من فعاليات مهرجان كان في دورته الـ 69 : الاحتفاء بسينما كين لوتش وأعمال وودي آلن وألمودوفار وحضور لافت للفيلم المصري «اشتباك»
[wpcc-script type=”649db69717a5f69b02d87d9c-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»:تتواصل فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته التاسعة والستين، والتي بدأت في الحادي عشر من الشهر الجاري، وستنتهي في الثاني والعشرين من الشهر نفسه. يترأس لجنة التحكيم المخرج الاسترالي جورج ميلر، وقد افتتح وودي آلن المهرجان بفيلمه «كافيه سوسايتيه»، إضافة إلى الاحتفاء بالمخرج البريطاني كين لوتش، وفيلمه «أنا دانيال بلاك»، الذي يتنافس على السعفة الذهبية للمهرجان. كذلك الحضور القوي للفيلم المصري «اشتباك» لمخرجه محمد دياب، والذي لاقى استحساناً كبيراً عند عرضه الافتتاحي بقسم نظرة خاصة بالمهرجان. وسنحاول استعراض أهم هذه العروض حتى الآن وقبل ختام المهرجان الوشيك.
دانيال بلاك
يأتي فيلم «أنا دانيال بلاك» للمخرج البريطاني كين لوتش، والذي قارب على الثمانين، مواصلاً رؤيته إلى العالم، حالة الضياع والفقد في ظل رأسمالية لا ترحم. وهو نهج تبناه لوتش في أغلب أعماله، هذه الرؤية الواقعية النقدية لأزمة قائمة لن تنتهي بسلام، فشخصية دانيال بلاك تمثل نموذجاً للإنسان العادي، وتجميعاً لعدة صفات وحيوات لأشخاص حقيقيين، فلا يبدو الخيال إلا في الرؤية والصياغة السينمائية للحكاية أو الموقف من النظام عموماً. بلاك نجار من نيوكاسل، في التاسعة والخمسين، وبسبب مرضه بالقلب لا يستطيع العودة إلى العمل، فيصبح تحت رحمة مساعدة الرعاية الاجتماعية، لكن القوانين والشروط تجعله بعيداً عن هذه الرحمة! والرجل لا يعرف سوى عمله، ولا يستطيع التواصل مع العالم وحداثته، كاستخدام الكمبيوتر وما شابه، كالمراسلات بالإيميل على سبيل المثال، يحاول أن يخط شكواه بالقلم. ومصادفة يقابل كاتي امرأة اضطرت الانتقال مع طفليها إلى نيوكاسل أملاً في حصولها على سكن من الدولة، لكنها تصبح بلا عمل وتفشل في الإنفاق على طفليها، فما من الرجل إلا التعاطف معها ولعب دور الأب. ويفضح لوتش النظام من كونه إجراءات بيروقراطية لا تتفاعل مطلقاً مع الفقراء، بل تستغلهم واقعياً .. كاتي التي تحاول سرقة بعض النقود، تفشل ويمسك بها رجل الأمن، ويبدو أنه تعاطف معها، فأعطاها رقم هاتفه بغرض مساعدتها، إلا انه في الحقيقة يستغلها ويحاول توريطها بالعمل لدى شبكة دعارة! ولابد في النهاية أن يقدّم بلاك روحه إلى هذا النظام، فيموت بأزمة قلبية داخل دار الرعاية الاجتماعية التي طالما وقف أمام لجانها، حتى تعترف أخيراً بحالته المرضية.
ضحايا صالح هارون
ومن ضحايا النظام الرأسمالي في أوروبا، يأتي ضحايا جنون السُلطة في أفريقيا، التعذيب والمجازر الصريحة، وذلك من خلال فيلم المخرج التشادي محمد صالح هارون «حسين حبري .. تراجيديا تشادية»، وهنا يستعرض هارون في شكل وثائقي ضحايا حسين حبري، الذي استمر في الحُكم من الفترة من العام 1982، وحتى العام 1990، والملاحق قضائياً بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وتعذيب، أسفرت خلال فترة حكمه عن 40 ألف قتيل. والهارب حالياً إلى السنغال. الفيلم يستحضر شهادات الضحايا، الذين لسوء حظهم بقوا على قيد الحياة! منهم مَن فقد إحدى عينيه أو أحد أطرافه، وأغلبهم لم تزل آثار التعذيب على أجسادهم تشهد تلك الفترة المظلمة. ما يثيره الفيلم هو إمكانية حدوث ما حدث مرّة أخرى، فالأمر مرهون بالعدالة التي لم تتحقق، العدالة التي لن تعوّض الضحايا بشيء، اللهم معنوياً فقط، وهو الذي لم يحدث حتى الآن وربما لم يحدث مُطلقاً.
كافيه وودي آلن وخوليتا ألمودوفار
من أهم فعاليات المهرجان عرض الفيلمين الجديدين لوودي آلن وألمودوفار، آلن الذي افتُتِح المهرجان بفيلمه «كافيه سوسايتيه»، كما في فيلميه «نهاية هوليوودية عام 2002، و»منتصف ليل في باريس» عام 2011. لم يخرج آلن عن سياق أعماله الأخيرة، بالعودة إلى حيوات سابقة وأزمنة يحاول أن يستحضرها ولا يستسلم لنسيانها. العودة والحديث عن عالم هوليوود الثلاثينات، حيث نجوم السينما وأساطيرهم، هذه الأساطير الموهوم بها الشاب بوبي، الذي يترك نيويورك إلى لوس أنجلوس، على أمل مساعدة خاله وكيل الأعمال الهوليوودي، لكن فقط ما حصل عليه هو توزيع الدعوات على المشاهير من الفنانين، وفقط يقع في قصة حب لن ينساها، فالفتاة عشيقة الخال وستتزوجه في ما بعد، ولا يجد الشاب إلا العودة إلى مسقط رأسه، ويعمل على إنشاء مقهى سوسايتيه، الذي يجعله من المشاهير والأغنياء، ولكن ستظل قصة حبه الضائع هي الذكرى التي ستلازمه طوال حياته. الحكاية تبدو عادية، إلا أن السخرية وحالة الاستخفاف بالحياة ولحظاتها ــ الاستخفاف وليس الاستهانة ــ والاحتفاظ بالذكريات مهما كان وقعها، هي أهم ما يتبقى منها. أسلوب وودي آلن الساخر والفلسفي هو ما يضفي على الحكاية العادية روحاً تخص الرجل وحده، الذي أصبحت رؤيته للعالم تتأكد وتتحقق في أفلامه الأخيرة، البسيطة والعميقة في الوقت نفسه. وبالمثل يأتي فيلم ألمودوفار «خوليتا» ليسرد تاريخ امرأة تتوقف لحظة أمام صور قديمة لها مع ابنتها، التي قررت مقابلتها بعد فترة طويلة، لتبدأ خوليتا في التذكر وحكي ما كان .. كيف قابلت حبها الوحيد، مدى سعادتها معه ومعاناتها بسببه، إضافة إلى تفاصيل العلاقات الإنسانية التي يخلق منها ألمودوفار حكاياته السينمائية .. حياة الفرد، المشكلات العائلية، العلاقات المثلية وتوتراتها. الحكاية أيضاً تقليدية او عادية، لكن أسلوب الحكي ورؤية صاحبه هي الفارق الأساس، بالطبع لا يرقى العمل إلى فيلمه «الجلد الذي أحياه»، الذي بلغ به الخيال إلى أقصاه، لكنه في الأخير حكاية من حكايات ألمودوفار، القادر دوماً على إثارة الدهشة، وإعادة التفكير في ما يبدو عادياً.
اشتباك
عُرض فيلم «اشتباك» في افتتاح قسم نظرة خاصة بالمهرجان، ولاقى العديد من ردود الفعل الإيجابية، ويتطرق إلى فترة المظاهرات العنيفة التي تلت عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013. الفيلم سيناريو وإخراج محمد دياب، وأداء كل من .. نيللي كريم، هاني عادل، طارق عبد العزيز، أحمد مالك، وعمرو القاضي. يحاول الفيلم تجسيد حالة الاضطراب التي تعيشها مصر، وباختياره لحظة عزل محمد مرسي لتتفجر الأحداث بعدها، والتي لن تهدأ حتى الآن، ليس على مستوى التظاهرات، ولكن على مستوى حالة الاشتباك القائمة بين جميع الأطراف. حالة التعصب والجهل والموالاة الفارغة في الأغلب هي سبب ما يحدث من كوارث.
وحتى تتجسد هذه المأساة في بلد عُرف عنه سِمة التسامح مع الآخر وقبوله أياً كان فكره وعقيدته، إلا أنها سِمة على ما يبدو أصبحت تاريخية. ووسط الصخب وما يحدث يتم إلقاء القبض على تنويعة من المصريين، فئات مختلفة تحاول أن تتمثل الشعب بالكامل، كالمتأسلم والمُعارض، أو المتعلم والعامل البسيط، أطفال ورجال، نساء وشيوخ، وحتى الضباط إن تعاطفوا! كلهم في عربة للترحيلات، ليتجسد الجحيم الذي يعيشه الجميع، ولا يرون الشارع إلا من خلال قضبان عربة ترحيلات تابعة للشرطة. هذه الحالة نفسها التي تعيشها مصر الآن.
محمد عبد الرحيم