«قبل زحمة الصيف» للمخرج محمد خان ليس بالأسماء وحدها تُصنع الأفلام

القاهرة - «القدس العربي»: للمخرج محمد خان أعمال تعد من أهم أعمال السينما المصرية طوال تاريخها، خاصة وهو ينتمي إلى جيل الثمانينات، الذي أحدث طفرة على مستوى الرؤية والفكر والتقنية السينمائية، ولعل خان يسهم بنصيب كبير القيمة من خلال أفلا .. «خرج ولم يعد، الحريف، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت، وزوجة رجل مهم».

«قبل زحمة الصيف» للمخرج محمد خان ليس بالأسماء وحدها تُصنع الأفلام

[wpcc-script type=”188e789af6bf8469b2d6bf22-text/javascript”]

القاهرة – «القدس العربي»: للمخرج محمد خان أعمال تعد من أهم أعمال السينما المصرية طوال تاريخها، خاصة وهو ينتمي إلى جيل الثمانينات، الذي أحدث طفرة على مستوى الرؤية والفكر والتقنية السينمائية، ولعل خان يسهم بنصيب كبير القيمة من خلال أفلا .. «خرج ولم يعد، الحريف، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت، وزوجة رجل مهم».
وبذلك صنع الرجل اسمه ليصبح من أهم الأسماء في السينما المصرية، إلا أن عادة النقد دوماً ودراويشه هو الميل إلى تقديس الأسماء، بغض النظر عما تقدمه طوال مشوارها الفني، وبالتالي يصبح كل ما يقدمه هذا المخرج أو ذاك، والذي يلحق باسمه في الغالب صفة الكبير يتخذ صفة التبجيل، وما شابه من هذه الصفات التي يدمنها القاموس العربي.
تجربة خان في الأساس ــ وهو الذي يُشارك دوماً في كتابة سيناريوهات أفلامه، سواء بالفكرة أو القصة ــ نرى أنها تعتمد على كاتب السيناريو، الذي يستطيع أن يصوغ هذه الأفكار في النهاية. ولنعقد مقارنة بسيطة بين أفلام خان المذكورة سلفاً، وأفلامه الأخرى مثل.. «مستر كاراتية، بنات وسط البلد، في شقة مصر الجديدة، فتاة المصنع»، وأخيراً الفيلم المعروض حالياً في دور العرض في القاهرة «قبل زحمة الصيف»، الذي لو قيل إنه لأحد المخرجين الجدد فسينال من الانتقاد والهجوم الكثير، ولكن آفة نقادنا الأسماء المتصفة بالكبيرة دوماً، فنجد التهليل والتأويل ومحاولة قلب نقاط الضعف قوة، فهي السمة الغالبة على العقل الذي يستأنس الارتكان إلى رؤية القطيع، ولا يمتلك بينه وبين نفسه أن يخرج عن السياق المرسوم والموصوم في الوقت نفسه، هذه السمة التي انتقلت من السياسة إلى الفن، «قبل زحمة الصيف» فكرة وإخراج محمد خان، سيناريو غادة شهبندر، بمشاركة نورا الشيخ، تصوير فيكتور كريدي، مونتاج دينا فاروق، ديكور هند حيدر، موسيقى ليال وطفة، وأداء كل من .. ماجد الكدواني، هنا شيحة، أحمد داوود، لانا مشتاق، هاني المتناوي.

الحكاية

أحد الأماكن الساحلية وداخل منطقة منعزلة تضم عدة شاليهات، وفي وقت لم يطله فصل الصيف بعد، النزلاء فقط طبيب وزوجته، ماجد الكدواني/يحيى ولانا مشتاق/ماجدة، وامرأة مطلقة هنا شيحة/هالة، وشاب من الجنوب يعمل في الاعتناء بالمكان أحمد داوود/جمعة، بديلاً عن أخيه الذي ذهب إلى بلدته للزواج. المكان بذلك يمثل حالة جيدة لكي تبدو الشخصيات وتتفاعل في شيء من الحرية، بعيداً عن صخب المدن وتطفل الآخرين، الأمر يقترب من حالة الهروب، وأن تظل الشخصيات بعيداً عن عالمها المألوف بكل قيوده.
ليتضح أن الطبيب يمتلك مستشفى كبيرا، ونتيجة أخطاء بعض الأطباء تتابع الأخبار في الصحف عن تورط المستشفى في وفاة أحد المرضى، فالرجل وزوجته هاربان بالفعل حتى يتضح الأمر وتنتهي القضية. أما المرأة التي تدور حولها الأحداث، فهي بدورها آتية للهرب وممارسة شيء من الحرية مع صديقها الممثل المغمور هاني المتناوي/هشام، الذي يلحق بها بالفعل، كمحاولة لقضاء يوم بعيداً عن الأعين. ويراقب ذلك كله الشاب الجنوبي جمعة، النموذج النمطي لشاب قروي لم يكد ينهى فترة تجنيده، تتمسح عيناه جسد هالة في بلاهة ساذجة.

الهوس الجنسي

الهوس هنا لا يقتصر على الشاب القروي، بل يمتد ويتأصل عند يحيى، الذي لا يفعل سوى مشاهدة النساء شبه العرايا من خلال الكومبيوتر، أو مراقبة هالة عبر منظاره المُقرّب وهي تستلقى على الشاطئ، خاصة أن زوجته البدينة، لا تهتم إلا بجلسات اليوغا وألعاب التأمل. وتكتمل اللعبة بمجيء صديق هالة، وممارسته الحب معها، ومراقبة الشاب لهما. وبالطبع لابد أن يختلف الصديق مع صديقته، ولسبب واهٍ ومُفتعل، بأن امرأة أخرى تحادثه على الهاتف، فتغار هالة، ويؤكد لها صديقها أنها مُنتجة سينمائية أو تلفزيونية، ومؤمنة بموهبته، وأنه في النهاية لا ينتمي لطبقة هالة وعائلتها.
عرف ذلك فقط بعد المشاجرة الخائبة بينهما! ويستمر افتعال الأحداث، بأن يذهب الطبيب مصادفة إلى هالة بعد مغادرة صديقها، ويقوم بدعوتها إلى العشاء، فتذهب بالفعل، وتتناول بعض الخمر، وتسير عائدة ولله الحمد تمطر السماء، فتتوكأ المرأة على الشاب القروي، الذي يصل بها إلى الشالية، فتستلقي ويرقبها الشاب من الخارج ويتوهم أنه يمارس معها الحُب، وفي مشهد تالٍ مُبتذل يبدو سعيداً يغني وهو يستحم!

كسر التابوهات المزعومة

يزعم صُناع الفيلم أنهم كسروا بعض التابوهات في السينما المصرية الآن، كالاحتفاء بالجسد، وتصوير مشاهد ممارسة الحب. إلا أن هذه المشاهد لا تبدو إلا من خلال عين مراهق غر، سريع التصوّر، وما استعراض الجسد الأنثوي إلا استعراض فج من خلال خيال ضحل بالجسد وتكويناته. هناك تراث بصري قيّم في السينما المصرية تناول هذه التفاصيل، بعيداً عن هذا الزعم، كفيلم «زوجتي والكلب» للمخرج سعيد مرزوق على سبيل المثال. فلا تابوهات ولا أشياء من هذا القبيل، إلا إذا كان تبادل القبلات على الشاشة أصبح الآن بمثابة الفعل الثوري!

الإيقاع

لا يخضع موضوع الفيلم إلى الإيقاع التأملي، أو الترميز وما شابه، وعليك أن تتخيل أن تدور الأحداث بين أربع شخصيات وأحياناً خمس شخصيات، في مكان واحد وفي فيلم مصري.
لتبدأ الحوارات المجانية ويبدو الكلام لمجرّد الكلام، الطبيب يتحدث عن القضية في هاتفه المحمول، ويُعيد الحديث ذاته، أو يتحدث عن الطعام وخبرته في إعداده وتذوقه، والمرأة ــ حلم الجميع الجنسي ــ يبدو هاتفها المحمول هو الكاشف عن حياتها الأخرى من خلال محادثتها لأطفالها وطليقها. ولا يحدث شيء، ولا تتأصل حالة يمكن أن يستشعرها المُشاهِد.

العزلة

محاولة العزلة التي تحياها الشخصيات لا تختلف كثيراً عن أصحاب الفيلم، هذه الفئة ومشكلاتها، ومجتمعها المغلق بالأسوار، هل يستجدي تعاطفاً من المشاهدين؟ ماذا يريدون أو يفعلون في مشكلاتهم وأحلامهم مع الفئة الأغلب من الجمهور، الأمر يقترب وتصوير الوهم أشبه بالإعلانات التجارية لمثل هذه المجتمعات المغلقة على نفسها وأصحابها. هذا الترف والتلفيق الدرامي لحكاية لا تهم سوى أصحابها خلق مسافة بعيدة بين الفيلم والمُتلقي.
من ناحية أخرى يقترب الفيلم في تقنياته وأسلوبه من سمة العديد من مشروعات تخرّج الطلبة في معهد السينما، الشخصيات التي تسير وتفعل في فراغ، ولا تدري ماذا تفعل، الحوار عديم المعنى والدلالة، عدم وضوح الفارق بين التلقائية في الأداء التمثيلي والافتعال، وكل سلبيات التجارب الأولى. لذلك مهما كان اسم صاحب العمل السينمائي، فالاسم وحده لا يكفي لصُنع عمل ناجح، أو بالكاد ينتمي إلى كونه سينمائياً.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *