منذ سنوات والكيان «الإسرائيلي» يسير في مخطط عملي واضح ومبرمج لتهويد القدس والمقدسات الإسلامية، ووضع قدم ديني استيطاني في حرم المسجد الأقصى، حيث لم يتم الاكتفاء بفصل حائط البراق الذي تم تسميته بحائط «المبكى»، ولم يتم الاكتفاء بحفر الأنفاق تحت أرض المسجد، وإقامة بعض المعابد والكنس والمدارس الدينية اليهودية، بل أصبح الزحف واضحاً نحو مقاسمة المسلمين لمسجدهم، من خلال العمل الأمني المبرمج بالتضييق على المصلين في كل صلاة، وخاصة في صلاة الجمعة، ومحاولة الاتيان بمجموعات المتدينين اليهود لأداء بعض الطقوس والشعائر التعبدية داخل حرم المسجد.
أقدم «نتنياهو» على استصدار قانون من «الكنيست الإسرائيلي» يجرم رباط الشباب في المسجد، بل وجعله فعلاً إرهابياً، وتم تفصيل هذا القانون تفصيلاً لمنع المرابطات والمرابطين من المكث في المسجد، لأنهم شكلوا عائقاً كبيراً أمام مخطط جيش الاحتلال بتنفيذ تهويد المسجد الأقصى، بالإضافة إلى حملة من الإجراءات التعسفية لمنع الوجود الفلسطيني المكثف من عرب الأراضي المحتلة (48) داخل المسجد على مدار الساعة، كما تم تقييد حركة القائد الفلسطيني «رائد صلاح» من مواصلة مهمته في التصدي لمشروع تهويد الحرم القدسي، من خلال برنامج شد الرحال الحقيقي وليس الوهمي.
الغريب في الأمر أن هذا الموضوع لا يأخذ بعده الحقيقي على خارطة الاهتمامات السياسية لدى الدول العربية، باستثناء الأردن، التي تقوم بجهود فردية، وكأن المسألة لا تخص بقية العرب ولا تعنيهم، حيث لم يتم دعوة الجامعة العربية، ولم يتم دعوة منظمة المؤتمر الإسلامي لاجتماع طارىء لمناقشة هذا الأمر الجلل؛ الذي يمس ملياراً ونصف المليار من البشر.
الموضوع يتطور بصورة مذهلة، حيث تم دخول الجيش وقوات الأمن إلى داخل المسجد، وتم استخدام الأسلحة والقنابل الدخانية في مكان الصلاة، وتم مطاردة المصلين في مصلاهم وإخراجهم بالقوة واعتقالهم، أمام مرأى العالم الإسلامي وكل سكان العالم، مما يجعلنا جميعاً أمام جريمة صهيونية بشعة ومستنكرة في كل أعراف البشر.
المطلوب من العرب إجراء تحرك جاد وفوري، على كل الصعد والمستويات الممكنة، ابتداء من خطوة التحرك الدبلوماسي على صعيد الخطاب، ومن ثم التدرج نحو مناقشة العلاقات السياسية وسحب السفراء، وصولاً إلى وقف العمل بالمعاهدات، ويكون ذلك مصحوباً بدعوة الجامعة العربية لاجتماع طارىء وفوري، وكذلك رفع الطلب إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لعقد قمة طارئة خاصة بهذا الموضوع، وتحريك كل الفاعليات واستخدام كل أوراق الضغط عبر موقف عربي موّحد، بالإضافة إلى وقف كل أنواع التعاون والتبادل بكل انواعه في كل الاتجاهات، والتحرك عبر المسار الدولي بطريقة منظمة.
التحرك ينبغي أن يكون بحجم المشكلة، وبحجم العبث الذي يقوم به الكيان المحتل وبحجم الأذى الذي يلحق بكل عربي ومسلم، وبحجم أثر هذه الخطوة العدوانية على شباب الأمة الناقم على امتداد الساحة العربية والإسلامية، حيث أن الاستفزاز الصهيوني يمثل العامل الأكثر أهمية في صناعة التطرف وتغذية العنف المتزايد في المنطقة كلها.
المنطقة العربية تتمركز اليوم فوق برميل بارود متفجر ويخطىء الكيان الصهيوني وكل القوى الغربية والشرقية الحليفة، بتقدير الظروف السياسية القائمة من خلال العبث بعقيدة الأمة؛ فيما يخص القدس والمسجد الأقصى على وجه التحديد، ولذلك فإن المنطقة مرشحة نحو تطورات خطيرة ليست بالحسبان، في ظل هذه الفوضى العارمة.