ظاهرة أطفال الشوارع: أسبابها، وآثارها، وطرق معالجتها

تنتشر ظاهرة أطفال الشوارع بوضوح ضمن جميع المجتمعات في أنحاء العالم، خاصة في البلدان النامية، والتي تُعاني نزاعات أهلية وحروباً، إذ يُجبر كثيرٌ منهم على كسب لقمة عيشهم بطرق مُهينة مثل: الاستجداء والتسول وبيع بضاعة بسيطة كباعة متجولين في الشوارع. سنتعرف في هذه المقالة على فئات أطفال الشوارع الثلاث وفق تقرير منظمة اليونيسف، وكيفية علاج هذه الظاهرة.

Share your love

وقد صرَّحت الأمم المتحدة أنَّ ما يزيد عن 150 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم خلال وقتنا الحاضر يُصنَّفون ضمن أطفال الشوارع؛ إذ يُجبر كثيرٌ منهم على كسب لقمة عيشهم بطرق مُهينة مثل: الاستجداء والتسول والبحث في القمامة وبيع بضاعة بسيطة كباعة متجولين في الشوارع.

من هم أطفال الشوارع؟

عرَّفت الأُمم المتحدة أطفال الشوارع بأنَّهم “أيُّ ولد أو بنت يتَّخذون الشارع -بمُختلف معانيه؛ بما في ذلك الخرابات والأماكن المهجورة وغيرها- مقر إقامة أو مصدر كسب للرزق، دون أن يتمتعوا بإشراف أو توجيه أو حماية كافية من قبل أولياء أمورهم الراشدين”.

كما وضع علماء الاجتماع تعريفات لظاهرة أطفال الشوارع على أنَّهم الفئة التي تقل أعمارها عن ثمانية عشر عاماً، ويُمارسون حياتهم الطبيعية (أو المفترض أن تكون طبيعية) في الشوارع بدلاً من البيوت، كما أنَّ علاقاتهم الأسرية تكون مفككة أو منقطعة تماماً.

وتُقسِّم اليونيسف أطفال الشوارع ثلاث فئات:

1. فئة القاطنين في الشوارع:

وهم الأطفال الذين يعيشون في الشارع دائماً، في المباني المهجورة، والحدائق العامة، والأرصفة، وتكون علاقتهم بأسرهم منقطعة.

2. فئة العاملين في الشوارع:

هم الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في الشوارع في أعمال مختلفة، مثل البيع المتجول أو التسول، وقد يعودون ليلاً إلى بيوتهم، أو يقضون الليل في الشارع.

3. أُسر الشوارع:

أطفال يعيشون مع أسرهم في الشارع، ومعظمهم يعملون في الشارع، منهم من هم مُجبرون على ذلك، ومنهم  للمساهمة في دخل أسرته.

أسباب ظاهرة أطفال الشوارع:

هناك كثيرٌ من الأسباب التي جعلت من الأطفال أطفال شوارع، وتُقسم هذه الأسباب إلى:

1. أسباب عائلية:

  • انشغال الأبوين عن أطفالهم، وحرمانهم من الاهتمام والحنان، وعدم متابعتهم ومعرفة ما يحتاجون وما يواجهون؛ الأمر الذي  يجعل الطفل يشعر بالغربة في أسرته ويهرب منها إلى الخارج.
  • التفكك الأسري؛ فالأسرة المفككة التي تسودها مشاكل وخلافات بين الأم والأب، وحالات انفصال الأب والأم وإهمالهم أطفالهم، ورمي كل منهما مسؤوليته على الطرف الآخر؛ يُفقِد الأطفال الأمان الأسري ويشعرهم بالضياع، ممَّا يؤدي لتشتت الأطفال ودفعهم إلى الشارع.
  • العنف الأسري؛ حيث يُمارس كثير من الآباء والأمهات العنف على أطفالهم، ممَّا يجعل الطفل يهرب من هذا الجحيم إلى الشارع، كما أنَّ رؤية الطفل أمَّه تُضرب وتُعنَّف تجعله يميل إلى الهروب من البيت.
  • كثرة الأولاد في ظل حالة مادية سيئة؛ ينتج عنها إهمال للطفل واحتياجاته، ممَّا يدفع به إلى الشارع.
  • التمييز بين الأولاد في المعاملة، وتفضيل أحدهم على الآخر، ممَّا يخلق عقداً نفسية لدى الطفل، قد تدفعه لكره البيت والهرب إلى الشارع.
  • اليتم، عندما يفقد الطفل أحد والديه أو كلاهما تقل الرقابة عليه، ممَّا قد يدفعه للانحراف أو الانضمام إلى أطفال الشارع.
  • القسوة وفقدان الحنان، غالباً ما تؤدي معاملة الطفل بقسوة من والديه، أو من أحد الأقارب، أو في المدرسة، إلى هروبه للشارع.
  • عمل الوالدين، قد يعمل الوالدان في أعمال منحرفة أو غير أخلاقية، من شأنها أن تؤدي إلى انحراف الأطفال أيضاً.

2. أسباب اجتماعية:

  • الحالة المادية الصعبة: عندما لا تستطيع الأسرة توفير حاجات أطفالها الأساسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، قد تدفعهم إلى العمل في الشارع ليجلبوا بعض المال.
  • البيئة السيئة: ترعرع الطفل في بيئة سيئة منحرفة، غالباً ما يخلق لديه ميولاً للانحراف.
  • التسرب المدرسي: وهو ترك الطفل المدرسة بسبب نظام التعليم القاسي، أو بسبب عدم اهتمام الأهل بموضوع التعليم، أو عدم توفر قدرة مادية لديهم تعينهم في إكمال أطفالهم تعليمهم. وعندما يترك الطفل مدرسته، سيكون الشارع غالباً في انتظاره!
  • العلاقات خارج إطار الزواج: عندما يحصل حمل خارج إطار الزواج نتيجة علاقة غير شرعية، وينتج عنها طفل غير شرعي، غالباً ما يلجأ الأبوان إلى ترك ابنهم في الشارع، وعندما يكبر هذا الطفل في الشارع فإنَّه غالباً ما يُمارس علاقات غير شرعية هو الآخر، فتتفاقم المشكلة ويُنتج الجيل الواحد منهم أجيالاً متعاقبة من أطفال الشوارع.

3. أسباب تتعلق بالأطفال أنفسهم:

مثل حُب الاستقلالية والميل للحرية والهرب من القيود الأسرية، أو الحرمان العاطفي داخل الأسرة، فيلجأ الطفل إلى الخارج لتلبية هذا الحرمان.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/dTxMYOcmBkQ?rel=0&hd=0″]

آثار ظاهرة أطفال الشوارع:

ينتج عن هذه الظاهرة كثيرٌ من المشكلات التي تلحق بالأطفال أنفسهم وبالمجتمع ككل، مثل:

  • مشكلات اجتماعية: تلحق بأطفال الشوارع كثير من المشكلات الاجتماعية؛ فكلَّما ازدادت هذه الظاهرة، زاد  انتشار الأميَّة والتخلف والفقر والجهل في المجتمع.
  • مشكلات أمن وأمان: وجود أطفال في الشوارع دون حسيب أو رقيب، واختلاطهم بمن هم أكبر منهم سنَّا؛ يجعلهم ينخرطون في شبكات منظَّمة من العصابات التي تعمل في السرقة، أو تجارة المخدرات، أو الدعارة، فتكثر عندها نسب الجريمة في المجتمع.
  • مشكلات نفسية: وجود الطفل في الشارع، أو حتى في سوق العمل كعمله في ورشة مثلاً؛ وهذا الانخراط المبكر للطفل مع مجتمع كبار السن يُؤثر فيه سلباً؛ لأنَّه غير مُهيئ بدنياً ولا نفسياً لهذا الانخراط، كون نموه في هذه المرحلة العمرية لم يكتمل بعد، ما يجعله يُعاني مشكلات نفسية مثل الانحراف وفقدان براءته وطفولته، ويُصبح يتشبَّه بالكبار فيما يخص التصرفات الخاطئة، من قصص العنتريات والبلطجة، كما أنَّهم كثيراً ما يتعرَّضون للاستغلال في السرقة وتجارة المخدرات والسلاح وغيرها.
  • مشكلات صحية: يُعاني أطفال الشارع أمراضاً ومشاكل صحية؛ لأنَّهم لا يتناول الكمية والنوعية التي تحتاجها أجسادهم من الغذاء لتلبية متطلبات النمو في هذه المرحلة؛ ولن يُقدِّم إليهم الشارع سوى الحد الأدنى من الغذاء الذي يُبقيهم أحياء، كما أنَّ تعرُّضهم إلى ظروف غير صحية سواء لناحية الطقس أم متطلبات النظافة الشخصية، تجعلهم معرَّضين لعديد من الأمراض، مثل أمراض العيون، ونزلات البرد، والجرب والتيفوئيد.

صفات طفل الشوارع:

  • الميل إلى الحرية والاستقلالية والتحرر من سلطة الكبار.
  • عدم الشعور بالانتماء للأسرة أو المدرسة.
  • القدرة على التكيف مع الواقع السيئ في الشوارع.
  • انحراف سلوكه وأخلاقياته غالباً؛ فيُصبح شخصاً يتصرَّف على أساس أنَّ كل شيء مُباح، وأنَّ الغاية تُبرر الوسيلة.
  • فقدان الثقة بالآخرين؛ بسبب كثرة ما تعرَّضوا له من محاولات استغلال وابتزاز.
  • تَعلُّم عادات سيئة مثل التَّدخين وشرب الكحول والإدمان.
  • التعرض للتحرش الجنسي، وذلك لضعفه وصغر سنه.
  • النزعة إلى الشغب والعدوانية والعناد.
  • ضمر حقد دفين في داخله على أسرته وعلى مجتمعه.
  • تجرُّده من أدنى حد للقيم والأخلاق في حال استمرَّ وجوده في الشوارع دون أي احتواء له؛ لأنَّه ضلَّ الطريق وغاب عنه المُرشد والقدوة في غياب الأسرة، فانقلبت عنده القيم. وغالباً ما يتجرَّد أيضاً من إنسانيته وضميره.

علاج ظاهرة أطفال الشوارع:

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/_LWsL6VqhTk?rel=0&hd=0″]

أطفال الشوارع هم أطفال مُهمَّشين مجتمعياً، لذا من الضروري إعادة دمجهم في المجتمع، من خلال الآتي:

  • إنشاء مراكز وجمعيات مختصة بهؤلاء الأطفال، تحرص على رصد الظاهرة وحلها بالتواصل المباشر معهم في الشارع، ومحاولة بناء صداقة معهم شيئاً فشيئاً لبث الاطمئنان في قلوبهم، ومن ثمَّ إقناعهم بترك الشوارع والعيش بالمركز.
  • إعادة تأهيل أطفال الشوارع نفسياً وصحياً، لمعالجتهم من أمراضهم النفسية والعضوية.
  • تأمين مساكن مناسبة لهم في حال لم يكن لديهم منزل، وضمان حصولهم على الرعاية والاهتمام والطعام والملابس.
  • محو أمِّيتهم بالحرص على إعادتهم إلى المدرسة لإكمال تعليمهم، فبالعلم نبني الإنسان، وفي حال فشل الطفل في المدرسة تماماً، يجب الاهتمام بتعليمه مهنة أو حرفة ما تكون باب رزقه فيما بعد.
  • الاهتمام بالرعاية النفسية لأطفال الشوارع، وذلك من خلال أخصَّائيين نفسيين، يُعالجون الأطفال من كل الاضطرابات النفسية التي عانوها وهم في الشارع.
  • الاهتمام في الجانب الإبداعي للأطفال، من خلال إشراكهم بدروس الموسيقى والرسم، وتشجيعهم بإقامة المسابقات فيما بينهم.
  • تغذية الجانب الأخلاقي المشوَّه لديهم، من خلال إعادة غرس المبادئ والقيم الإنسانية الصحيحة والسليمة.
  • حماية حقهم في اللعب، فهو من أبسط وأهم حقوق الأطفال،وذلك بتأمين صالات ألعاب يُمارسوا فيها حقهم بالترفيه وبناء الصداقات فيما بينهم.
  • تغيير نظرة المجتمع الدونية إليهم، وتحويلها نظرة تعاطف ومراعاة للأسباب التي أوصلتهم إلى الشّارع.
  • تقديم المال لهم لإنهاء ظاهرة التسول.
  • توعية الأُسر من الطبقات المُهمَّشة والفقيرة حول الاهتمام بالأطفال وخطورة زجِّهم في الشارع، وتقديم المساعدة المادية لها، بحيث لا تضطر إلى إرسال أطفالها إلى العمل في الشارع أو غيره.
  • تفعيل دور الإعلام في التحذير من أخطار هذه الظاهرة، ورفع الوعي لدى الأفراد للانتباه إلى أطفالهم، للحد من هذه الظاهرة.

في الختام: أطفال الشوارع نعمة ونقمة!ّ

الأطفال أمانة في أعناقنا، ومن واجبنا عليهم كأسرة ومجتمع تأمين حياة كريمة لهم يتمتعون فيها بكامل حقوقهم، بدءاً من حقهم في العيش ضمن أسرة توفر لهم الدفء والأمان العاطفي، إلى حقهم في التعليم والرعاية الصحية واللعب، أي تأمين كل احتياجاتهم المادية والمعنوية لينمو في ظروف طبيعية وصحية.

لذلك في النهاية لابدَّ من الاعتراف بأنَّ هؤلاء الأطفال أن يكونوا نعمة لنا أو نقمة علينا؛ هم نقمة في حال استمرَّ إهمالهم ولم تُعالج ظاهرة وجودهم في الشوارع؛ لأنَّهم يُعدُّون وقتها بمثابة قنبلة موقوتة تُهدد أمن ومستقبل مجتمعاتنا، ولكن في حال قمنا باحتضانهم واحتوائهم وتأهيلهم لإعادة دمجهم بالمجتمع، فهم كغيرهم من الأطفال يتمتعون بطاقات وقدرات ذكاء وإبداع رهيبة، لكنَّها في حاجة إلى بيئة صحية تكتشفها وتُنميها، عندها سيكونون نعمة حقيقية على مجتمعاتنا، لأنَّنا كسبنا جيلاً  سليماً مُعافى قادر على تغيير العالم.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!