدية الكلاسيكية تقف موقفاً لا تحسد عليه، ولا تجد دفاعاً إلا التعالي أو الركون إلى أصحاب الكتابات الكلاسيكية التي قُتلت بحثاً، فكان لابد من تجديد دماء هذا النقد، ومحاولة الخروج منه ولو بقدر عن الخط الأكاديمي الآسن، ومن هذه الأصوات المثابرة الناقد رضا عطية، الذي يحاول أن يصنع حالة من التوازن ما بين الوعي الأكاديمي والحِس النقدي، فكان لـ«القدس العربي» معه هذا الحوار، في ظل تقديم الأصوات الجديدة في الإبداع الأدبي والنقدي.
○ كيف ترى حال النقد والناقد الآن في العالم العربي؟
• توجد جهود نقدية طيبة الآن، ولكن لا توجد قامات نقدية في ملء قامات عظيمة كصلاح فضل وكمال أبو ديب وجابر عصفور واعتدال عثمان وفريال غزول ويمنى العيد وفيصل دراج وغيرهم من عمالقة جيلي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. في تقديري أن هذا يرجع لعدم ابتعاث النقاد والباحثين الواعدين للخارج إضافة لضعف المعارف الفلسفية لدى معظم المشتغلين بالنقد حاليا، فالقراءة بلغة أجنبية والاطلاع على الفلسفة الحديثة هما أهم زادين يحتاجهما الناقد لإنماء مداركه. لذا يعيب أجيالنا الحالية أنها تعيش على ما قدمه لنا جيل الريادة النقدية في الســبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
○ما هي الملامح الأساسية لمشروعك النقدي؟
• أسعى لتقديم مشروع نقدي يعتمد على تنويع قراءاتي الجمالية لتشمل مختلف أنواع الكتابة وأجناس الأدب من رواية وقصة وشعر ومسرح، وإن كنت قد لاحظت أن من نقائص الجهود النقدية التطبيقية استئثار الرواية بالنصيب الأوفر من الجهد النقدي، ربما لسهولة نقد الرواية مقارنة بنقد الشعر والمسرح، اللذين يحتاجان لقدرات نقدية خاصة وكفاءة قرائية عالية ومعرفة بقواعد الدراما في حال النقد المسرحي، لذا فقد كان اهتمامي الأكبر بنقد الشعر لحفظ التوازن. فكتبت فيه ما يناهز المئة دراسة ومقال، ما بين نقد الشعر العمودي والقصيدة التفعيلية وكذلك الشعر اللاتفعيلي (قصيدة النثر)، بجانب نقد شعر العامية، فكتبت عن الأبنودي وجاهين وسيد حجاب ونجم. إضافة لإسهامي بجهد في نقد المسرح حيث كانت رسالتي للماجستير بتقديم قراءة سيميولوجية في مسرح سعد الله ونوس، كذلك كتابتي عن مسرح الحكيم ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور وعلي سالم. أنا أؤمن بضرورة تطوير الناقد لمشروعه وتعديل استراتيجيته، فرغم سعيي في بداياتي لتناول أعمال مختلف الأجيال الإبداعية، لاسيما الرواد كنجيب محفوظ وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل ونزار قباني ومحمود درويش، فقد صرت في هذه البرهة الزمنية والمرحلة الحالية أكثر ميلاً إلى تناول رموز الكتابة الطليعية، خاصة في الشعر كسركون بولص ووديع سعادة وسنية صالح وإيمان مرسال وجيهان عمر وجرجس شكري وغيرهم. من ناحية أخرى أحاول الجمع بين إعادة إنتاج النص لتقديمه للقارئ بتأويله جماليا، والعمق الأكاديمي، من دون إسراف في ترديد نظريات وعرض مصطلحات نقدية تجعل من النص الذي أكون بصدد قراءته مطية لاستظهار المعارف النقدية الصماء والمعلومات التنظيرية، فلابد في أي قراءة نقدية تطبيقية ألا يخضع الناقدُ النصَ لمنهج نقدي ما عنوةً، بقدر ما ينتقي- وفقًا لوعيه وذائقته – للنص المنهج الذي يناسبه، وفي هذا الصدد لا أرى مانعاً في أن ينوِّع الناقد من المناهج المستخدمة لقراءة النص وفقاً لما يراه من احتياجات هذا النص. وأسعي في الأخير من خلال خطابي النقدي إلى تقديم أسئلة للقارئ، كتابة التساؤل مهمة وتستدرج القارئ إلى لعبة التاؤيل. يتوسل النقاد بمعالجة نصوص كبار الكتاب، حتى أنها أصبحت محاولات مكرورة تضفي الأهمية على ما يكتبه الناقد، بمعنى أنه ينشغل بكيفية تقديم نفسه أكثر من تقديم رؤية جديدة تفيد النص أو المتلقي. في رأيي، يحتاج النقاد والباحثون في مطلع مشوارهم النقدي إلى أن يقدموا أنفسهم من خلال نافذة جماهيرية عريضة بتناول كتاب متحققين ومبدعين راسخين، لكنّ عليهم أن يقدموا أوراق اعتمادهم للقارئ بأن يضيفوا جديدًا في تناولهم هؤلاء المبدعين المُكرسين، وإذا كان النص كعلامة مرتحلة أبدا بتعبير جاك دريدا الذي يبقي النص عائما، غير محسوم الدلالة، بل في حالة اختلاف مرجئ لمعانيه ودلالته وهو ما يجعل أي نص مهما بلغت كلاسيكيته قابلاً لإعادة التأويل وإنتاج الدلالة، فلا مانع من تقديم قراءة نقدية مجددة لأعمال المبدعين الكبار. وبالنسبة لي، في بداياتي في كتابتي عن نجيب محفوظ حرصت أن أتناول أعمالاً لمحفوظ لم تحظ بحقها من القراءة ولم تلق عناية نقدية وافرة، فكتبت عن سرديات الحلم عند محفوظ في «رأيت فيما يرى النائم» و«أحلام فترة النقاهة»، كما كانت لي دراسة عن مجموعة «صدى النسيان» التي صدرت لمحفوظ بعد حصوله على نوبل وكانت تجميعا لقصاصات القصص التي لم تنشر في مجموعاته الأولى، ولم تنل أي عناية نقدية، فتعاملت دراستي لهذا النص المحفوظي مع هيكله السردي وبنيته الجامعة بين التشظي المتمثل في تعدد القصص والتضام البادي في توافر قواسم مشتركة بينها.
○ماذا عن دور الشللية في الوسط الثقافي وتأثيرها على العملية النقدية، هذه الشللية التي ضمت الكاتب والناقد معا؟
• أرى أن الكتابة الحقيقية والجهد المتميز لابد أن يصل وينال المكانة التي يستحقها، في حالة أن تكون كتابة نقدية محاباة لعلاقات شللية أو مجاملة لصاحبها من دون استحقاق إبداعه لذلك، فهي لا تصل للجمهور الحقيقي ولا يعبأ بها المتلقي الواعي ولا يتناولها القارئ النخبوي وتموت مبكراً.
○ كيف ترى موقف النقد من الأصوات الجديدة؟
• موقف النقد من الأصوات الجديدة ملتبس ومرتبك على الأغلب، ما بين أنّ طائفة من النقاد خصوصاً المدرسين لا يكتبون إلا عن مبدعين مترسخين وتم تناولهم كثيرا واستهلاكهم نقديا بغرض حشو هؤلاء الباحثين دراساتهم بنقول وطروحات من دراسات السابقين، في المقابل أحيانًا ما يقع الناقد المتحمس في شرك الكتابة عن كُتّاب غير حقيقيين ومتوسطي القدرات «موديوكر» أو دون المتوسط توهمًا أنّه بذا يجدد في الخطاب النقدي، وبالنسبة لي في الخمس سنوات الأخيرة أكثر شاعرين راهنت عليهما من الأصوات الجديدة هما جورج ضرغام وإبراهيم السيد. أعتقد أنّ لو كل إقليم قدم مبدعًا حقيقيا أو شاعرًا واعدًا كل خمس سنوات فهذا يكفي جدا.
○ ما تأثير العالم الافتراضي على الإبداع الأدبي؟
• أتاح العالم الافتراضي ما يسمى بـ«النص التفاعلي»، وصارت «السوشيال ميديا» نافذة مفتوحة للجميع لتقديم كتاباتهم، وإن كان الشعر وما عُرِف بالقصة القصيرة جدا التي سعى كثيرون لكتابتها هما الأكثر تقديما عبر العالم الافتراضي، ورغم أن ذلك أوجد نافذة بديلة للنشر الورقي لكنه أحدث «زحمة» في عدد الكتاب، ولكنّ الكتابة الحقيقية هي التي ستصل للمتلقي وستبقى.
○ وماذا عن دعاية دور النشر وتأثيرها على تلقي الأعمال الأدبية وانتشارها؟
• السوق يحتاج للدور الذي تؤديه دور النشر، وفي ظني أنّ كثافة الدعاية لمنتج رديء لن تفيده مهما بلغت، لكن مسألة انتشار الأعمال الإبداعية ووصولها لقارئها تجد صعوبة كبيرة فلابد من إنشاء «مولات» لبيع الكتب في المراكز والمدن الكبرى.
○ هل أفادت الجوائز الأدبية المنتشرة الآن الحركة الإبداعية، رغم الجدل حول قيمة هذه الأعمال؟
• الجوائز حافز مادي يحتاجه الكاتب، ورغم الجدل الذي يثار حول استحقاقية الأعمال الفائزة بتلك الجوائز، فإن فوز نص إبداعي بجائزة ما لا يكون حائلاً أمام الكتابة الجميلة للوصول إلى قارئها.
○ رأيك في الزخم الروائي المصري والعربي عموماً؟
• رأيي أن هذا الزخم مفيد، لأن أي تجربة تطوّر نفسها وهذا الانفجار الروائي والفيضان في كتابة الرواية حتمًا يتيح روافد عديدة للتجريب وتحديث النوع الأدبي.
○ هل نعيش عصر الكتابة المجانية؟
• الكتابة المجانية في اعتقادي موجودة في كل عصر وكل مكان لكن التجربة والزمن لا يبقيان إلا الكتابة الحقيقية والمتميزة.
○ كيف تقيّم تجربتك مع مجلة فصول؟
• أعتقد أن «فصول» هي المجلة الأكاديمية الأكبر في النقد الأدبي عربياً، التي أدت دورها الأكبر في ثمانينيات القرن العشرين في نقل المناهج النقدية الحداثية كالبنيوية والأسلوبية والتفكيكية إلى الخطاب النقدي العربي، سعدت بتجربتي في فصول من 2013 حتى 2016 برفقة الناقد محمد بدوي الذي أعاد للمجلة حيويتها وحضورها الجماهيري فشهدت فصول في عهده توسعًا ملحوظًا في خطاباتها لتضم حقولاً معرفية وتفتح أفاقًا جديدة بجانب الاهتمام بالنقد الأدبي، كالنقد الثقافي والدراسات الفلسفية، سعينا في فصول لتوسيع سياق المجلة، كما سعينا لتجديد الخطاب النقدي ليشمل التحليل الثقافي لجوار النقد الأدبي، إضافة لتناول أجيال وأسماء جديدة من المبدعين لم يسبق لـ«فصول» أن تناولت تجاربهم رغم رسوخها وطليعيتها، فعلى سبيل المثال قدمنا في 2015 أربعة أعداد في شعر الحداثة وما بعد الحداثة لأول مرة يُنشر في فصول دراسات عن يوسف الخال وعبد المنعم رمضان وإيمان مرسال وقاسم حداد ومحمد سليمان وأحمد طه وجرجس شكري وفاطمة قنديل وعماد أبو صالح وغيرهم، مع العناية برموز الريادة في الحداثة الشعرية كأدونيس وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش وأمل دنقل، إضافة لنقد شعر العامية الذي كانت الكتابة النقدية الرصينة بمنأى عنه ويتعالى النقد الأكاديمي عليه. كذلك قدمنا في فصول عشرات الأسماء الجديدة من النقاد والباحثين المصريين والعرب التي كان ينشر لها لأول مرة في فصول، إضافة لوجود أسماء كتاب ونقاد كبار كالفيلسوف مراد وهبة وحسن حنفي وسيزا قاسم وفخري صالح وغيرهم، إضافة لتقديم وفرة من الدراسات المترجمة خصوصاً في التنظير النقدي والفلسفة.
○ وفي الأخير ما هو جديدك الذي ستقدمه الفترة المقبلة؟
• ينتظر أن يصدر لي الأشهر المقبلة ثلاثة كتب، أحدها عن الشاعر العراقي سركون بولص، هذا الكتاب الذي أعتبره أهم إسهام نقدي بالنسبة لي في مشواري حتى الآن، سركون بولص الشاعر المتجاوز الذي لم يُكتَشف نقديا بعد، وسركون- بالنسبة لي- أجمل وأهم شاعر عربي معاصر، لم يفك النقد شيفراته بعد ولم يُقرأ قراءة جمالية تستوعبه، كما أنتظر أن يصدر لي كتاب عن سعد الله ونوس، وآخر عن نجيب محفوظ بعنوان «العائش في السرد». كما أنتهي هذه الفترة من إنجاز بحثي للدكتوراه حول «الاغتراب في شعر سعدي يوسف: دراسة في النقد الثقافي».
محمد عبد الرحيم