الباليه الفرنسي «باكتي»: موسيقى الهند الكلاسيكية وأساطير الغرام

يعتمد باليه «باكتي» الذي أبدعه المصمم الفرنسي موريس بيجار، على أساطير الغرام الإلهية، التي تزخر بها الثقافة الهندية، مثل الحضارة اليونانية القديمة والكثير من الحضارات الأخرى، ولا تخلو من التحولات الدرامية المثيرة والصراعات الانتقامية، ومستويات التلقي، التي تبدأ بالحكاية البسيطة، وتنتهي بالفلسفة المعقدة، وفي هذا الباليه الذي عرضه بيجار للمرة الأولى عام 1970 ولا يزال […]

الباليه الفرنسي «باكتي»: موسيقى الهند الكلاسيكية وأساطير الغرام

[wpcc-script type=”ed9cd702e091a9f38a830720-text/javascript”]

يعتمد باليه «باكتي» الذي أبدعه المصمم الفرنسي موريس بيجار، على أساطير الغرام الإلهية، التي تزخر بها الثقافة الهندية، مثل الحضارة اليونانية القديمة والكثير من الحضارات الأخرى، ولا تخلو من التحولات الدرامية المثيرة والصراعات الانتقامية، ومستويات التلقي، التي تبدأ بالحكاية البسيطة، وتنتهي بالفلسفة المعقدة، وفي هذا الباليه الذي عرضه بيجار للمرة الأولى عام 1970 ولا يزال من العروض الأساسية لفرقة «باليه بيجار» إلى اليوم، نشاهد ثلاث رقصات تصور أشكالا مختلفة من الحب بين كل من «راما وسيتا»، «كريشنا ورادها»، «شيفا وبارفاتي»، بينما نستمع إلى قطع من الموسيقى الكلاسيكية الهندية، التي تبدو قديمة جدا وبدائية إلى حد ما، ونشعر بأنها فاقدة للثراء النغمي الشرقي الممتع المعتاد، حيث تعتمد طوال الوقت على آلة واحدة هي «البانسوري»، أو الناي الهندي، مع حضور خافت للوتريات مثل، الفينا والسارانغي أحيانا، فلا تأخذنا الموسيقى كثيرا من الرقص ولا تستحوذ على مشاعرنا، كما أن الرقص يبدو بدوره أقرب إلى ممارسات اليوغا التي توحي بالسكون أكثر من الحركة، وتفرض على المشاهد أن يتبع تأملاته الخاصة وتفسيراته للتشكيلات الجسدية البطيئة، التي تتكون أمامه، وهكذا نجد أن الرقص أيضا لا يأخذنا من الفلسفة التي سخّر بيجار كل شيء من أجلها في النهاية، وأراد أن تطغى على كافة العناصر الفنية، ولم يحاول إخفاء ولعه الشديد بها، الذي ربما كان وراثيا لأنه ابن الفيلسوف الفرنسي «غاستون بيرجيه»، فقد عمل طوال حياته وحتى وفاته عام 2007 على المزج بين الباليه والفلسفة، سواء كان ذلك بشكل مباشر من خلال استلهام رقصات من الفيلسوف الألماني نيتشه في «هكذا قال زرادشت»، أو بشكل غير مباشر، كما في رقصة بوليرو، التي يعبر فيها عن فلسفته الخاصة حول الحب والرغبة في الحياة.


ويعد باليه باكتي دليلا على انفتاحه على الثقافة الشرقية، كما تعد رقصة «الإشراقات» التي قدمها عام 1979 على أنغام أغنية «تائب تجري دموعي ندما» لأم كلثوم، دليلا على انفتاحه على الثقافة العربية بموسيقاها ولغتها، وفي تصميمه لباليه باكتي، لم يهتم بيجار كثيرا بسرد قصص الحب الطويلة، التي يعد بعضها من الملاحم، لكنه قام بالتركيز على القليل من الأفكار الفلسفية الرئيسية، والمعاني المحددة في تلك الأساطير، وعمل على تقديمها بشكل مجرد، والتعبير عنها من خلال الجسد والحركة والتشكيل، فنرى أنه اعتمد على فكرة الاتحاد والتكامل في رقصة «راما وسيتا»، وحرص على أن يبدو كل من الراقص والراقصة كجسد واحد طوال الوقت، قبل أن يطالهما الشر وتتعرض سيتا للنفي والضياع في الغابة، وتبدأ رحلة راما الطويلة في البحث عن زوجته وتوأمه الروحي، ونصفه الآخر الذي سلب منه، والتي تذكرنا برحلة الآلهة إيزيس وبحثها عن زوجها الإله أوزيريس، بعد أن طاله الشر أيضا في الحضارة المصرية القديمة.
كما يذكرنا الاتحاد الجسدي والروحي بين راما وسيتا، ثم الانفصال الموجع والضياع، بما نقرأه في كتاب «محاورات أفلاطون» وتحديدا محاورة سيمبوزيوم، ومداخلة أريستوفانيس وتفسيره للحب، الذي يبدو رغم غرابته، الأقرب إلى ما يشعر به البعض أحيانا، حيث يصور نشوء الحب كنتيجة للانشطار والانقسام، الذي عوقب به الإنسان الذي كان على هيئة مثالية كاملة قوية، لكي يكون ضعيفا ويظل في حالة بحث دائم عن نصفه الآخر.
كما اعتمد في رقصة «كريشنا ورادها»، على فكرة الحب الروحي الخالص، بعيدا عن العشق الجسدي، فهما الثنائي الوحيد الذي لم يتزوج أبدا، وتصور قصتهما الحب كشيء أسمى وأنقى من الزواج الذي هو شيء مادي، وتعبر الرقصة عن حب رادها الشديد لكريشنا، الذي يصل إلى حد العبادة، ويكون الرجل محور الرقصة ومركزها، على العكس من رقصة «شيفا وبارفاتي» وهي رقصة زوج مع زوجته، ويكون الحضور الطاغي فيها للأنثى، فنجد أن الجميع يتطلع إليها دائما، ويتحلق من حولها الراقصون في أوضاع جالسة ثابتة على الأرض، بينما تكون هي في المركز تؤدي حركاتها الراقصة وقوفا، ويتمدد جسدها بشكل رأسي إلى الأعلى، وزوجها شيفا على الأرض يتطلع إليها أيضا، وبارفاتي هي تجسيد للخصوبة والأمومة وتذكرنا بالآلهة حتحور في الثقافة الفرعونية.

٭ كاتبة مصرية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *