لقاء الرئيس المصري بالمثقفين… «شو» إعلامي ووجوه مكررة تُسبّح بحمد السُلطة

القاهرة ــ «القدس العربي»: بعد لقاء الرئيس المصري ببعض مثقفيه، الذي انعقد في مقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة، تباينت ردود الأفعال بين المهتمين بالشأن الثقافي.

لقاء الرئيس المصري بالمثقفين… «شو» إعلامي ووجوه مكررة تُسبّح بحمد السُلطة

[wpcc-script type=”a14898167d41228051a214cd-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: بعد لقاء الرئيس المصري ببعض مثقفيه، الذي انعقد في مقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة، تباينت ردود الأفعال بين المهتمين بالشأن الثقافي.
بداية من المجموعة المُنتقاة والمختارة التي ذهبت إلى لقاء الرئيس، بأنها لا تعبّر عن المثقفين المصريين ورؤيتهم من ناحية، أو أنهم مجرّد قائمة من الأسماء الحاضرة دوماً في القصر الرئاسي، رغم تغيّر ساكنه. هذه آراء بعض من المشاركين في المشهد الثقافي المصري، غير المؤسّسِين، أو المختارين ضمن الملهاة المصرية المُسماة بالـ»الثقافة»، أو ضمن قطيع المَرضي عنهم، والمسمّون بالـ»مثقفين».

المثقفون

في البداية يقول الروائي نعيم صبري.. أنا لا أستطيع تحديد مصطلح «المثقفون» بدقة أطمئن إليها، لكن هو لقاء للرئيس ببعض الصحافيين والأدباء، وأنا أرحب بأي لقاء بين المسؤولين وشرائح من الشعب المصري لمعرفة نبض الشارع. لا يوجد أحد أو فئة يمكن أن يعبر عن مفهوم كالثقافة في مصر. هم بعض الصحافيين والأدباء كما ذكرت في ما سلف. حال مصر بشكل عام لا يمكن أن تعبر عنه شريحة محدودة، ولكن يحتاج إلى العديد من اللقاءات المشابهة مع شرائح مختلفة من الشعب المصري بمن فيهم مسجونو الرأي من الشباب.

بين قوانين ازدراء الأديان والعفو الرئاسي

وترى الشاعرة غادة نبيل أن لقاء الرئيس بمجموعة من المثقفين الذين نحترم الكثير منهم لا شك أمر جيد، لكنه كان يجب أن يحدث قبل الاحتقان في العلاقة بين الطرفين، الذي جاء في أعقاب سلسلة من الهجمات «القانونية» على المثقفين، والمتمثلة في صدور أحكام قضائية قضت بحبس بعضهم، مثل الإعلامي إسلام بحيري (مهزلة ما يسمى ازدراء الأديان) والروائي والصحافي الشاب أحمد ناجي (مهزلة ما يسمى خدش الحياء العام بلفظ في رواية) وتعرض الشاعرة فاطمة ناعوت لقضية ازدراء الأديان الخ. لفت نظري أيضاً عدم وجود أسماء مثل الروائي المعارض علاء الأسواني، والإعلامي شديد المواجهة إبراهيم عيسى، والمستشار المستقيل للرئيس مصطفى حجازي، والكاتبة اليسارية نوال السعداوي، بل لفت نظري وجود ثلاث نساء فقط، من بينهن المناضلة اليسارية فريدة النقّاش. وطبعاً لم يكن هناك أحد من شباب المثقفين وكُتَّابِهم، ولم يوجد من الشعراء حسب معرفتي سوى الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (المحسوب على السلطة في كل وقت، عدا زمن الإخوان). لكن لا بأس.. فقط تُلح عليّ ضرورة اجتماع الرئيس بوجوه مختلفة بصفة دورية من جموع المثقفين، خاصةً أنه لم يكن هناك فنان تشكيلي أو نحات أو ممثل مسرحي… إلخ بين الحضور، ولكن قالوا لنا ستكون هناك اجتماعات تنبثق عنها لجنة لاحقة، وأنا أرتاب نهائياً وتماماً من اللجان وما تؤول إليه أعمالها وتوصياتها، فلنا تاريخ مع هذا ينتهي إلى اللاشيء، ثم قالوا لنا ستكون هناك ورقة تتم صياغتها بعد اللقاء لتقديمها إلى الرئيس، وهو ما يوحي بعدم استمرار الاجتماع بممثلي القوة الناعمة لمصر، وأيضاً مصائر الأوراق في بلادنا شبه معروفة، المهم هو ما قيل للشعب من رد الرئيس على مسألة إصدار عفو رئاسي عن ناجي وبحيري وغيرهما، وإن رده كان: «مش الأحسن تتم صياغة قانون للتصدي لازدراء الأديان». وأسأل ــ بعد سعادتي بالإفراج عن محتجز الـ«تي شيرت» محمود محمد بعد أكثر من عامين، وتدهور حالة ساقة ــ هل هناك تعارض بين تقديم مشروع قانون لإلغاء مهزلة مسمى ازدراء الأديان وإصدار عفو رئاسي عن مساجين رأي؟

طريقة عسكرية قديمة

يذكر المخرج السينمائي سميح منسي، أن لقاء الرئيس السيسي مع الكتّاب والمثقفين في ما سُمى إعلامياً بـ(الحوار الوطني) أولاً تم قبل إعلان التعديل الوزارى المقبل، الذي سيتم تشكيله، ما يؤكد بالطبع أن حلمي النمنم وزير الثقافة الحالي مستمر في الوزارة، والذي لم يقدم أو يؤخر في صورة الثقافة المصرية، فقط تم تثبيت الحال على ما هو عليه. ثانياً اندهشتُ من حضور الأصدقاء الكاتب الروائى إبراهيم عبد المجيد، الأديب محمد المخزنجي، والمناضل اليسارى أحمد بهاء الدين شعبان. أما بقية الأسماء فهي تعتبر رسمية حكومية وعلى صلة متواصلة مع النظام ــ إلى حد ما ــ كالشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، يوسف القعيد، محمد سلماوي، وحيد حامد، وضياء رشوان. ففكرة لقاء الرئيس ــ الزعيم ــ بمثقفي النخبة وأهل الثقة، ما هي إلا طريقة كلاسيكية عسكرانجية قديمة. وعموماً.. النظام الحاكم بطبيعته الدوغمائية، المستبدة، العسكرية «هيعمل اللي هو عاوزه، وغصب عن الكُل». وهذه الحقيقة ليست غائبة عن بعض المثقفين، الذين تمت دعوتهم للقاء كهذا!
وحسب كلامهم بعد اللقاء، بأن الرئيس وافق على خروج شاب الـ«تي شرت» محمود محمد»وعلى الانفراج في بعض المسائل الخاصة بالحرية والديمقراطية، وكلام من قبيل «والله يا جماعة الرئيس طيب وكويس بس اللي حواليه هم الوحشين الفاسدين» وهذه طريقة «هيكلية/ عبناصرية» قديمة لتجميل صورة الرئيس الزعيم الديكتاتور، طريقة قديمة قِدم الحكم العسكرانجي لمصر من ساعة «الضباط الأشرار». ويُضيف منسي في تساؤل .. لماذا لم تدع مؤسسة الرئاسة – مثلاً – الشاعر سيد حجاب، الذي مُنعت مقالة له من النشر. أو فاطمة ناعوت، رغم أنها كانت في لقاء سابق مع المثقفين تم عام 2014 وكانت ضمن المدعوين للقاء السيسي. وبالطبع من الصعب جداً دعوة علاء الإسواني الذي عادى نظامي حكم مبارك والسيسي بغض النظر عن الخلاف بينه وبين الكثير أو البعض ممن يُطلق عليهم النخبة.

ضعف المثقف وانعزاله

لقاء الرئيس بمجموعة من المثقفين جاء فيه تمثيل الشباب وحتى جيل الوسط ضعيفا، ولم تختلف الوجوه إلا قليلا عن لقاءات سابقة عقدتها مؤسسة الرئاسة المصرية. هكذا يبدو الأمر من وجهة نظر الصحافي والروائي أيمن غانم، الذي يضيف أن ذلك لا يعني أنه لو تغيرت الوجوه أو الأعمار ستجد حالة من الرضا في الوسط الثقافي، فهو يعاني من الشللية الحادة والانعزالية ويتعاطى في غالب الأمر في تكوين مواقفه تجاه القضايا المختلفة، وفق رد الفعل وإبراء الذمة لا وفق منهجية واضحة، كما غاب عنه أدنى اتفاق على من يمكن اعتبارهم رموزاً. وعلى سبيل المثال ليس لدى أعضاء اتحاد الكتاب القدرة على ضبط أوضاع اتحادهم. إذن لابد من تقييم اللقاء في هذا السياق ولجهة الفائدة، فخلال اللقاء استمع الرئيس لكلام واضح وصريح عن خطورة الانفصال عن ثورة يناير/كانون الثاني، وضرورة مراجعة قضايا المحبوسين في أحداث ذات طابع سياسي، وقد حقق ذلك نتيجة رمزية فورية بالاستجابة وإمكانية استمرارها في المستقبل، عندما تقرر الإفراج عن الصبي الذي اعتقل لارتدائه «تي شيرت» كتب عليه (لا للتعذيب)، واستمع الرئيس أيضاً للتحذير من انتشار سجن المبدعين والمفكرين على آرائهم، لأن القانون يسمح بذلك.
ولا أعتقد ــ يذكر غانم ــ أن اللقاء كان يمكن أن يثمر عن أكثر من ذلك، فالمثقفون ذهبوا كل بمشربه ولا يحملون رؤية تعبر عن مجموع أو غالب الوسط الثقافي. وحتى لا نظلمهم فإمكانية وجود رؤية شبه جامعة في هذا الوسط حول واقع مصر الآن هو أمر ينتمي فقط إلى عالم الأماني، فالمثقفون الأعلى صوتا في انتقاد الدولة ومواقفها تجاه قضايا الرأي، كثير منهم يضيق بالرأي ويمارس التصنيف بالتخوين والرجعية وغير ذلك تجاه مخالفيه، لذلك كله فاللقاء مهم في أن مؤسسة الرئاسة وضعت المثقفين على رأس الفئات التي تقرر أن يلتقيها الرئيس، كما أنه استمع لآراء من الصعب أن يستمع إليها في لقاءات أخرى، وفي كل الأحوال، فالمشاركة والوجود في الصورة أفضل من الانعزالية والتأثير النسبي أفضل من غيابه.

عصر العجائز

ويرى الشاعر الشريف منجود هذه الحادثة بأنها واقعة تؤكد أننا لم نتغير وأن الزمان متوقف، فالعجائز الذين كانوا يمثلون الثقافة في عصر مبارك، هم أيضاً مَن يمثلون الثقافة اليوم لدى اجتماع رئاسة الجمهورية، لبحث الشأن الثقافي، فلو استرجعت مقابلات الرئيس المخلوع مبارك بالمثقفين لاكتشفت أنها الوجوه نفسها التي تقابل الرئيس السيسي، والتصريحات نفسها أيضاً. ويتساءل منجود.. ما معنى لقاء الرئيس بالمثقفين؟ هل يدرك مكتب الرئاسة ملف الثقافة؟ أي يعرف محتوياتها! أم أنه لقاء تكميلي لصورة الرئيس في الشارع، بأنه يقابل المثقفين ويرعاهم. أظن أن الشارع نضج وتعدى تلك المرحلة، والداعي لأننا نعرف أنه لقاء لا يغني ولا يُسمن من جوع، لأنه لم يكن ذا رؤية أو استراتيجية، فماذا كان يريد الرئيس حقاً من الثقافة؟ فإذا كان يريد بحث ملف الإدارة الثقافية فليس من الحاضرين أحد يختص بذلك سوى وزير الثقافة، الذي يرأس الإدارة الثقافية في مصر، فأين رئيس المجلس الأعلى للثقافة وأين رئيس صندوق التنمية الثقافية ورئيس هيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب والبيت الفني ورئيس أكاديمية الفنون، وغير ذلك من إدارات أساسية في العمل الثقافي يجتمع بهم ويقوم على فحص مشاريعهم، وما سوف يقدمونه خلال المرحلة، وكيف يتم حل قضية الثقافة والجمهور وتطهير الوزارة من الفاسدين، وغير ذلك من الملفات المُلحّة لحل مشكلة الثقافة في مصر، أما إذا كان يريد بحث الفكر المصري والاجتماع بمن يشكلون هذا الوعي، فليس ممن حضروا يمثلون الحاضر الذي نعيشه فهذا صاحب الثمانين عاما وذلك السبعين عاما، مشايخ الثقافة الذين نجلهم ونحترمهم لإبداعهم، ولكن بكل صدق هم لا يعيشون في عصرنا، بل يعيشون في ماضيهم، فكيف سيتكلمون عن الحاضر وقضاياه؟ ويستكمل الشريف منجود، أين الشباب الذي يجب أن يتحدث عن قضايا الوطن وقضاياه المُلحّة؟ لقد شارك هؤلاء مع الرئيس في مسرحية هزلية. كذلك ما هي آليات الاختيار، وقد اكتشفت أن من ضمن مَن ذهبوا يوسف معاطي، فما علاقته بالثقافة والمثقفين! فليس له مكان في الحقل الثقافي وإلا فما الذي يقدمه يوسف معاطي، وبالمثل ضياء رشوان، الذي ربما نقدمه كصحافي ليس له أيضا علاقة بالثقافة. فما هي آليات الاختيار.. هل أهل الثقة مقربون عن أهل الاختصاص والخبرة؟

قيمة المثقف التسويقية

وأخيراً يرى كاتب السيناريو محمود دسوقي الأمر من زاوية مختلفة، قائلاً، من الممكن النظر إلى الموضوع من خلال فكرة الـ «بيست سيللر». فالمجموعة كلها بداية من نبيل فاروق/رجل المستحيل، حتى لميس جابر/عجوز الفضائيات ومثيرة الجدل.. كلهم تم اختيارهم على أساس الشهرة، من دون أساس التأثير في المشهد الثقافي المصري، وهذا ما يعكس رؤية السلطة للوضع الاجتماعي في مصر، حيث يتعامل فقط مع المشاهير إعلامياً في كل مجال، «وأي واحد مش مِتلمّع إعلاميا السلطة تعتبره مش موجود»، حتى على مستوى معسكر المعارضة، نجد السلطة تتعامل بعنف مع مشاهير المعارضة فقط، تاركة أي صوت آخر وكأنه لم يكن من الأساس. ويلخص ذلك في رأي دسوقي فكرة أنها سلطة معدومة الخيال، تتعامل بمنطق التجار الذين يرون أنه من الأسهل لهم تسويق بضاعة موجودة ومعروفة للناس، على أن يصنعوا حتى بضاعتهم/رجالهم. فالفئة المُنتقاة من المثقفين تعكس رؤية السلطة للمشهد بشكل عام في مصر.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *