البلاغة الخطية في تجربة السوري عبد الإله أبوجيش

تشكل تجربة الخطاط عبد الإله أبو جيش محطة متميزة في مجال الخط العربي، فهي تجربة غنية تتناغم فيها رسوم حروف الخط العربي مع ضوابطه الأساسية وتقييداته التقعيدية الضرورية، خاصة في خط الثلث والديواني الجلي، وفي خضم ذلك يعمل الخطاط على إبداء الجماليات، وتدجيج منجزه باجتهادات متفردة تقوي من سلطة جمال التركيب الخطي، وبذلك تضحى أعماله […]

البلاغة الخطية في تجربة السوري عبد الإله أبوجيش

[wpcc-script type=”572f2a4a1a12dcec4d6af0f8-text/javascript”]

تشكل تجربة الخطاط عبد الإله أبو جيش محطة متميزة في مجال الخط العربي، فهي تجربة غنية تتناغم فيها رسوم حروف الخط العربي مع ضوابطه الأساسية وتقييداته التقعيدية الضرورية، خاصة في خط الثلث والديواني الجلي، وفي خضم ذلك يعمل الخطاط على إبداء الجماليات، وتدجيج منجزه باجتهادات متفردة تقوي من سلطة جمال التركيب الخطي، وبذلك تضحى أعماله الإبداعية مسارا فنيا يجمع بين التقعيد والضبط، وبين جمال التركيب والتنويع في الشكل، فتتبدى إيقاعات الخط والزخارف الخفيفة منجزا فنيا متكاملا، يستحوذ على معظم الفضاء بصياغات متعددة، تجعل الخط العربي مقوما أساسيا لبعث بلاغة خطية جديدة، في عملية تشكُّل البناء البياني والفني، باعتبار أشكال الحروف المطاوعة للتشكيلات المختلفة، فتضحى مكونات أسلوبية ذات قيمة بيانية وفنية، تكتنز مفردات جديدة تستحوذ بشكل كبير على معظم الفضاء، وتشغل المساحة بشكل منظم.
وتشكل التركيبات المتنوعة والمنمنمات والزخارف مواد ذات تعددية قرائية، متناسقة مع التداخلات اللونية، حيث تيسر التعبير وفق مجال فضائي يشكل لوحات فنية مبهجة. ولا شك في أن التقنيات العالية التي يوظفها المبدع وفق الحاجة الفنية والجمالية تفصح عن عدد من الاستعمالات البيانية الجديدة، منها ما يخص أساليب توظيف اللون، ومنها ما يخص مختلف الكيفيات التفاعلية مع الخامات، ومنها ما يتعلق بتوزيع المساحة بين المفردات الزخرفية والمادة الخطية، ومنها ما يرتبط بالعناصر الشكلية العامة، وكلها تبرر قدرته التحكمية في الفضاء، وكيفية تدبيره للمادة الفنية الدلالية المرتبطة بالمضامين.


ويعتبر الربط تقنيا وجماليا بين العناصر المكونة لأعماله، والربط بين مجموعة من المفردات المتباينة، والاستخدامات التحولية من الخط إلى الزخرفة، وإلى الشكل أهم المنجزات التقنية والفنية، التي تمكنه من بسط نوع من الانسجام بين كل العناصر الخطية والمفردات الزخرفية، ليُحدث نقلة بارزة في تشكيل مجال إبداعي يقوم على الخط العربي بضوابطه وبلاغته، ليشكل مسلكا جديدا لعصرنة أسلوب الخط العربي، ما يجعله يقود إلى عوالم تُوجّه المسالك التعبيرية نحو بلاغة خطية جديدة.
فإذا كان الخطاط عبد الإله أبو جيش يتخذ من الخط العربي بضوابطه الأساسية مقوما أساسيا لبعث الجديد، فإنه في الآن نفسه يؤسس لعمليات تَشَكُّل بنائي وفني جديد، قياسا بأهمية الخط العربي في اختراق المكونات الأسلوبية بقواعده وضوابطه وتقييداته، ما يُنتج القيمة الفنية التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية، التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة. فالخطاط يسعى إلى تثبيت رزمة من جماليات الخط العربي، وهي تتبدى أساسا في عملية التموضع المحكم والتركيب المنظم داخل الفضاء، باحترام للشكل والتنويع في جوهر المادة الخطية، وبذلك، فإنه يبني أعماله الخطية وفق مستحدثات تقنية تحافظ على جوهر المادة الخطية من حيث الضبط والتقييد، ووفق مسلك أسلوبي يمزج من خلاله الألوان ويوظفها بتنظيم دقيق وبمقدرة أدائية عالية، تتلاءم مع مختلف عمليات التركيب الخطي ومع الشكل العام الذي يحتوي عددا من المفردات الخطية والزخرفية، كالمنمنمات وعمليات الشكل المختلفة من مدّات وحركات ونقاط تتخذ أحيانا ألوانا مخالفة للون العام داخل الفضاء، فتظهر بارزة بدلالاتها اللونية والفنية والجمالية.
إنه منجز ينبثق من الرؤى العالمة للخطاط، ومن تصوراته المستفيضة في تشكيل مجال خطي جديد يقوم على الثوابت الخطية والجمالية والبيانية، بنوع من الوحدة والانسجام، وتمثيل المقومات الفنية للمادة الخطية المعاصرة، بتنويع في الشكل وفي الكثافة، وتموضع الزخارف والنقاط، وفي كيفيات تثبيت الألوان، وفي الصياغات المتعددة للتركيب؛ ما يمنح أعماله جماليات التشكيل والتعبير وجماليات خطية صرفة. وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من القيم الفنية، وبذلك فإن أعماله تحمل خصائص جمالية متفردة، وغايات إبداعية مفيدة، تماشيا مع تجربته الغنية ومؤهلاته التي جعلته في مصاف القوامة الخطية المعاصرة.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *