أعمال الفنان القطري يوسف أحمد: تحمل هويتها لكي تسير نحو المستقبل

أن ترى الماضي يسير نحو المستقبل بقدمين ثابتتين، على ظهره أحمال من التراث والعراقة موغلين في القِدم، يتجه نحو الغد بخطواتِ العالم وثقة العارف؛ المشهد سريالي وغير قابل للتحقيق غالباً لمن لم يطّلع على تجربة «الخيميائي» كما يلقبونه أو «مجنون الورق» كما يسمي نفسه، الفنان القطري يوسف أحمد (مواليد 1955)، الذي استطاع بمفردات غارقة بالمحلية أن يسكن أهم متاحف العالم (متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية؛ والمتحف البريطاني، المملكة المتحدة؛ والمتحف الدولي للحفر، أصيلا، المغرب؛ والمتحف العربي للفن الحديث، الدوحة، قطر؛ والمتحف الأردني للفنون الحديثة) فكانت أعماله خيطاً سريّاً يصل الكثير من مدن العالم تلك التي احتضنت لوحاته بعد أن أقام عشرات المعارض في العديد من البلدان (قطر، الكويت، الإمارات، المغرب، فرنسا، أمريكا، بنغلاديش…) ونال عشرات الجوائز المحلية والعالمية.

أعمال الفنان القطري يوسف أحمد: تحمل هويتها لكي تسير نحو المستقبل

[wpcc-script type=”ac6042ea26d812045ad2d8e2-text/javascript”]

أن ترى الماضي يسير نحو المستقبل بقدمين ثابتتين، على ظهره أحمال من التراث والعراقة موغلين في القِدم، يتجه نحو الغد بخطواتِ العالم وثقة العارف؛ المشهد سريالي وغير قابل للتحقيق غالباً لمن لم يطّلع على تجربة «الخيميائي» كما يلقبونه أو «مجنون الورق» كما يسمي نفسه، الفنان القطري يوسف أحمد (مواليد 1955)، الذي استطاع بمفردات غارقة بالمحلية أن يسكن أهم متاحف العالم (متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية؛ والمتحف البريطاني، المملكة المتحدة؛ والمتحف الدولي للحفر، أصيلا، المغرب؛ والمتحف العربي للفن الحديث، الدوحة، قطر؛ والمتحف الأردني للفنون الحديثة) فكانت أعماله خيطاً سريّاً يصل الكثير من مدن العالم تلك التي احتضنت لوحاته بعد أن أقام عشرات المعارض في العديد من البلدان (قطر، الكويت، الإمارات، المغرب، فرنسا، أمريكا، بنغلاديش…) ونال عشرات الجوائز المحلية والعالمية.
كيف لا يسطع نجمه وهو الفنان الذي يحاكي القمر بلوحاته فتراه يعتمد الشكل الدائري لأغلبها في محاولة لخلق صور للقمر بسطوح مختلفة متباينة لا تخلو من خشونة مماثلة لخشونة سطحه وجمال يطاول جمال منظره. القمر رفيق العشاق، يمنحه أحمد هذه الميزة أيضاً! فيخطّ على سطحه كلمات عاطفية، «قلبي» و»في فؤادي» و»لحنانك» تمس روح المشاهد وتحرّك مشاعره بمجرد قراءتها. الفنان ابن بيئة عاشقة، تكتب الشعر وتشدو بالأغاني، لديها أخلاق الفرسان، التي أخرجت أسطورة فارس الأحلام كما ذكر هو، لذلك فإن كل هذا الإرث الجمالي الذي يكوّن شخصيته الثقافية لا بد أن يظهر عبر لوحاته. فكيف لا يعشق القمر وهو ابن الصحراء البار الذي حملها على ظهره وأودعها لوحاته، وعن علاقته بالقمر قال: «عندما أخط لوحاتي بأساليب الخط العربي المتنوعة، أذكر القمر، وأحاول أن يكون الخط شبيهاً به». وأضاف: «للقمر مدلولات لها علاقة بحياة الشرق وأهل الصحراء خصوصاً، فكان يدلهم على الطريق وينير لهم الظلام، كل القصص المرتبطة بالقمر والبر والبحر، التي سمعتها في طفولتي، أثرت في طريقتي في التعاطي مع لوحاتي».
ومما حمل من صحرائه سعف النخيل كذلك، فقد أقام معرضاً بعنوان «ظلال السعف» لارتباطه بالنخل وحكاياته مع ظلالها (أستظل تحت سعف نخيل بلادي، أراقب القمر، أشم رائحة البـحــر والصحراء، ويمر في خيالي منظر الإبل، هذا الهدوء العميق يجعلني أرسم). لكن عنوان المعرض لم يكن ليرتبط بظلال السعف لولا الثورات العربية التي جعلته يستظل تحت نخلته ويراقب وينبهر ويحزن ويفرح كما قال، وهو الفنان غير البعيد عما يجري حوله ويشهد له بعض أعماله المعنونة بأمثال «لبنان يحترق» وفي «البكاء على سراييفو» وغيرها.
والأهم بعلاقته مع النخيل أنه صنع من سعفها أوراقاً وخامات للرسم وهو المولع بالورق منذ زمن، فكان في السابق يذهب إلى الصين وماليزيا بحثاً عن أنواع معينة منه، لكنه أثناء وقوفه ذات مرة أمام نخلة في حديقة منزله، قال لنفسه: «الورق الذي أحلم به ويخدم غايتي موجود هنا في وطني وفي منزلي» ومنذ تلك اللحظة أصبح لرسمه حكاية مع سعف النخيل.
وذلك أكسب أعمال أحمد تميزاً، فهي طازجة تنبض بالحياة، يقول عنها: «أنا هكذا أحب اللوحة قبل أن تنضج، أحبها غضة وهي بكر يافعة وأريد أن استبقي غضاضتها لأطول مدة». أعماله تملك أرواحاً تمنحها لها النخلة، القمر، البحر، الصحراء ورائحة الصمغ العربي وحروف الخط العربي التي لازمت الفنان في الكثير من لوحاته، «صدى الحرف» و«الأحرف المتراقصة» و«أحرف قمر الحب المكتمل» وغيرها، ولازمته أيضاً طوال مراحل تجربته الفنية التي بدأت عندما أقام معرضاً أمام بيته وكان ذلك في العام 1963، ليقام بعدها معرضه الرسمي الأول في قاعة متحف قطر الوطني سنة 1977. وكان اتجاهه ضمن تحولات هامة عرفها الفن العربي في العراق، جماعة «البعد الواحد» مع شاكر حسن آل سعيد. وقد أسّس الفنان، مع محمد علي عبد الله وحسن الملا، مجموعة فنية في أواسط السبعينيات، أطلقوا عليها اسم «الأصدقاء الثلاثة».
وكانت لوحات فن الخط هوساً يرافق أحمد ويسير معه جنباً إلى جنب مع التصوير الواقعي المستوحى من الحياة اليومية والذي ظهر أكثر ما يكون في بداياته. تطوّر هذا الهوّس لديه في الثمانينيات وبدأ مفهوم الحرف ينضج عنده، ليغادر من حدوده اللغويّة ويُخرِج كلّ دلالاته الرمزيّة والمعرفية، فتتسع الرؤية، فهو الآن أشبه بصورة ورقش زخرفيّ مرن قابل للتكرار والوحدانية ضمن اللوحة يتأقلم مع الازدحام والدفق التعبيري وبين التقشف في العناصر على السطوح المشغولة بحساسية عالية، حيث أن سطح اللوحة لدى أحمد هو في حد ذاته عمل فنيّ مكتمل، وسيكون هذا الحرف المجرد عنصراً أساسياً من التجريبية التي ستلازم الفنان فيما بعد، حيث ستتوسع نظرته وتبدأ ذكريات طفولته بالانعكاس بشكل ذكريات مبطّنة ضمن أعماله فيعود للتناقض الذي كان يخلقه من الرسم بالفحم المتبقي في الموقد على جدران بيته، فتظهر المتناقضات وتحضر ثنائية العتمة والنور ضمن تكوينات بالأبيض والأسود تحمل شقوقاً تدخل النور منها وكأنها نافذة مفتوحة أو باب موارب يخبرنا عن روعة الطريق وراءه وعن الضياء الذي ينتظرنا. ونجد في هذه المرحلة أيضاً بعض التكوينات التي تخلق جدلاً مثل المثلث المقلوب والذي ربما كان إشارة لتحطيم النمطية والثورة على القيود، فكانت الصوفيّة هي الحاضن لتلك الأفكار لما تمنحه من مدى لتأويلات الظاهر والباطن، الماضي والحاضر، الوعي واللاوعي، كلّ هذه الثنائيات التي تتكدّس كمرآة عظيمة وتعكس ما يريد الفنان قوله.
الألوان في مجمل أعمال أحمد رسائل من بيئته، فنرى البني الخفيف والأصفر الفاتح والبيج والبرتقالي والتي تمثل البيئة الشرقية والصحراويّة خاصة، وألوان أخرى مثل الأخضر والذهبي والأزرق، المستلهمة من التراث الإسلامي الذي لامسه الفنان من خلال اشتغاله على الحرف العربي الذي كان مفتاحه الذي فتح له أقفال الحداثة المغلقة أمام كثرة من الفنانين العرب. يقول: «أنا مع المتغير الحديث والمعاصر، وتشكّل تجربتي سلسلة من التحديات المتواصلة، تحدي الفكرة الفنية والخامة الفنية، لكن كل ذلك يتم على قاعدة صلبة من استلهام هويتي الثقافية المتمثلة في الحرف العربي، والزخرفة الإسلامية، وملامح بيئتي القطرية.»
في أعماله الحديثة يصنع أحمد من عناصره الموغلة في المحليّة أعمالاً فنيّة مكتظّة ومتشابكة كحياتنا تماماً، تشبه إلى حد كبير مشاهد من فيلم للخيال العلمي يصوّر لوحات ذاكرة ضخمة تختزن قصص بلاد واسعة وأشخاص كثر، أو تصوّر أحياءً سكنية بأبراج متلاصقة في عمارة مستقبليّة. تدقق أكثر فتجد الأوراق المصنوعة من سعف النخيل مثبتة بشبكة من المعدن في تناقض كبير بين الخامتين، وملفوفة كرسائل ومغطاة بلوح من البلاستيك أو الزجاج وكأنها ضمن زجاجة كبيرة تنتظر الرّمي في البحر لتصل إلى مجهول ينتظر، من الأعلى تبدو تلك الأوراق كأفواه مفتوحة تستجدي المساعدة من ناظرها في حركة عشوائية ضمن مسار دائري.
بين تلك الأوراق نجد الأحرف العربية مجمّعة بأكداس فوق بعضها، تعطي احتمالات مفتوحة على جمل لا تنتهي وكأنها حديث طويل بدأ منذ زمن ولم يصمت، حبسه يوسف ضمن أعماله في إطار خشبي يمنعه ويمنع الأوراق والحروف من الهرب ومحاولة الوصول إلى الغد أو العودة إلى الأمس، حيث أنه لا وصول هنا أو بالأحرى لا وصول في الحياة بل محاولات فقط.

بسمة شيخو

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *