الإبهاج الفني في أعمال الحروفي محمد أبا عبيدة
[wpcc-script type=”92ceecd34962b4de9a1d03da-text/javascript”]

تنبني أعمال الحروفي محمد أبا عبيدة على مسلك فني متوهج، يستقي من المادة الحروفية عناصر البناء المحكم، لبعث الجمال والإبهاج الفني، عن طريق بسط مختلف المفردات الحروفية المترابطة الشكل، والمتصلة بتراكمات من العلامات والألوان، للتعبير بطرق مباشرة تغطي مجمل مساحات الفضاء.
وتتبدى هذه التجربة غنية بما تحتويه من أعمال جادة في التكوين، وفي الشكل في مجال الخط العربي، والحروفية المتقدمة التي تروم نوعا من الحرية في الفضاء. وبذلك يقدم المبدع منجزا حروفيا غير مألوف، ما يبعث الإبهاج الفني عن طريق تطويع الأشكال المنبعثة من تنوع التداخلات الحروفية من جهة، ومن خلال أسلوب حروفي مغربي محدث، من بعض أنواع الخط القابلة للتشكيل الحروفي في أبهته، من جهة أخرى، فيتجه بالتركيب نحو القوة التعبيرية، بخطوط وأشكال ذات حركات متتالية، وتموضع حروفي مختلف؛ يتمظهر في الفضاء بكميات خفيفة أحيانا، ويُغلق بأرضيته كل منافذ الفضاء أحيانا أخرى. وهو بذلك يُخضع أعماله لسلطة التصور المسبق، فينزاح بالمادة الحروفية نحو الحجب، باستعمالات تقنية عالية، وعمليات توظيف متقنة للألوان والحروف والعلامات، خاصة أنه يشتغل وفق طبقات، فيكون موفقا في الربط بين مجموعة من العلاقات، والحد من مجموعة من التباينات، داخل الأنساق اللونية المنصهرة في الحروفيات، ما يمكنه من توطيد مسلك تحاوري يستهدف الأشكال التعبيرية، ويؤسس لمسلك حروفي يتمتع بالخصوبة الجمالية، والاعتناء بقيم السطح، في سعي واضح من الحروفي أبا عبيدة إلى تشكيل مجال حروفي دقيق المعالم في الجمالية المغربية، ومبهج في صيغه البصرية.

ولا غرو في ذلك، فهو يبني تصوراته على أبعاد فنية تروم الإشكالات الحروفية المغربية؛ ما يجعله يتفرد بأسلوب يتمرد به على الجاهز بدون قيد، حتى يستجيب لضرورات التطور، ويلامس بعض الأشكال الخطية المغربية التي تقارب أشكال المسند المغربي، ودعم إشكالية الجمال، وصنع فسحة للمجال التعبيري المعاصر. وبذلك ففي المنظور النقدي؛ تتبدى القاعدة الخطية لديه بُؤرا حروفية تنبني على عمليات التركيب المتنوع، وبسط أشكال حروفية، يقارب بها بعض أنواع الخط المغربي. فالمبدع ينوع في الشكل وفي الاختزال والتموضع واللون والحرف، بمقومات فنية مبهجة، وتوجه جمالي، ينتج عن العلاقة بين تصوراته الجمالية للحروفية المغربية، والمجال الفني المتجلي في اللون وفي الأشكال الخلفية.
وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن المبني على إيقاع سيمفوني يُجاري المادة الحروفية بترانيمها العذبة، والمتمركز على نوع من التوليف بين مختلف المفردات الحروفية، وعمليات التركيب المتنوعة، والألوان التي ينتقيها الفنان بدقة عالية. فهي غالبا ما تطاوع الحروف وتطاوع الشكل العام لإنتاج بيان حروفي مغربي، بعيدا عن التعقيد والمساحيق اللونية، ما ينم عن قدرة المبدع الحروفية ومرونته في التفاعل مع التركيب الحروفي واللوني، في بؤر متحركة ذات بيان حروفي وخصائص فنية وجمالية. ويبدو أن ذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الحروفية المغربيـــــة كل المقومــات الفنية، التي تلعب فيها التقنيات الموظفة أدوارا أساسية، لتتمظهر مختلــف الجماليات المدعمة بالاسترسالات والتداخلات والتدويرات بارزة، فيحقـــق بذلك الدور الجمالي للمادة الحروفية، وتشكيل المكان وفق خاصيات جمالية محددة ذات إيحاءات قادرة على التحول إلى دال حروفي يستند إلى مرجع خطي مغربي صرف، بجهاز مضاميني، وصيغ فنية تتقاسم مع الشكل المغربي مقوماته الأساسية وجمالياته المتنوعة.
إن أعمال الحروفي المغربي محمد أبا عبيدة تظهر فيها اجتهادات مبهجة، وهي مفعمة بالمفردات الفنية والجمالية المغربية، التي تنبض بروح الإبداع والتجديد والعصرنة.
٭ كاتب مغربي
