تداعيات أزمة كورونا.. هل تزاحم الصين أميركا النفوذ في الشرق الأوسط؟

طرحت طريقة تعامل الرئيس الأميركي مع جائحة كورونا أسئلة بشأن مستقبل الهيمنة الأميركية بالشرق الأوسط في ظل استمرار صعود الصين، فقد تعرضت صورة أميركا لهزة جراء سوء إدارتها أزمة كورونا.

Share your love

الرئيس الصيني يصافح ملك السعودية أثناء اجتماع للتوقيع على اتفاقيات في بكين (غيتي-أرشيف)

محمد المنشاوي-واشنطن

طرحت طريقة تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع جائحة كورونا أسئلة عدة بشأن مستقبل الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط في ظل استمرار الصعود الصيني. وقد تعرضت صورة أميركا لهزة عالمية بسبب سوء إدارة أزمة كورونا، وتركت صور الفوضى وانتشار الجثث في أروقة بعض المستشفيات الأميركية انطباعات سلبية في الشرق الأوسط عن ديمومة القوة الأميركية.

ففي الوقت الذي أوقفت فيه وكالة التنمية الأميركية منذ منتصف مارس/آذار الماضي إرسال شحنات المساعدات الطبية للخارج بسبب الحاجة لها داخل الولايات المتحدة جراء نقص المستلزمات الطبية في العديد من المستشفيات، سجلت إشادة إعلامية عربية بالنجاح الصيني في التغلب على الجائحة.

ولا يمر يوم دون صدور أخبار عن تقديم بكين مساعدات طبية لعواصم في منطقة الشرق الأوسط لمواجهة الجائحة، تتكون بالأساس من فرق طبية وكمامات وألبسة معقمة وأجهزة للتنفس الاصطناعي.
وعرضت الشاشات العربية في الأسابيع الأخيرة صور طائرات صينية تحط في مطارات عواصم عربية من بغداد ودمشق إلى الرباط والجزائر.

وفي ضوء ما جرى، يتساءل خبراء في واشنطن عن التهديد الذي تمثله الصين للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.

ففي العقد الأخير، زادت الصين من حضورها الاقتصادي في المنطقة العربية، وأصبحت الشريك التجاري الأول للعديد من دولها، كما رسخت بكين من وجودها الجيوإستراتيجي قرب الدول العربية، وبدأت رسميا في استخدام أول قاعدة عسكرية خارج الأراضي الصينية في جيبوتي في أغسطس/آب 2017.

هزة للثقة
ويرى الأستاذ المتخصص بالشؤون الصينية بالجامعة الأميركية في واشنطن جون كاليبريس أن النفوذ العسكري والدبلوماسي الواسع لأميركا بالشرق الأوسط، وخاصة بمنطقة الخليج والعراق، لا يمكن مقارنته بنفوذ باقي الدول.

ويقول كاليبريس في حديث مع الجزيرة نت إنه “لا يمكن أن نعرف بعد تأثيرات وباء كورونا على مستقبل النفوذ الأميركي هناك، لكن من المؤكد أن طريقة تعامل إدارة ترامب مع تبعات انتشار الفيروس لا يمكن إلا أن تهز ثقة حلفاء واشنطن في ترامب والولايات المتحدة”.

ويعتقد المسؤول السابق والباحث حاليا بمعهد الشرق الأوسط تشارلز دان أن سجل إدارة الرئيس ترامب السيئ في إدارة أزمة كورونا أدى إلى غياب القيادة الأميركية، ودخول لاعبين جدد ساحات النفوذ الأميركية التقليدية.

وأشار دان في تصريح للجزيرة نت إلى أنه “من الواضح غياب وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في هذه الأزمة، لنتخيل لو كان الوزير الآن هو جيمس بيكر أو كونداليزا رايس، لكان قام كل منهما بتنظيم رد فعل عالمي يتعلق بالصحة العامة وبالتبعات الاقتصادية. ومن المنتظر أن يستمر تأثير ما يجري الآن على المستقبل القريب”.

تغلغل هادئ
ويرى كاليبريس أن هناك الكثير من العلامات على أن دول المنطقة غاضبة من الصين لكونها منشأ الفيروس، إضافة لعدم قدرتها على احتواء انتشار الفيروس داخل حدودها، ومحاولتها التستر على ذلك، على حد قوله.

لكن -يضيف المتحدث نفسه- على المستوى الرسمي هناك تجنب واضح لتسييس قضية كورونا، فالحكام العرب يأخذون في الحسبان عدم تدخل الصين في شؤونهم الداخلية، ولا يمكن لهم المغامرة بتوتير العلاقات مع بكين، خاصة في ظل تصاعد دورها ومكانتها دوليا.

ويعتقد الأستاذ في جامعة فودان الصينية داجانغ سون أن العلاقات الاقتصادية والسياسية لبلاده مع دول الشرق الأوسط تطورت لدرجة أصبحت الصين معها أكبر مستثمر ببعض دول المنطقة وأكبر شريك تجاري مع العديد منها.

وأضاف داجانغ في ندوة شارك فيها بالمجلس الأطلسي في واشنطن، وحضرتها الجزيرة نت، أن بلاده “تتبع إستراتيجية عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتهدف الصين إلى تحقيق الاستقرار من خلال التنمية (سلام تنموي)، وهذا يختلف عما تنادي به الولايات المتحدة من مبدأ الاستقرار عن طريق الديمقراطية (سلام ديمقراطي)”.

بالمقابل، يرى كاليبريس أن “الصين تتبع إستراتيجية دعاية تعتمد على أنها نجحت في احتواء انتشار الفيروس، وقلب الحقيقة لتركز على خلق فرص اقتصادية، فلقد سارعت الصين بإرسال فرق طبية ومعدات وأدوات لمكافحة انتشار الفيروس بالعديد من دول الشرق الأوسط”.

الدعاية الصينية
وفي الاتجاه نفسه، يقول تشارلز دان للجزيرة نت إن الصين “تلعب بذكاء وتروّج دعايتها لصرف النظر عن أخطائها في التعامل مع نشأة أزمة الفيروس”، ويضيف أن بكين تستغل الأزمة حاليا لتثبيت موقعها العالمي من خلال الترويج لانتصارها على الفيروس، في وقت فشلت فيه الديمقراطيات الغربية في ذلك.

غير أن بعض الخبراء يشككون في نجاح الصين في تحسين صورتها لدى الدول العربية، خاصة في ظل الدعاية الأميركية والغربية المناوئة للرواية الصينية.

ويشير كاليبريس إلى أن الصين تتبع إستراتيجية هادئة تتمثل في ترك الأحداث والتطورات تتحدث عن نفسها، ويقول “قد لا تبدو الصين كمن يسعى لشراء ولاء أو نفوذ في هذه الدول، هي فقط تظهر لهم أنها تهتم بهم، وتذكرهم بأن الصين لديها قدرة على النهوض سريعا بعد أزمة الفيروس، وأن تمدهم بما يحتاجون من أدوات وخبرات لمكافحة الفيروس”.

تعدد الأقطاب
ويؤمن داجانغ أن بلاده “غير مهتمة بتحدي المنظومة الدفاعية الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تلعب دورا كبيرا في قضايا المنطقة، بل تؤمن بإمكانية وجود نظام إقليمي وعالمي به عدة أقطاب أو قوى كبرى يكون بديلا عن هيمنة القطب الواحد”.

ويرى تشارلز دان أن الأنشطة الصينية في الشرق الأوسط وخاصة الاقتصادية منها لا تمثل أي تهديد للهيمنة الأميركية بالمنطقة، ويضيف “على الرغم من تحسن علاقات الصين العسكرية بدول المنطقة وإيران، تبدو بكين راضية على الدور الأميركي الأمني في الخليج”.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!