سأكون خفيفاً ونظيفاً هذا المساء
■ الأثرُ الذي نحته أنسي الحاج في الشعر المكتوب باللغة العربية أثرٌ لا يُنسى، بصمة شخصية معقدة التركيب سعت لأن تستأثر بالعالم حيّاً في لغة صقيلة وموجزة؛ أثر ناجزٌ لا كما يفعل الحواة باللغة، ربما كما يفعل الحيُّ باللَّغة ويخلقها ساحرةً كما يشتهي الحياةَ ويحرسُ كل تفاصيلِ تخلقّها بين يديه، ربما كانت تلك لعبته المفضلة: خلق الصّورة بلا إطار وتأملها في مرآةٍ تسيلُ منها الصّورُ مسكوبةً على المعنى، وهو يتخلّقُ معزولاً في مشيمةٍ لا تُرى قبل أن تتشيّأ كائناً من لَحْمِ ودَمِ الموسيقى والفلسفة، بلا نسبٍ سوى الاكتناز بحياة جمالية محضة وفارهة بالمعاناة والمعرفة، بحياة خبيرة بأحابيل الحياة تُسْفِرُ ساخرةً من حقيقة الموت الفيزيائي للشاعر وتنتصر لخلود الكلمة، خلود الأثر المنحوت في الذائقة النادرة، أثر الشاعر ليس في الكتاب أثره في وعي القارئ المُستحق الذي يتمثل النصّ في نظرته الشخصية للكون والعالم، في تمثله حياة الصورة المنحوتة بكدّ أصيل والعبور بها سهوا إلى تفاصيل حياته اليومية، هل حياته الباطنية أجدرُ بكنز فيوض النص والزهوِّ بها في الشوارع وغزل الحبيبات ومناكفة الأيديولوجيِّ في البشر والكائنات ومنازعة الأسلاف في كأس السُم الفلسفيّ العريق نزقاً نحو طلب الحقيقة وأضدادها، في صورة إبداعية لم تخطر من قبل لخالق يعبث بمصادر الضوء وزوايا الظلال، خارج أي إطار.
ستأتي حتماً..
حين يتشكل الوعي الثقافي يعني أن هناك وعياً معرفياً بالمحيط والواقع الذي يعيشه الإنسان.. ولأن المعرفة والوعي الثقافي لا يتأتيان بمزاجٍ شخصيّ أو تدريبٍ منفردٍ أو تلويحة سلطةٍ أو تعويذة إيهامٍ، بل تتأتّى من كونها نشاطاً مجتمعياً تعتمد في أحد أهم أركانها على تنشيط الوعي الثقافي والقراءة والمشاركة والحرية وإبداء الرأي ومواجهة ما هو معاكس لجمال الواقع والبلاد بالضرورة.
الشاعر فلاحٌ بساقٍ واحدة
للخَلْوةِ الذّهبيّة
ربّما المكتبة أكثر ما توقّع الأصدقاء الذين زاروني في القامشلي للمرة الأولى، وأرخوا رحالهم في منزلي الكبير نسبة للمدن بحديقته وشجرة الكرمنتينا ودالية العنب وشجيرة الدفلى أن يَروه، وليس التجاور بين أشجار من بيئات مختلفة.
يجيئون برّاً وبحراً وجوّاً
أصنعُ القهوة
لي فيك حزنٌ يخرجُ من مياه الروح اليتيمة..