إطلاق العنان لقوة الوعي الذاتي

إنَّ الوعي الذاتي في الأساس هو فهم صادق لنفسك، وعاداتك الشخصية، ونقاط قوتك، والمجالات التي تحتاج إلى التحسين فيها، وطريقة إدراك الحياة.

Share your love

إنَّ الوعي الذاتي في الأساس هو فهم صادق لنفسك، وعاداتك الشخصية، ونقاط قوتك، والمجالات التي تحتاج إلى التحسين فيها، وطريقة إدراك الحياة؛ وكلما عرفت نفسك أكثر، كلما أصبحت أفضل في التكيف مع التغيير والنمو بثبات وتهيئة نفسك للنجاح.

إذاً، كيف تصبح مدركاً لذاتك؟ من أكثر الطرائق فاعلية وأصدقها طلب التغذية الراجعة في حياتك، تلك التي تكون صادقة حقاً.

رغم كون التشجيع والتمكين أمرين هامين، إلَّا أنَّهما يخفيان النقاط غير الواضحة في الشخصية عندما يأتيان دون تغذية راجعة منتظمة وصادقة؛ والأسوأ من ذلك أنَّ ثقافة “أحقية الجميع بالتقدير” التي نشأنا عليها صغاراً تعزز قبول النتائج المتواضعة؛ ولذلك، يكمن التحدي في دعوة الأشخاص الذين يعرفونك ويحبونك كثيراً إلى تقديم تغذية راجعة لحياتك.

إذا لم تكن متأكداً من كيفية بدء هذا النوع من المحادثات، فابدأ بهذه الطريقة:

(إلى صديقك/ زميلك/ أحد أفراد أسرتك): أريدك أن تكون صادقاً معي حقاً. أنا أعلم أنَّك تهتم بي، وأعلم أنَّ هذا قد يكون صعباً عليك، لكنَّني أحتاج تماماً إلى تغذية راجعة صادقة لأصبح أفضل ما أستطيع. كيف أفعل في (مجال معين من الحياة أو مجموعة مهارات)؟ هل تعتقد أنَّني قادر على تحقيق هذا الهدف؟

خذ نفساً عميقاً بعد ذلك، واستوعب التغذية الرجعة التي حصلت عليها، وأجرِ التعديلات وفقاً لها، واعلم أنَّ هذه الممارسة لا تحتفي باستنكار الذات؛ لأنَّه تكتيك نمو صادق يمنعك من العيش في وهم.

لقد أصبحنا جميعاً بفضل وسائل الإعلام الاجتماعية وكالة علاقات عامة مكلَّفة بالنشر عن أنفسنا بأبهى صورنا لجميع أنحاء العالم لنحصل على الإعجاب والتعليق وحتى المشاركة، وفعلنا جميعنا ذلك، فهل يوجد أي خطأ في هذا التصور؟ لا، ولكنَّ المزعج في هذا الأمر هو الهوس بنيل الاستحسان كحافز للنشر.

في بعض الأحيان، إذا لم نحصل على استجابة في غضون بضع دقائق، فإنَّنا نحذف المنشور ونحاول لاحقاً، أليس كذلك؟ لكن لماذا؟ لأنَّنا مدمنون على تسجيلات الإعجاب والتعليقات وإعادة التغريد كمقياس لإجمالي قيمتنا؛ ورغم ذلك، تمنعنا كل هذه العناصر التي تشتت الانتباه عن الحقيقة من إدراك الوعي الذاتي والصدق والتغذية الراجعة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى النمو في هذا العالم الحقيقي المليء بالعقبات.

يستشهد المؤلف في مقال نُشِر عام 2013 في صحيفة نيويورك تايمز بمُنظِّر من كلية هارفارد للأعمال درس كيف يساعد الوعي الذاتي المرء في التغلب على العقبات في الحياة، ويقول المؤلف في ذلك:

“لقد أطلق الأستاذ “أرجريس” (Argyris) على أكثر الاستجابات شيوعاً “التعلم أحادي الحلقة”، وهي عملية عقلية انعزالية ننظر فيها إلى الأسباب الخارجية أو الفنية المحتملة للعقبات؛ ورغم كونها أقل شيوعاً، إلَّا أنَّها أكثر فاعلية بكثير، وهي النهج المعرفي الذي سماه البروفيسور أرجريس (التعلم ثنائي الحلقة).

نتساءل في هذا المفهوم عن كل جانب من جوانب نهجنا، بما في ذلك منهجنا والتحيزات والافتراضات الراسخة؛ ويتطلب منا هذا الفحص الذاتي الدقيق نفسياً أن نتحدى معتقداتنا بصدق ونستجمع الشجاعة اللازمة للعمل على هذه المعلومات، وهو ما قد يؤدي إلى أساليب جديدة للتفكير في حياتنا وأهدافنا.

لقد توقعنا في المقابلات التي أجريناها مع أصحاب الإنجازات الكبيرة في كتاب أن نسمع أنَّ الموهبة والمثابرة والتفاني والحظ لعبوا أدواراً حاسمة في نجاحهم، لكنَّ المثير للدهشة أنَّ الوعي الذاتي لعب دوراً قوياً بالقدر نفسه”.

لكن في خضم كل هذا، يوجد عنصر أساسي آخر في مزيج الوعي الذاتي، وهو المعرفة الذاتية التطبيقية.

تخيل إرسال رسالة نصية في أثناء القيادة، وكيف تبعد تركيزك عن الطريق لإلقاء نظرة سريعة على هاتفك؛ ثمَّ بعد ثوانٍ قليلة، تعيد النظر إلى الطريق، فتنجرف بشكل خطير إلى المسار المقابل.

يسمح لك الوعي الذاتي بالإقرار بـ “نعم، كنت أرسل رسالة نصية في أثناء القيادة”، ولكنَّ هذا الإقرار وحده لا يؤدي إلى التغيير وتجاوز السلوكات الضارة؛ ومع ذلك، تؤدي المعرفة الذاتية التطبيقية إلى تغيير السلوك، وتطرح الإجابة عن السؤال التالي: “لماذا كنت أرسل الرسائل النصية في أثناء القيادة في المقام الأول؟”.

عندما نتمكن من تكوين إجابات للدوافع الكامنة وراء أفكارنا وأفعالنا -سواءً أكانت منتجة أم غير منتجة- ثم تتبعها خطة عمل لتحويل سلوكنا المصاحب، نكون في وضع أفضل يسمح لنا بتجربة نمو دائم في حياتنا الشخصية والمهنية.

إنَّ الوعي الذاتي ليس استنكاراً للذات، كما أنَّه ليس وعياً بالذات؛ بل هو ما يبقيك مركزاً على ما هو أكثر أهمية، ويبقيك بعيداً عن تلك الأشياء التي ستشتت انتباهك عن هدفك، ممَّا يسمح لك بالنمو في مناطق القوة وفي أن تكون على دراية بنقاط الضعف.

هذا هو بيت القصيد، فنحن جميعاً في هذه العملية، وإذا كنَّا سنبذل قصارى جهدنا من أجل أولئك الأكثر أهمية في الحياة، فنحن بحاجة إلى التشجيع والتمكين، ولكنَّنا نحتاج أيضاً إلى جرعة صحية من التغذية الراجعة الصادقة القائمة على الحقائق التي تحركها دوافع النمو.

بوسعنا أيضاً الحصول على كل أدلة الاعتماد على الذات واستراتيجيات النمو الشخصي التي يستطيع المال أن يشتريها؛ ولكن إذا لم نكن نعرف أنفسنا بالقدر الكافي لوضع أيٍّ من هذه الأدلة في ممارسات فعالة ومحددة، فلن نتوصل أبداً إلى أعظم مكان ممكن للنجاح في هذه الحياة القصيرة، وقد يتحول هذا إلى أفضل نسخة من الشخصيات التي كان من المقدر أن نتمتع بها.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!