أعمال تشكيلية لا تخرج في معظمها عن إطار التقليد والاعتيادية في معرضين لفناني جمعية الغوري والحاصلين على منح التفرغ
[wpcc-script type=”ac4d8653beb6302362f97859-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: رغم تباين الأعمال التشكيلية على المستوى الفكري والجمالي، واختلاف التقنيات والرؤية الفنية، وهذا من المفترض بالضرورة أن يتيح مجالاً خصباً من التنوع لهذه الأعمال، إلا أن اللافت هو وقوع معظم هذه الأعمال في سياق مزمن من التقليدية. لم يشفع وجود عدة أجيال حاول بعضها أن ينفلت من الإيقاع الآسن لهذه التقليدية وهذا الركود، لكن حتى الانفلات يبدو صبيانياً واستعراضياً في الكثير منه. هذا مجرد انطباع تزايد بعد مشاهدة الأعمال الفنية في كل من معرضين تزامنا مصادفة. الأول جاء بعنوان «لمحات إبداعية» وهو استعراض لأعمال بعض الفنانين الحاصلين على منح التفرغ التي تقدمها وزارة الثقافة في ما يخص الفنانين التشكيليين، والمقام حالياً في قاعة زياد بكير في دار الأوبرا المصرية، ومن هذه الأسماء، أحمد الجنايني، وآدم حنين، وأميمة رشاد، وجلال رزق، وسيد البيباني، وشريف أبو العلا، وإيفيلين عشم الله، وعمر عبد الظاهر، وشريف رضا، وفتحي عبد السلام. أما المعرض الأخير فيقام في الدار نفسها، في قاعة صلاح طاهر، وهو معرض جماعي لفناني جمعية الغوري، التي عادت واستأنفت نشاطها بعد توقفها عدة أعوام. هذه الجمعية التي تحدد نهجها في الحفاظ على الهوية المصرية تراثاً وتاريخاً، يضم المعرض العديد من الفنانين بشعبهم المختلفة كالنحت والتصوير الزيتي والفوتوغرافي والغرافيك.
لمحات إبداعية وأزمة مِنح التفرّغ
دائماً ما تثار الأسئلة حول منح التفرغ التي يحصل عليها الفنانون من قِبل وزارة الثقافة المصرية، على وعد بإتمام مشروع فني، يستوي في ذلك الكُتاب والتشكيليون، هذه المشروعات الموعودة التي تمتد غلى العديد من السنوات، ويأتي الناتج في النهاية هزيلاً، لا يتناسب والهدف من المنحة، وتوفير مناخ فيه شيء من الإطمئنان المادي، حتى يتفرغ الفنان لعمله. والمُلاحظ أن المسألة تخضع لمعايير لا تنتمي للفن، بل تعتمد الأسماء وبعض من شهرتها أو صخبها أو مَن هُم ينتمون إلى زمرة المَرضي عنهم في وزارة الثقافة، وهناك العديد من الفنانين الشباب هم الأحق بهذه المنح، والذين يمتلكون بالفعل مشروعاً فنياً ورؤى جديرة بالرعاية والاهتمام. لكننا في النهاية نتحدث عن منظومة ضمن منظومات الدولة الرشيدة! بالطبع فكرة التعميم ستوسَم بالخطأ، فهناك مَن استحقوا هذا الدعم، وأنجزوا أعمالاً ذات قيمة فنية وجمالية. وفي المعرض المعنون «لمحات إبداعية» نلمس مدى التباين في هذه الأعمال، فمنها ما يستحق الالتفات، وأكثرها يدعو إلى الرثاء. العديد من الموضوعات والأفكار الفنية التي تمت معالجتها، ما بين المنظر الطبيعي التقليدي وإن كان يقترب من التأثيرية، كما في أعمال الفنان علي نبيل، الذي يتخذ من البيئة الساحلية ومناخها وتكويناتها، البحر والمراكب، حيث يعتمد الحركة واللون للإيحاء بالتوافق ما بين البحر ومفرداته. بينما يُجسد الفنان عمر عبد الظاهر بيئة الريف وطقوسها كالمرأة التي تطعم دجاجاتها، أو مظاهر الاحتفال بالخطوبة، وإن كانت اللوحة في تكوينها من حيث الشخوص وجلساتهم تعتمد أجواء الطبقات تحت المتوسطة في المدينة، إلا أن الفنان يتحايل فقط من خلال ملابس الشخوص، فهي التي تدل على بيئة الريف، هنا بما يوحي بريف هذه الأيام، حيث تقلصت المسافة بينه وبين حياة المدن، شكل من أشكال التقليد كما يُطالعونه في التلفزيون وما شابه من وسائل الإعلام. أما الفنان شريف رضا، ومن خلال عمله المعنون بـ «شهداء سيناء» فيحاول أن يمزج ما بين التراث القديم ومعركة سيناء في رؤية جمالية غير مباشرة، فما بين وجوه الفيوم وصقر قريش المنقوش فوق العلم المصري، إضافة إلى الخط العربي في تحويراته والألوان التي تشبه ألوان مقابر المصريين القدماء، كلها تقنيات توضح الفكرة وتؤكد حالة الاستمرارية لهذا الشعب. وفي مجال التصوير الضوئي يأتي عمل متميز للفنان فتحي عبد السلام، حيث يلتقط في لقطة كبيرة لفصوص اليوسفي حالة من التواصل واللعب، استطاع أن يُشخص ويوحي في تكوين جمالي مُبتكَر.
فنانو جمعية الغوري
الكلام نفسه من الممكن أن ينطبق على أغلبية أعمال فناني جمعية الغوري، والتي تتخذ من محاولة الحفاظ على الهوية عنواناً لها، بينما الكثير من أعمالها لا يمت لهذه الفكرة، فما بين المزهريات الكلاسيكية والتي تقترب من التابلوهات التي تزيّن جدران بعض البيوت، وإيقاع وتكوين بعض الأعمال التي تنتهج الحِس السيريالي، أو التي تقترب من رسومات روايات المراهقين العاطفية، الأمر أشبه بتدريبات، رغم تفاوت الإتقان في الحركة وتوزيع اللون. إلا أن هناك بعض الأعمال اللافتة، كعمل الفنان محمد الطحان، والذي يستمده من الموروث الشعبي، ورسومات جدران البيوت في القرى، كحكايات أبو زيد الهلالي والملاحم الشعبية، الفارس والحصان والسيف، ونساء وقلائد أثرية، وهالات التقديس الشعبي، إضافة إلى الألوان في درجاتها المُشبّعة، بين لون الزرع ولون التربة. حال الريف نفسه يبدو في عمل الفنانة هبة كامل، والتي تستعرض في لقطة عامة حالة من التناغم بين النيل والبيوت والفلاحات، ومقام أحد الأولياء الذي ترجوه النسوة ــ الشخوص كلها من النساء ــ بين امرأة تقف تبث أمنيتها أو شكواها أمام المقام، وأخرى تجلس مُسندة ظهرها بجداره ناظرة للنهر. الإيقاع شبه الهادئ للوحة، والتقابل بين التفاصيل الصغيرة وهذه الحالة العامة من انتظار المعجزات، بينما النهر يسير في هدوء، هو سِمة غالبة على المعتقد الروحي والنفسي للمصريين.
حالة لا تنتهي من الأمل والانتظار. ومن ناحية أخرى نجد تمثل البيئة في بورتريه للفنان محمود عبد الموجود، لكنه لأحد الرجال متقدمي السِن من الجنوب، وخلفه في تحديد تتواجد الأهرامات، وبين الرجل الذي ينتمي للراهن، ووجهه الذي نطالعه كثيراً، يُسقط الفنان عامل الزمن، فلم يزل الرجل يسير ــ تبدو الحركة من التفاتة الرجل وتكوينه الجسدي ــ إضافة إلى تفاصيل اللوحة من سُمرة بشرة الرجل، والعمامة الخاصة بأهل الجنوب، والجلباب والشال. وضمن هذه التنويعات يأتي العمل النحتي للفنان وحيد أبو اليزيد، الذي يُجسد من خلاله حال أحد عجائز الريف، حيث ملامحهم المعهودة، وهذه النظرة التي لا تعرف هل توحي بالرضا أم بالاستسلام للقدر. وفي مجال التصوير الضوئي يأتي عمل الفنان وجيه وهبه، الذي يتخذ من أحد البنايات القاهرية القديمة موضوعاً لعمله، الشرفات وأعمدتها الخشبية. الصورة تحاول أن توضح تأثير الزمن على المبنى والمكان، بداية من زاوية الالتقاط ــ زاوية منخفضة ــ فلم يزل يُقاوم، على الرغم من التهالك الذي يُعانيه، لم يزل يتنفس. الصراع مع الزمن هذا يأتي من خلال حال الشرفات، وهو حال المواجهة على العموم، فلم نر المنزل من الداخل، كان من الممكن الاستسلام للحال الرومانتيكي للجدران وشقوقها، أو العتمة والفجوات في المبنى، أو ما شابه من لقاطات التأسي المعهودة، لكن الفنان ــ الأمر تأويلاً ليس أكثر ــ صب اهتمامه على فعل المقاومة، ومحاولة مُطالعة الشمس/النور، رغم ظلها الذي يضرب جزءا كبيرا من المبنى.
محمد عبد الرحيم