سنة 48 قبل الميلاد، استهل دكتاتور روما يوليوس قيصر حملته العسكرية شرقًا لملاحقة خصمه بومبي الأكبر. وقد قادت هذه الحملة العسكرية جنرال روما الشهير نحو بلاد مصر التي نصّب على عرشها كليوبترا السابعة وشقيقها الأصغر بطليموس الرابع عشر عقب إزاحته لبطليموس الثالث عشر. وسنة 46 قبل الميلاد، عاد يوليوس قيصر لروما حيث حظي باستقبال رائع.
ولإبراز مدى روعة حملته العسكرية ونجاحها، جلب يوليوس قيصر من مصر عددا من الحيوانات التي قلّ ما شاهدها أهالي روما. وإضافة للقردة الخضراء (السعدان الأخضر) والأسود والنمور، جاء يوليوس قيصر بحيوان آخر فريد من نوعه لم يشاهده الأوروبيون من قبل تميّز بطول عنقه وعرف لاحقًا بالزرافة.
وسجّلت الزرافة ظهورها بمصر منذ قرون حيث انبهر الملوك الفراعنة بهذا الحيوان، فجاؤوا به من بلاد النوبة واعتمد خلال الاحتفالات، فعرض على العامة كرمز للقوة، كما لجأ الكثير من الحكام الفراعنة لتقديمه كهدايا لدول أخرى واستخدموه كسلعة أثناء المبادلات التجارية.
وعند مشاهدتهم للزرافة لأول مرة عام 46 قبل الميلاد، انبهر الرومان من مظهر هذا الحيوان وعجزوا عن فهم طبيعته وطريقة التعامل معه، وبسبب تشابه مظهره الخارجي مع كل من الجمل والنمر، ظنّ سكان روما أن الزرافة هجين ناتج عن علاقة بين هذين الحيوانيين، فأطلقوا عليها اسم الجمل النمري (camelopardalis). وعلى حسب المؤرخ الإغريقي الروماني كاسيوس ديو (Cassius Dio)، لاحظ الرومان تشابها واضحًا بين الجمل والزرافة سوى أن الساقين الخلفيتين للأخيرة كانتا أقصر من الأماميتين، ومن ناحية ثانية انتبه سكان روما للجلد المنقط للزرافة، فشبهوها بالنمر وأطلقوا عليها اسم الجمل النمري.
وحظيت الزرافة بأوصاف عديدة بين الرومان فلقبها المؤرخ بليني الأكبر (Pliny the Elder) بالخروف البري، كما لجأ البعض لوصفها بالجمل الهندي، وأكدوا على سهولة نقلها من مكان لآخر عن طريق ربط حبل حول عنقها.
وبحسب عدد من المؤرخين، كانت الزرافة التي حلّت بروما سنة 46 قبل الميلاد هدية من كليوبترا السابعة ليوليوس قيصر، حيث قيل إن الأخيرة قد رافقت عشيقها الروماني لروما لحضور احتفالات النصر. وفي خضم هذه الأجواء، أمر يوليوس قيصر بعرض الزرافة على عامة الشعب ضمن ألعاب السيرك.
خلال القرون التالية، لجأ العديد من الأباطرة الرومان لاستيراد أعداد كبيرة من الزرافات لعرضها ضمن ألعاب السيرك التي تم خلالها قتل هذه الحيوانات عن طريق تقديمها للأسود الجائعة. ومع قرب نهاية الإمبراطورية الرومانية، تراجع عدد الزرافات بشكل واضح قبل أن تندثر هذه الحيوانات من أوروبا لقرون.
وسنة 1486، عادت الزرافة لتظهر مرة أخرى بأوروبا حيث حصل النبيل الفلورنتيني، الذي أدار شؤون فلورنسا حينها، لورنزو دي ميديشي (Lorenzo de’ Medici)، المعروف بلورنزو الرائع، على هدية كانت عبارة عن أنثى زرافة من السلطان البرجي لمصر قايتباي. وعلى حسب العديد من المصادر عامل سكان فلورنسا الزرافة بشكل جيد، ووفروا لها إسطبلا خاصا بها.
وبعد أكثر من 3 قرون، عادت الزرافة مرة أخرى لأوروبا سنة 1827 حيث أهدى حاكم مصر محمد علي باشا 3 زرافات لكل من فرنسا والنمسا وبريطانيا بناء على طلب من القنصل الفرنسي بالقاهرة برناردينو دروفيتي (Bernardino Drovetti)، أملا في وقف دعم هذه الدول للثوار اليونانيين وإصلاح جانب من العلاقات التي أفسدتها مذابح الأتراك باليونان.