لكي نبدأ بشكل صحيح، لا بد أن نقلل إلى الحد الأدنى من تناول الأطعمة المصنعة، وأن ننتبه إلى السلع الغذائية التي نشتريها ونميز فيما بينها، وبالتالي نتناول كمية أقل ونوعية أفضل من الطعام. لكن الأهم من ذلك كله بالطبع أن نتحكم بطعامنا من خلال إنتاجه بأنفسنا من المكونات الأساسية التي يكون من السهل علينا التأكد من عدم تلوثها بالكيماويات. وهذا يعني العودة إلى الزراعة البلدية والطبيعية (العضوية) وتشجيع المزارعين إجمالا على القيام بذلك ونشر الوعي بين أصدقائنا ومعارفنا وأقاربنا في المدن وتشجيعهم على شراء الخضار والفاكهة البلدية مباشرة من المزارعين في مزارعهم وحقولهم. وبإمكان مجموعات طليعية من المزارعين البلديين (العضويين) إقامة شبكات تسويق ودكاكين خاصة بهم في المدن والبلدات والقرى والمخيمات يسوقون فيها منتجاتهم الطبيعية. صحيح أنه ليس من السهل تغيير عاداتنا الاستهلاكية والغذائية، لكن الخطوة الأولى تكمن في شحذ وعينا الغذائي ومن ثم القيام بالخطوات اللازمة لإحداث التغيير. وهنا نتساءل: ما الذي يمنع الجهات والمؤسسات المعنية (الزراعية والبيئية والحامية للمستهلك وغيرها) من حفز المزارعين مباشرة على إنتاج خضار وفاكهة غير ملوثة بالكيماويات وغنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن؟
إن تشجيع المستهلكين وتوجيههم إلى أولئك المزارعين كي يشتروا منهم الخضار والفاكهة الطازجة والنظيفة أمر مهم، فالفاكهة الطازجة مثلاً تغنيهم عن شرب العصائر والمشروبات الغازية الكيماوية، لأن بإمكانهم تصنيع عصائر الفاكهة الطبيعية الخالية من السكر الاصطناعي والمواد الحافظة في البيت خاصة وأن بعض العصائر، كالتفاح، سهلة التحضير وبإمكاننا تخزينها لمدة سنة أو أكثر شريطة وضعها في قناني زجاجية مقفلة ومعقمة جيداً (أي قناني قمنا بنقعها بالماء المغلي لمدة عشر دقائق).
إن رفع مستوى الوعي الاستهلاكي والغذائي لدى الناس يعني العودة إلى الغذاء الطبيعي وإلى ما كان يقدمه أجدادنا إلى أولادهم وضيوفهم من زبيب وتين وخوخ ومشمش مجفف وقمردين وجوز ولوز وغيرها من الأشياء الطبيعية الغنية بالمعادن والفيتامينات الضرورية للجسم. وفي المحصلة، سوف يزداد الطلب على الإنتاج الزراعي البلدي والعضوي.
وبإمكان المزارعين أيضاً زراعة الأعشاب الطبية ويستطيع الناس القيام بهذه المهمة بشكل عام واقتناء هذه الأعشاب من المزارعين والاستغناء عن الكثير من الأدوية الكيماوية التي تريدنا شركات الأدوية أن نشتريها بكثرة لا لنشفى فقط، بل لكي تجني هي الأرباح. فالكثير من أمراضنا بسيط، مثل الرشح والزكام والصداع ولسعات الحشرات وغيرها، وهي لا تحتاج سوى العلاجات الطبيعية والغذاء العضوي (الطبيعي). وينطبق نفس التوجه على البدائل الطبيعية (التي استعملها أجدادنا) لمستحضرات التجميل الكيماوية، علما أن هذه البدائل تحافظ على نضارة البشرة ولا تكلف كثيرا وتعتمد على المنتجات الزراعية البلدية (العضوية) ومنها زيت القمح وعصير الحامض واللبن والخيار.
الإنتاج الخضري الغني بالإنزيمات والكلوروفيل:
وبالإضافة لتناول الطعام الطازج العضوي والإكثار من الخضار، بالإمكان تشجيع التوجه نحو الإنتاج الخضري الغني بالإنزيمات والكلوروفيل، فمن المعروف أن الإنزيمات في الطعام تدعم إنزيمات الجسم في الخلايا المتجددة وتعزز مناعته. أما الكلوروفيل فيعتبر من الناحية الكيميائية مماثلاً (تقريباً) للدم وهو يمتلك القدرة على إزالة السموم من الجسم وإعادة بناء الأنسجة الحية. وكل ما نحتاجه لهذا النوع من الإنتاج السهل والرخيص كمية كافية من البذور الصغيرة (كالفجل والحلبة والخس وغيرها) أو البذور الأكبر من البقوليات (العدس، الحمص، الفاصوليا، البازيلاء وغيرها)، وتنميتها حتى أول الإنبات (عند بروز البادرات أو الأوراق الأولى / sprouts )، ومن ثم تناولها في السلطات أو خلطها في الشوربات الغنية بالطاقة الخضراء أو حتى عصرها، فنحصل بالتالي على غذاء طازج وصحي وغني بالكلوروفيل والإنزيمات والفيتامينات والمعادن.
الغذاء العضوي و”الراديكالات الحرة”:
من الناحية الغذائية، يحتوي الطعام العضوي على مستويات أعلى مما يعرف بالإفرازات الكيماوية النباتية (الطبيعية) phytochemicals التي تعمل على دعم نظام الجسم في الحفاظ على أيونات الأكسجين الحرة (السالبة) في الخلايا تحت السيطرة. إذ أنه نتيجة للتفاعلات الحيوية (الأيض) في الخلايا، تنتج جزيئات أكسجين سالبة منفلتة وغير مستقرة (تعرف كيميائيا بالراديكالات الحرة free radicals قد تؤدي إلى عملية أكسدة قد تؤثر بدورها على الخلايا المجاورة التي قد يتولد فيها أيضا راديكالات حرة وهكذا. وعندما تزداد كثيرا عملية الأكسدة التي قد تساهم فيها العوامل الخارجية (كالتلوث البيئي أو دخان السجائر مثلاً) فإن النمو غير المتحكم به للخلايا قد يتحول إلى سرطان. وقد تهاجم الراديكالات الحرة الدهون في الدم مؤدية إلى تراكمها على شكل ترسبات دهنية، الأمر الذي يتسبب في أمراض القلب. لهذا، فإن تناول الأغذية التي تعتبر مضادة للأكسدة، يساعد الجسم في مواجهته أو منعه لعملية الأكسدة الناتجة عن الراديكالات الحرة. وتعتبر معظم الإفرازات الكيماوية النباتية (الطبيعية) / phytochemicals مضادة للأكسدة وهي تتواجد عمليا، وبدرجات متفاوتة، في جميع الخضار والفاكهة غير الملوثة بالكيماويات (أي الخضار والفاكهة الموسمية والبعلية). ومن أهم هذه الإفرازات مجموعة من الإنزيمات المتواجدة في الفاكهة الحامضة. كما توجد هذه الإفرازات بكثرة في البندورة واللفت والقرنبيط (وخاصة البروكولي). وتتفاوت قدرة الإفرازات السابقة (في الخضار والفاكهة) على امتصاص الراديكالات الحرة. وتمتاز القراصيا، على سبيل المثال، بقدرتها العالية على امتصاص الراديكالات الحرة (يرمز لهذه القدرة بِ ORAC ).
الحبوب والحنطة الكاملة:
من الضروري العودة فلسطينياً وعربياً إلى إنتاج واستهلاك الحبوب والحنطة، علماً أن الأخيرة عبارة عن بذور، وبالتالي فإن طحن هذه البذور يزيل الحماية الطبيعية التي تحتويها، فضلاً عن معظم القيمة الغذائية المتواجدة أصلاً في قشورها. وعلى سبيل المثال، وخلافاً للخبز الأسمر المحضر من القمح الكامل، فإن الخبز الأبيض يتم تصنيعه من الطحين الأبيض المكرر الذي فقد فوائده الصحية بسبب فقدانه معظم المعادن والألياف والفيتامينات. وتعتبر الحنطة الكاملة أسهل بكثير للهضم، بينما تحتاج الحنطة المقشورة إلى طاقة ومواد أكثر (من الجسم) لهضمها. لذلك فإن الحبوب والحنطة الكاملة (غير المقشورة) لا تحتاج إلى مواد مكملة، كما أن الغذاء الكامل والصحي يساعد في فتح مسامات الجسم لإخراج الأوساخ وتفادي الأمراض. وتعتبر الحبوب والحنطة الكاملة غذاءً كاملا من ناحية احتوائها على الألياف والمعادن والفيتامينات والنشويات، وبالتالي فهي لا تحتاج إلى مكملات (كالزيت والزبدة والملح وغيره). فمثلا، يعتبر الرز الكامل غذاء كاملا للإنسان وهو يحتوي على المعادن والأملاح والدهون والنشويات ولا يحتاج إلى مكملات. وربما قد نعطر الرز الكامل (نضيف إليه نكهة طبيعية) بعطر واحد، كعود القرفة أو حب الهيل أو كبش القرنفل أو الزنجبيل أو ورق الزعتر أو الحبق أو النعنع الأخضر (أو الجاف) وغير ذلك من المنكهات الطبيعية (جوز، لوز، توابل، أعشاب…). ولنلاحظ أن معظم المنكهات الطبيعية السابقة، فضلاً عن المواد الحافظة الطبيعية (التوابل، أعشاب طبيعية…) هي من إنتاج بلادنا. ومع تزايد التوجه نحو الغذاء الطبيعي، من المتوقع زيادة إنتاجها محلياً ويمكننا أيضاً الاعتماد على الملح الكامل (ملح البحر) من منطقة الساحل الفلسطيني.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن مكملات الغذاء الطبيعي والكامل لا بد أن تكون طبيعية، كالزنجبيل مع السمك، والعطرة مع اللحوم والأجبان والألبان، والحبق / الريحان مع التبولة والبقدونس، فضلاً عن المنكهات الطبيعية كالمردقوش وحبوب الصويا وملح البحر الطبيعي والبهارات مثل جوز الطيب وكبش القرنفل وغيرها. وإجمالاً فإن الطعام الطبيعي (العضوي) الكامل والمتنوع هو الطعام الكامل والصحي والمتوازن.
ويساهم الإنتاج الزراعي العضوي في تنمية عادات غذائية صحية وسليمة (وبالعكس) مثل التقليل من الأطعمة المحتوية على كولسترول من خلال تقليل استهلاك اللحم الأحمر وفضلات الذبائح ومنتجات الألبان والبيض، فضلا عن تفادي قلي المأكولات. وبإمكاننا تناول الأسماك التي ثبت بأنها تساعد في خفض الكولسترول. كما يفضل أن نخبز أو نشتري الخبز والكعك والبسكويت من القمح الكامل وزيت الزيتون (المعصور على البارد) أو زيت عباد الشمس، حيث أن صنفي الزيت الأخيرين لا يؤديا إلى ارتفاع الكولسترول، فضلا عن كونهما، إلى جانب القمح الكامل من إنتاج محلي. ولا بد من الإكثار من تناول الخضار البلدية الموسمية الطازجة (أو المسلوقة)، إذ أنها تفقد نسبة أقل من المغذيات.
أخيرا وليس آخراً، فمن وجهة نظر اقتصادية – تنموية بحتة، يشكل الإنتاج الزراعي البلدي (العضوي) واستهلاكه محلياً ضمانة لفك تبعيتنا الغذائية للأجنبي، وبالتالي سيوفر لنا الأمن الغذائي الذي يتمثل في اتباع استراتيجية إنتاجية تستند إلى مواردنا وتجاربنا وتقاليدنا الإنتاجية المحلية الغنية القابلة للتطوير وإنتاج الغذاء بهدف استهلاكه محليا في ظل التزايد السكاني وإعادة التدوير المحلي للرأس المال.