سلوى بكر في رواية «كوكو سودان كباشي»: استغلال الشعوب وتحقيق انتصارات حُكّام موهومين

«هل تعرف كوكو سودان كباشي؟ هل سمعت يوماً عنه، أو عن خليفة سودان، بخيت خميس، كودي الفليل، سعير الجيش، مرسال سودان، نور كومي، أنجلو حبيب الله وغيرهم من أنفار الأورطة التي سافر معها جدك إلى المكسيك، ليحاربوا مع فرنسا ضد أعدائها من المكسيكيين هناك؟ لقد كان كوكو سودان فتى يافعاً يلهو ذات صباح في الغابة الاستوائية الرائعة، ربما كان يُحادث العصافير أو يختبئ من نمر كاسر، أو يمتطي ظهر فيل مُتكاسل أثناء مروره بالغابة، وفجأة انقضّت عليه عصابة حقيقية من الوحوش، في هيئة بشر متمدنين، كانوا في الحقيقة جماعة من تجار العبيد، يعملون لصالح والي مصر، أو ملك الإنكليز أو إمبراطور فرنسا، لا يهم كل ذلك، الأهم هو أنهم سرقوا كوكو وصادوه صيداً ... ذهبوا ليُحاربوا مع عبيد آخرين، ويكونوا وقوداً لحرب قذرة، لأجل أن يحصل ملك فرنسا على مزيد من نبيذه الفاخر في كأسه الكريستالي، ويتمكن من مص دماء عبيد آخرين لن تغيب آثار دمائهم المسفوحة عن أطباقه وأوانيه الفضية أثناء الطعام، ولكي تتمختر امرأته وأمثالها في أثوابها الحريرية الفضفاضة» (الرواية ص 179 ــ 180). بهذه العبارات تقترب الكاتبة سلوى بكر من ختام رواياتها «كوكو سودان كباشي» الصادرة مؤخراً في طبعة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. تدخل بكر إلى عملها الروائي من خلال حدث تاريخي، وواقعة عسكرية تضاف إلى أمجاد العسكرية المصرية، وتبدأ في إثارة العديد من الأسئلة حول جدوى الحرب وضحاياها، وأصحاب انتصاراتها الوهمية.

سلوى بكر في رواية «كوكو سودان كباشي»: استغلال الشعوب وتحقيق انتصارات حُكّام موهومين

[wpcc-script type=”2c02d7f5974721b226e428a2-text/javascript”]

«هل تعرف كوكو سودان كباشي؟ هل سمعت يوماً عنه، أو عن خليفة سودان، بخيت خميس، كودي الفليل، سعير الجيش، مرسال سودان، نور كومي، أنجلو حبيب الله وغيرهم من أنفار الأورطة التي سافر معها جدك إلى المكسيك، ليحاربوا مع فرنسا ضد أعدائها من المكسيكيين هناك؟ لقد كان كوكو سودان فتى يافعاً يلهو ذات صباح في الغابة الاستوائية الرائعة، ربما كان يُحادث العصافير أو يختبئ من نمر كاسر، أو يمتطي ظهر فيل مُتكاسل أثناء مروره بالغابة، وفجأة انقضّت عليه عصابة حقيقية من الوحوش، في هيئة بشر متمدنين، كانوا في الحقيقة جماعة من تجار العبيد، يعملون لصالح والي مصر، أو ملك الإنكليز أو إمبراطور فرنسا، لا يهم كل ذلك، الأهم هو أنهم سرقوا كوكو وصادوه صيداً … ذهبوا ليُحاربوا مع عبيد آخرين، ويكونوا وقوداً لحرب قذرة، لأجل أن يحصل ملك فرنسا على مزيد من نبيذه الفاخر في كأسه الكريستالي، ويتمكن من مص دماء عبيد آخرين لن تغيب آثار دمائهم المسفوحة عن أطباقه وأوانيه الفضية أثناء الطعام، ولكي تتمختر امرأته وأمثالها في أثوابها الحريرية الفضفاضة» (الرواية ص 179 ــ 180). بهذه العبارات تقترب الكاتبة سلوى بكر من ختام رواياتها «كوكو سودان كباشي» الصادرة مؤخراً في طبعة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. تدخل بكر إلى عملها الروائي من خلال حدث تاريخي، وواقعة عسكرية تضاف إلى أمجاد العسكرية المصرية، وتبدأ في إثارة العديد من الأسئلة حول جدوى الحرب وضحاياها، وأصحاب انتصاراتها الوهمية.
الواقعة الحقيقية
يُذكر في كتاب الأمير عمر طوسون المعنون بـ «بطولات الاورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك»، والصادر في العام 1933، أنه اتفقت كل من فرنسا وانجلترا وأسبانيا على إرسال حملة عسكرية ضد الحكومة المكسيكية في العام 1861. ولظروف سياسية انسحبت كل من بريطانيا وأسبانيا في أبريل عام 1862، فواصلت فرنسا وحدها الحرب. فما من نابليون الثالث أن طلب من سعيد باشا والي مصر أن يمده بقوة عسكرية تساعده، وقد أرسل له بالفعل (أورطة) من الجنود السودانيين المصريين، بلغ عددهم 453 جنديا، من الضباط وصف الضباط والعساكر، الذين اشتركوا في هذه الحرب التي استمرت 4 سنوات، في الفترة ما بين 1863، 1867 ــ بعد مئة عام من هذا التاريخ ستفقد مصر جزءا من أراضيها ــ عادت الفرقة وقد خسرت 140 جنديا، وقد تم تكريم العائدين بالاستقبال في قصر رأس التين بالأسكندرية، إضافة إلى الترقيات والنياشين.
الرواية
تستند الروائية سلوى بكر إلى هذه الواقعة، ومن خلالها تناقش فكرة استعباد الآخر واستغلاله لتحقيق أمجاد القادة والحُكّام. فإن كان معظم جنود الأورطة أو الفرقة العسكرية تم اصطيادهم وبيعهم كعبيد في الأسواق، ومنهم «كوكو سودان» المعنونة باسمه الرواية، وأنه نموذج لحال الكثيرين، فإن الأمر يمتد ليصبح الاستعباد عبارة عن استعباد الأفكار والعقول، والمناداة بتخليد أحلام وأوهام قادتهم السياسيين. فالأساليب وإن اختلفت، فإن المُحصلة والنتيجة واحدة، المزيد من الضحايا، الذين يجهلون ما حل بهم. هل يختلف كوكو سودان العائش في الغابات على هواه، عن أي فلاح تم تجنيده والزج به في حرب لا يعرف عنها شيئاً، اللهم ماكينة دعائية جبارة ترسم له طريق موته في برود شديد!
تداخل الأزمنة
عدم محاور تقوم عليها الرواية، وبالتالي تستتبعها عدة أزمنة مختلفة، فالزمن الحاضر تمثله خالدة المحامية، والتي ينتهي بها الحال كعضو في إحدى جمعيات حقوق الإنسان. تعيش مع عمتها بعد وفاة والدها، وتصبح هي الشاهدة أو الباحثة عن أحد المشاركين في تلك الحرب، وبالتالي تبدأ بالتعرّف على العديد من شخصياتها، وحيواتهم وطبيعة الحرب نفسها ونتائجها. وعن طريق رودلفو الألماني الجنسية، والذي أتى إلى مصر ليبحث عن أصوله، حيث جده لأمه مصري الجنسية، وقد اشترك في حرب المكسيك، وبعد ثقته في خالدة يُعطيها أوراق الجد الخاصة، ربما تستطيع العثور على بعض الأقارب في مصر. ومن هنا نبدأ مع خالدة في مسايرة رحلة الجد الشيخ عثمان الحُفني الذي كان إماماً للأورطة في المكسيك، وتزوج من هناك جدة رودلفو. وبانتقاء كوكو كباشي وتسليط الضوء عليه من خلال أوراق الرجل غير المكتملة، نبدأ في تداخل وتجاور عدة أزمنة، خالدة وعثمان وكباشي. ورغم ذلك تحاول بكر أن تخلق زمناً فنياً لا يعتمد الأحداث، بقدر ما يعتمد دلالاتها ــ زمن جمالي ــ عندما أتى إليها رجل أنهى خدمته الوظيفية ويريد رفع دعوى على الدولة لأنها لا تريد أن تعطيه جواز سفر لزيارة ابنته في السعودية بحجة أنه من مواليد السودان، «أنا مصري، عندي بيت مِلك مُسجل في الشهر العقاري، وعشت طول عمري هنا ودخلت الجيش وحاربت في حرب 1948 في فلسطين ومصر والسودان كانت عبارة عن بلد واحدة، وجدي حارب مع الجيش المصري في المكسيك، يا استاذة جدي أنا كان الأميرالاي فرج الزيني بك … وكان يقود مؤخرة الأورطة المصرية السودانية في المكسيك، ولما عاد حصل على رتبة اللواء والفريق، وقتل في واقعة الخرطوم بيد الدراويش في مايو 1885». (الرواية ص 158 ــ 159). زمن لم ينته بانتهاء الحدث القديم، وما زال الرجل يتفاخر بجده وتاريخه، وما زال الشاب الألماني يبحث عن أصوله، ولا تزال أوراق الشيخ توحي بالكثير.
أسيرة الأب
مرّت الكاتبة سريعاً على حالة خالدة، التي لا تستطيع أن تقع في غرام أحد، ويرجع ذلك إلى وجود الأب القوي، حتى بعد رحيله، الأمر لا يشبه سُلطة ذكورية، بل يصبح مثالاً من الصعب تكراره، «ضغينتي الكبرى التي طالما حملتها لأبي هو أنه نجح وعلى نحو غير مرئي أو محسوس‏،‏ في إبعاد كل الرجال الذين حاولوا الاقتراب مني منذ أن صرت شابة يافعة تلفت أنظارهم، فكلما توهمت أني وقعت في غرام أحدهم سرعان ما يداخلني شعور بأنه بالونة ملونة ضخمة ستنفجر وتتبدد عند أول شكة دبوس لها، فالمقارنات بين أي من الذين عرفتهم وبين أبي سرعان ما تتداعي بداخلي، وتحول بينهم وبيني وتتحول إلى قوة مركزية طاردة تنفرني من كل شاب مهما كان، حتى ذلك الذي بدا لي كامل الأوصاف ذات مرّة، أو الرجل الناضج المقطوف لتوه من شجرة، سرعان ما أقنعت نفسي بأنه ثقيل الظل، روحه لا تعرف الخفة وبدا لي كائناً بلا طعم أو لون أو رائحة كفاكهة هذه الأيام المصنوعة صنعاً بالأسمدة وهرمونات الزراعة‏». (الرواية ص 12). إلا أنها في نهاية الفصل توحي بأمل في المواصلة والفكاك من هذا لأسر» وعلى الرغم من تأثير أبي الهائل على حياتي إلا أنني والحق أقول تأثرتُ برجال آخرين في حياته وبعد مماته». (الرواية ص 18).
تقنية السرد والاستناد إلى التاريخ
اختارت الكاتبة الشكل الأسهل والأبسط عند تناول مثل هذه الأحداث ودمجها في عمل روائي، أو خلق عمل روائي يقوم على حدث حقيقي، وهو شكل المذكرات، والبحث من خلالها. ربما أرادت الربط المباشر بين ما حدث وما يحدث وسيحدث دوماً في مفهوم الدول الاستعمارية، التي تغيّر من خططها، لكن النتائج تكون هي نفسها. المباشرة هنا أفقدت العمل الكثير من طاقته ودلالاته، كما أن التشوّش في بعض الأحداث الآنية ــ حالة خالدة ــ كانت ما بين بين، فلا اقتربت منها بالقدر الكافي، ولا حيّدتها كراوٍ من الخارج.
الفكرة الآن تتواتر في الاستناد إلى الوقائع التاريخية، ومحاولة الإيحاء بحالة من التشابه بين ما كان وما هو كائن. ويبدو أن هذه الواقعة ــ حرب المصريين في المكسيك ــ حفّزت كاتباً آخر هو محمد المنسي قنديل بأن يكتب روايته «كتيبة سوداء» والصادرة في بداية العام الفائت، بأن تتعرض للواقعة نفسها، وإن كان في شكل وبنية روائية مخالفة تماماً، لعمل سلوى بكر «كوكو سودان كباشي» والذي صدرت طبعته الأولى في العام 2002.

سلوى بكر: «كوكو سودان كباشي»
الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016
193 صفحة

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *