الجزائر ـ «القدس العربي» من محمد البندوري: تتسم أعمال التشكيلي جميل الوردي بالقوة التعبيرية الواقعية التي تنصهر في سياق تجربة فنية معاصرة، تحمل في طياتها تقنيات جديدة، يبدي من خلالها المبدع مجمل التعابير التي تعكس الواقع المحلي لديه، وفي الآن نفسه يدمج تصوراته، ويبسط أفكاره المتنوعة بتشكيلات دقيقة تروم مجموعة من القيم والفضائل والميزات الإنسانية، التي تتنوع في الأساليب والموروثات الحضارية. ويلامس المبدع مادته التشكيلية من خلال نهج مسلك واقعي في نطاق تجربة تضطلع بخاصيات تراثية، تكتنفها الجدلية والأخذ والرد، بين مجموعة مكونات في نمط تشكيلي غاية في السحر والجمال، يُقيمها على مبدأ التخصص المبني على القاعدة الفنية الحمّالة لأوجه من الدلالات، والموسومة بحمولة معرفية وتاريخية متنوعة. ويعتبر هذا الاختيار المسلكي في التشكيل مقاربة فنية تؤطر المنحى التعبيري، من خلال المادة التراثية، ومن خلال الواقع، ومن خلال الرؤية البصرية التي تروم الجمالية الصرفة في العمل. ولا شك في أن المبدع يسعى من خلال ذلك إلى التعبير العميق بقدرة في الإيهام، بما يكتنف الواقع من خلفيات مظهرية، وما يشعر به هو من انفعالات وأحاسيس ذات أبعاد مضامينية، وأبعاد أخرى في حكم الواقع الفني، وبذلك يضمن لأعماله الاستمرارية، من خلال صياغة مفردات تشكيلية منتقاة من الواقع المحلي، يُدبّرها في الفضاء بتقنيات عالية ليمنحها دورا رئيسا، فيدل ذلك على إدراكه في موازاة الشكل الفني بالمظهر الواقعي الذي ينبض بأشكال تعبيرية تعكسها الشخوصات الواقعية وملامح الألوان التي تعج بالحركة المتتالية، وبالتعابير ذات الصيغ المتنوعة التي تُحدث في أعماله أنغاما موسيقية تنسجم مع السياق الواقعي العام. إنها سمة في أعماله التي تشكل تدفق التراث الجزائري بحمولته الثقافية والاجتماعية والفنية، تبعا لنسق الحركة الدؤوبة، وأيضا للمناحي التي تعكس تصورات المبدع، التي هي جزء من المجتمع وتحمل ثقافته، بكل الامتدادات المتداخلة في عالمه التشكيلي.
آمن جلجامش ملك أورك بماهية الخلود، ما أفضى به إلى البحث عن حياة أبدية، لكنه وجد نفسه كمن يحمل صخرة ويصعد بها إلى قمة، ثم تسقط من يديه إلى أسفل، فعدل عن فكرته باعتبار أنّ مغامرة كهذه غير ممكنة أبدا، ما دامت مفاتيح الخلود لا تتيحها سوى الأعمال الجميلة والنادرة وليس الأعمار. من هنا استحال الخلود إلى إيمان بالخلق والإبداع وبالجمال تحديدا. فكان النحت من الفنون المبكرة التي ترجمت روح الجمال الذي يكتنف الذات البشرية، ما يفسر استمرار هذا الفن وخلوده، بل تحوله إلى عبادة، إذ لا يمكن للمسة فنية متقنة ألا تحمل على الأقل روحا مانحة بداخلها. وحديثا نجد الشاعر التركي ناظم حكمت يربط هوية المدينة بتماثيل الشعراء التي تزينها «ليست المدن، يا حبيبتي، كبيرة بطرقاتها/ بل بشعرائها الذين أقيمت تماثيلهم فيها». يبدو أن ناظم حكمت الشاعر لم يتمعن كثيرا في مدن إيطاليا واليونان، وإلا لكان عدل عن ذائقته واختزل الهوية في التماثيل فقط؛ لأن الشعراء كالأنبياء لا حظ لهم، لكن المفارقة التي نصطدم بها هي أن مدينة صغيرة في شمال المغرب كالقصر الكبير، لا تتزين ولو بتمثال واحد، رغم تفردها بنحاتين كبار، وهذا سبب كاف كي نسبر، عبر هذا الحوار، في أعماق تجربة فنية متميزة للنحات المغربي عبد الإله المرابط، الذي تشي أعماله الفنية بنفور من الواقعية الصلدة والشكليات التي تقيد حرية الفنان.
«باللون والفرشاة، تجمع فنانو كربلاء ليجعلوا الجدران الصمّاء ناطقةً، لحثّ الحياة على توفير مساحةٍ أكثر من الوعي ليظهر المختبئ عند المتلقّي ... يأتي المعرض لإبراز الدور الحضاري عند الفنان، من أجل ترميم ما تبقّى مما أتلفه الفاسدون». (من بيان المعرض). 42 فنانًا عراقيًا أقاموا معرضا كبيرا بقاعة نقابة المعلمين في كربلاء، ضم أكثر من 115 عملًا فنيًا حمل عنوان «جدار ناطق»، وكأنه صرخة مكبوتة ورسالة لكلّ متعصب ينتمي لأي جهة أو فئة.
صنعاء ـ «القدس العربي» من أحمد الأغبري: عَرضَ التشكيلي اليمنيّ زكي يافعي مؤخراً مجموعة من أعماله الجديدة في معرض ثنائي مع التشكيلية السعودية نوال السريحي، في غاليري (نسما) في مدينة جدة. قدّم يافعي 28 لوحة عكست ما وصلت إليه تجربته في المدرسة الواقعية، من خلال التصوير الزيتي، خاصة على صعيد العلاقة بالهُوية والمكان. توزعت أعماله ما بين لوحات الوجوه بخلفياتها المكانية وتفاصيلها الثقافية (الصنعائية) وبعض مناطق شمال اليمن، وبين لوحات المعمار بتفاصيلها (اليافعية)، نسبة إلى منطقة (يافع) في جنوب اليمن؛ وهي مسقط رأس الفنان.
القاهرة ــ «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم: لم تزل قاهرة نجيب محفوظ تثير خيال العديد من الفنانين، قاهرة ثورة 1919، والعهد الملكي، والنضال ضد المحتل، وسُلطة مفقودة يمارسها الرجل على المرأة، حالة فصام، كما تجسدت في أشهر شخصية ذكورية أصبحت مضرباً للأمثال على الرجل المتسلط في بيته (أحمد عبد الجواد) بخلاف سلوكه الخفي.
إذا كان للخيل مكانة وحضور بارزان في النصوص الدينية إلى جانب الشعر، فإن التشكيل بدوره حَفَل بهذا الكائن الجميل الذي أبدع ومازال يبدع به الفنانون أعمالا راقية كل حسب نظرته وتجربته وكفاءته وتقنياته وخاماته، بل إن بينهم من جعل الخيل مفردة وموضوعا للوحاته على امتداد تجربته الإبداعية، يقدمها في كل عمل تقديما جديدا مما يوحي بكون الخيل مصدر إيحاء دائم وإلهام للكثير من مبدعين ينتمون إلى مختلف البلدان العالمية وفي مختلف العصور.
صنعاء ـ «القدس العربي» من محمد البندوري: يشكل المعجم الفني المتألف من عدة أشكال واقعية أحد أهم المسالك التي تغذي المشهد التشكيلي للفنان عبد القادر الكلدي. فالأشكال لديه هي مجموعة من الأدوات الواقعية التي يتصرف في تكوينها وفق مقومات تصورية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري لديه في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع حسه الانفعالي ليعيد من خلالها تشكيل الواقع بإشارات عن وجود أنساق باطنية، تخترق المفاهيم الواقعية. وهو يترصدها وفق خاصيات محلية ترتبط أساسا بمحيطه وبيئته لتطفو في نسيجه التشكيلي، وتؤثر في ثقافته الفنية. إنه يشتغل وفق ذلك بتثبيت محكم وتعبير متناسق عن الواقع الذي يفصح عنه نمو أسلوبه المعاصر الذي يمتح مقوماته من جهاز تشكيلي معاصر، يؤثث مركزيته داخل أنساق تعبيرية بجماليات متعددة المرامي. تحدد له خريطته في الفن التشكيلي المعاصر، وتسمو به إلى مقام فن الصفوة بخطى ثابتة تستجيب لكل متطلبات الفن الواقعي.
في لوحات التشكيلي السوداني عجيب يوسف عجيب حسن تنبسط إفريقيا بتضاريسها وأفضيتها، بناسها بنسائها ورجالها واهتماماتهم وطموحاتهم، فنان تظهر لوحاته فرادة أسلوبه في التعبير عن رؤاه للعالم المحيط به، إنه يحاول تجسيد ما يعتلج في صدره من أفكار وأحكام وآراء من زاوية إبداعية متميزة ، فلوحاته ـ إن شئت مترابطة عبر انصباب ثيماتها المتنوعة حول إفريقيا فضاءً وذكرياتٍ وتاريخا وأسطورة. يرسم أشكاله بتوافقات تضفي عليها اتزانا معبرا بكليته عن ملامح الحياة اليومية، بما تحمله من شجون ومؤثثات في فضاءات خاصة. في لوحاته رؤية مفتوحة حيث لا حدود للحلم، ولا حد لتوالدِ واستدعاءِ التأمل والغوص في مدى ما ترصفه وتؤلفه ريشته المنقادة إلى رسم المركون والمختزن في الذاكرة الجماعية للشعب السوداني.
الرباط ـ «القدس العربي» من محمد البندوري: إن خاصيات التعدد الواقعي والإيحائي وكل ما يرمز به حسن حمدان العساف في منجزه التشكيلي، يُحدث حركات تخلخل السكون، وتقوم بتغيير الشكل التعبيري الذي يروم تعددية الدلالات، ويفتح المجال لتعدد القراءات.
■ تعد تجربة التشكيلي المغربي عادل الصافي امتداداً للعمل والتجريب لسنوات، تدرّج فيها بين مختلف التيارات، حتى رَسى به الحال والشطح - بما تحمله الكلمتان من دلالة صوفية - في مراسي التجريدية الهندسية، بعيداً عن النقل والمحاكاة، وفي تماس مع غنائية وشعرية بهيجة، ما يعطي لكل عمل انفراده وفرادته من حيث الروح والشكل. خبر هذا الفنان أهمية البعد السيميولوجي للمادة واللون والشكل، من حيث أنها الأنساق التي يتشكل منهما الكون في نظره. أما التراب (مادة اشتغاله) فيجعل منها لغته التشكيلية التي يصوغ منها مفرداته الإستاطيقية، ويؤوّل بها أفكاره وأحلامه/خياله.