د. م. سـفـيـان الـتـل
اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية هي الصندوق الذي يصر نظام الحكم الفردي المطلق على العمل والتفكير داخله. وأي تفكير او عمل من رجال النظام خارج هذا الصندوق غير مسموح به نهائيا، وهذه هي أوضح صورة لتكميم الافواه وقمع الحريات وعدم السماح بقيام معارضة سياسية مؤسسيه. ومن هذا المنطلق دعنا نشير الى بعض النقاط الأساس المهمة:
أولا:
ان مشكلة المعارضة السياسية الملاحقة والمقموعة، كانت وما زالت مع الملك نفسه وليست مع أي لجنة تتشكل تحت عنون ما يسمى بالإصلاح والتحديث. فالملك حصر كل الصلاحيات التنفيذية والتشريع والقضائية بيده معتمدا على تعديلات دستورية وتشريعات من برلمانات لا تمثل الامة ومجالس اعيان معينة. حتى وصلنا الى حكم فردي مطلق يقوم على أسس من الفساد والافساد ونهب المال العام ووقف جميع اشكال التنمية مما اوصل الأردن الى حالة من التدهور والانحطاط غير المسبوقة.
ثانيا:
الملك يأتي برموز مشهود لها بالفساد والافساد ويطلب منها الإصلاح. وهذا يتعارض مع المنطق، لآن الفاسد لا يُصلح لأنه لا يَصلح.
ثالثا:
عندما تشكل لجنة وتوضع في صندوق او ضمن إطار يحدد لها مساحة تفكيرها وعملها وتمنع من التفكير خارج الصندوق، وعليها ان تشرع لقانون أحزاب وقانون انتخاب معدين لها مسبقا ومفصلين على مقياس الحكم الفردي المطلق. علما ان مثل هذه اللجان، التي ليس لها صفة تمثليه، لا يحق لها التشريع.
رابعا:
تتحدث اللجنة عن تعديلات دستورية لتتوافق مع قانون الانتخاب وقانون الأحزاب المعدين مسبقا. وحتى لو كنا نسير بخطوات تشريعية صحيحة، فأولا يتم تعديل الدستور ثم تشرع قوانين الانتخاب والأحزاب طبقا للدستور وليس العكس. وهذا يعني ان كل التعديلات السابقة التي خضع لها الدستور الأردني وشوهته كانت تٌعد بنفس الطريقة وما زالت مستمرة، وهذا أحد نماذجها وصورها الواضحة التي تسير بالبلاد من سيئ الى اسواء.
خامسا:
إذا كنا نريد اصلاحا حقيقيا فالتعديلات الدستورية يجب ان تبدآ بتحديد صلاحيات الملك. واعتماد مبدآ الشعب مصدر السلطات، ورفع يد الأجهزة الأمنية عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، ورفع يدها عن ملاحقة المعارضة الوطنية والمفكرين والاحرار وتهميشهم وتهجيرهم خارج البلاد. وعليها ان تعود الى دورها الحقيقي المرتبط بحكومة وطنية صاحبة ولاية حقيقية.
سادسا:
خطط الفساد والافساد وتطوير وسائله لم تتغير ولكن المسرحية تتكرر بأسماء وصور مختلفة رافقت كل مرحلة من مراحل تشكيل البرلمانات التي كان يؤتى بها لمهمات محددة، واشغلت الناس بحوارات عقيمة حول الدوائر الانتخابية والكوتات وحق الترشيح وحسن السلوك ومن يسمح له بالترشح ومن لا يسمح له بذلك…. الخ وابعدت المواطنين عن الهدف الحقيقي للإصلاح. وسبق وكانت لجنة الحوار الوطني ولجنة الميثاق ولجنة التعديلات الدستورية شواهد حية على ما أقول، فذاكرتنا ليست كذاكرة السمكة.
سابعا:
ان مفهوم الكوتا الذي يصر النظام عليه فكرة غير ديمقراطية جملة وتفصيلا. وتٌعتمد هذه الطريقة لضمان اغلبية ساحقة في البرلمانات تمثل الحكم الفردي المطلق واجهزة الأمنية وليس الشعب. وانعكس ذلك على نسبة متدنية جدا من المشاركة الشعبية في الانتخابات الصورية. وبالتأكيد هذا ليس اصلاحا، انما توسيع وتطوير لدائرة الفساد واحتكار السلطة.
ثامنا:
من المضحك جدا ما ورد من اللجنة “انها قامت بصياغة مواد قانونية واضحة لتنظيم العمل الحزبي في الجامعات وتكفل الحصانة للطالب الحزبي داخل الجامعة وخارجها وتعاقب كل من يمارس ضغطا على الشباب الحزبي في الجامعات”
وانا أقول كيف للجنة ليس لها صفة تمثيلية، مثلها مثل مجلس الاعيان المعين، ان تضع قوانين تعاقب كل من يمارس ضغطا على الشباب الحزبي في الجامعات، ونحن نعلم علم اليقين أن للأجهزة الأمنية ثلاث مكاتب على الأقل في كل جامعة مثل مكاتب المخابرات والتعقيب والامن الوقائي، تراقب وتستجوب وتتعقب وتعاقب الطلبة والأساتذة، على حد سواء، فمن الذي سيعاقب هذه الأجهزة اذن؟
تاسعا:
الأحزاب المرخصة التي تحتاج الى شهادة حسن سلوك من الفاسدين ليسمح لها بالعمل او يتم إيقاف تمويلها أوحلها حسب رغبة الأجهزة الأمنية، بالتأكيد ليست أحزابا وهي غير مؤهلة للعمل السياسي وتمثيل القوى الوطنية، وحتى يسمح لها بالاستمرار يجب ان يكون عملها محدودا ضمن الصندوق والإطار والمسار الذي يحدده النظام الفردي المطلق وحتى تضمن ان يكون لها اسما ويافطة على المسرح السياسي.
عاشرا:
وحتى لا نكون عبثيين وناقدين فقط طرحنا نموذجا للإصلاح والتحديث الحقيقي
عندما أشهرنا الحركة الشعبية للتغيير “تغيير” واعتبرناها حزبا غير مرخص، لا يحتاج لشهادة حسن سلوك من أحد، حددنا رؤيتنا للإصلاح بمبادئ عامة في وثيقتنا البرنامجية والتي تضمنت على سبيل المثال:
-
دولة ديمقراطية مستقلة استقلالا ناجزا
-
انفاذ إرادة المواطن في صياغة كامل التشريعات وتنفيذها
-
الشعب مصدر السلطات
-
الفصل بين السلطات
-
استقلال القضاء
-
تلازم السلطة والمساءلة
-
إطلاق الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير
-
الشعب وحدة واحدة وإلغاء الهويات الضيقة والفرعية والمحاصصة السياسية
-
قانون انتخاب ديمقراطي يضمن تطوير الحياة السياسية وانتخاب برلمان بكامل الصلاحيات الدستورية، غير قابل للحل ولا تشاركه صلاحياته التشريعية اية جهة غير منتخبة.
-
اقتصاد انتاجي
-
إعادة الاعتبار لدور الدولة في الاقتصاد
-
الضرائب لتحفيز الإنتاج وليست أداة جباية
-
العمل للجميع ومجانية التعليم في جميع المراحل
-
العدو الصهيوني هو العدو المركزي للأردن والأمة
-
القوات المسلحة والأجهزة الأمنية جميعها لها وظيفة مركزية واحدة هي حماية الشعب والدولة، وهي ليست جزءا من الألعاب والمغالبة السياسية
هنا هو التحديث والإصلاح لمن أراد الإصلاح فعلا لا قولا ويكفينا مائة عام من الفساد والافساد والتلاعب بالكلمات والمصطلحات وتفريغها من مضامينها.
عمان
Source: Raialyoum.com