المعرض العام الـ 38 في «قصر الفنون» في القاهرة مناسبة روتينية لأعمال تشكيلية غاية في التقليدية
[wpcc-script type=”923bd8ed96399125eae0868c-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»:يُقام حالياً في قصر الفنون في دار الأوبرا في القاهرة «المعرض العام» في نسخته الثامنة والثلاثين، ومن المفترض أن تكون هذه المناسبة فرصة لعرض جديد الحركة التشكيلية المصرية المعاصرة، وأن يكون صورة يمكن من خلالها تلمّس مدى تطور هذه الحركة، سواء على مستوى التقنية أو الأفكار. لكن الأمر في ما يبدو أصبح ينتمي لأي مناسبة تعقدها وزارة الثقافة على اختلاف مجالاتها كالمؤتمرات الفكرية أو الشعرية أو ما يخص الرواية، فالمهم أن تُعقد المناسبة وكيفما اتفق تأتي الأعمال المُشاركة كـ (سد خانة) لا أكثر ولا أقل. لا تتوافر لدي معلومات عن الصراعات والمواجهات داخل قطاع الفنون التشكيلية، لكن تكرار أسماء بعينها من الفنانين، وعرض أعمالهم في عدة معارض جماعية يُشرف عليها قطاع الفنون، مقارنة بين المعارض الخاصة والتي تأتي في معظمها متميزة إلى حدٍ كبير، والتي بالطبع لا يُشارك فنانوها في معارض تخص الدولة إلا في ما ندر، أو المرضي عنهم، أو المتخذ منهم موقف من المشاركة. ليأتي معرض هذا العام لا يحمل جديداً، فقط تكرار لأعمال فنانين وكأنهم اكتفوا بما قدموه أو تم عرضه مسبقاً، فتصبح مشاركتهم من قبيل تحصيل الحاصل. بالطبع لا يمكن التعميم، لكن من بين العدد الكبير من الفنانين المُشاركين، وكم الأعمال الفنية، لا نجد إلا القليل منها الذي حاول أن يقدم رؤية جديدة أو محاولة للخروج من أسر التقليدية التي تضرب المعرض ككل.
الجسد
الاحتفاء بالجسد الإنساني سمة من سمات الفن التشكيلي، رصد حالاته وتحولاته، ومحاولة إعطاء دلالات تتعدى الوظيفي إلى الجمالي، أو يصبح الجسد فكرة وجودية تحاول التحقق. تجلى هذا في بعض الأعمال سواء في مجال التصوير الزيتي أو الفوتوغرافي وأعمال النحت. فالفنان رمسيس مرزوق على سبيل المثال يخلق الفضاء التشكيلي للوحة/الصورة من خلال تباين حاد للظِل والنور، وفقط الأبيض والأسود القادر على الإيحاء أكثر من الفوتوغرافيا الملونة. هنا يصبح الجسد المجهولة صاحبته والتي تحاول أن تحتفظ أو تخفي الجزء الأكبر منه، لكن الظِل لا يستطيع أن يمنع تفاصل الجسد بأن تصبح وتكون، حالة أشبه بالهروب رغم كل القيود المفروضة من صاحبته. ومن هذا الإيحاء بالوجود يبدو الوجود الكامل في فناء الجسد من خلال حركة الرقص الصوفي، كما في لوحة الفنانة جيداء زكريا التي تأتي لتجسد حالة راقصي الصوفية، فقط لطشات لونية تخفي ملامحهم، وتصبح الدائرة هي أهم تفصيلة في اللوحة، من خلال أوضاعهم الراقصة وتنوراتهم التي تخلق هذا الشكل. هنا يختفي الجسد تماماً ويصبح في حالة انشغال بتحققه عبر الوصول إلى المُطلق، فلا ينشغل بتفاصيله، فقط معْبراً لحالة أعلى، هذه الحالة التي تؤكدها زاوية التصوير المرتفعة التي اختارتها الفنانة لتجسيد فكرتها، اللافت هنا هو التأكيد على فناء الجسد في محاولاته المستمرة والعمل على ذلك في صبر ويقين. والجسد كموضوع تتناوله من زاوية أخرى الفنانة شيماء علاء في أربع لقطات تمثل حالات مختلفة لصاحبة الجسد من خلال اختلاق أشكال للجسد وعلاقته باللون الأحمر الذي قد يتمثل في مجموعة زهور متناثرة أو رداء يكشف عن رغبات هذا التكوين وروح صاحبته. حالة أخيرة تمثلها لوحة الفنان عماد إبراهيم أسرة من الفلاحين يتشاركون في حمل ثمار البرتقال، هنا يبدون كالجسد الواحد، جسد العمل الشاق، والتباين يأتي من لون وشكل الثمار المُبهج، وبين سمات الشقاء على ملامحهم، وإن كانت اللوحة معالجة مباشرة للفكرة، إلا انها تحمل سمات أسلوبية معقولة.
روح الطبيعة
أعمال النحت حاولت تجسيد حالة الكائنات الحية، بداية من الثور في عمل الفنان أيمن سعداوي أو العنكبوت في عمل الفنان هاني فيصل. ما يميز كل منهما هو الإيحاء الشديد بالحركة وكيفية التعبير عنها، القوة والانفلات في حالة تمثال الثور، أو الترقب والهدوء والحيلة كما في حالة العنكبوت. المقابلة بين الحالتين كالمواجهة والاختباء أو التربص هما الأمثل للعين، لا يقتصر الأمر على تكوين كل منهما، ووظيفته، أكثر من كونهما دلالة لحالة العودة إلى طبيعتهما. عالم قائم بذاته، لا وجود لإنسان، كل منهما يتمثل البطولة ويعيشها بالفعل. الطبيعة أيضاً نجدها في أعمال الفنان عز الدين نجيب الذي تأثره الأماكن، والذي يستعيض بها عن حيوات مَن سكنوها. المنازل والبيوت المتقاربة في بيئات القرى، تبدو الأماكن في غاية المهابة رغم ألوانها الباهتة، التي يسجل عليها الزمن تفاصيله، التي لولاه لما اتخذت هذه المكانة وهذا القدر من التبجيل.
الشعبي والأرستقراطي
لم نزل نتحدث عن ثيمات الأعمال الفنية، أو وجهة النظر التي تسيطر على الفنان، والمقابلة شديدة التباين تبدو في الحِس الأرستقراطي الذي تمثله الفنانة عقيلة رياض والتي لم تزل تستمد تجربتها من الفترة الملكية وعوالمها. الأمر لا يقتصر على شكل الأزياء والتكوين اللوني، ومحاولة التلامس مع العوالم الفرعونية من خلال الرموز كمفتاح الحياة على سبيل المثال وما شابه من التكوين الجسماني للشخوص، المسألة تكمن في المسافة البعيدة عما نحياه اليوم، لا نقصد الترجمة الحرفية للحياة، ولكن بعد أن تتخلص من سيطرة جماليات اللون، وتنظر إلى التفاصيل، يبدو التساؤل .. وبعدين؟! على الجانب الآخر يبدو العالم الشعبي والمتفلسف إلى حدٍ ما من خلال عمل الفنان محمود إبراهيم حيث يجسد شخصية الطبّال والأقرب إلى المهرّج فوق المسرح، الجمهور هنا ملامح جسد فقط، دون تفاصيل، وتنقلب الآية ليصبح المؤدي في الخشبة هو الذي يستمتع برؤيتهم، كلهم بلا ملامح، وهو فقط المُتاح له الظهور والسيطرة على المشهد ككل. كذلك محاولة الإيجاز في الخط واللون، الأمر الذي يقترب من رسومات الأطفال، والاعتماد على التشكيل من خلال الدوائر والمثلثات في أغلب اللوحة.
الفكرة والتقنية
ومن أهم الأعمال اللافتة في المعرض يأتي عمل الفنان محمود مرعي، حيث يبدأ بمفهوم مُخالف لما هو مُستقر في الوعي. الشكل الدائري هنا ليس حالة من التواصل الدائم والمستمر كما في الصوفية، بل صراعاً لم ولن ينتهي، سلسلة من العذابات والقيود والعوالم المنفصلة، لا يوجد تواصل ولا توجد سوى الوحدة. دائرة من ألواح الخشب وبعض من قضبان الحديد، وفي الأسفل كُتل من الإسمنت. سجن لا مفر منه ومن خامات توحي بالخشونة والصلابة، رغم ما يبدو من ضعف حيلتها ــ أعواد رفيعة من الحديد ــ هنا تبدو مدى القسوة التي يعيشها البعض منا. ورغم اللوحة التي تحمل بعض العبارات الإنشائية عن فحوى العمل، إلا أنها جاءت زائدة عن الحاجة، ولم تضف شيئاً، خاصة وأن العمل يتحدث بذاته، ولا ضرورة لمحاولة اختلاق عبارات تحمل سمات فلسفية مُبهمة! فالفكرة هنا تماهت مع التقنية والخامة بشكل كبير.
محمد عبد الرحيم