مراثي بيروت

مذْ علّقوا وجهَ المدينةِ، واستخاروا حربَهم، وهبوا مرايا الموت أقنعةَ الحروبِ، فقايضوا بيروتَ بالبحرِ، وأوهامِ الطريقِ، هي تشتهي كلُّ العرائسِ والأغاني والمراثي، فتتوهُ بالوجع الغريق. لا تشبه المدنَ المباحةَ للخطايا، إذ تقرأ القداسَ والتعزيمَ، والتأويلَ دون مواسمِ الخوف العتيقِ، ترمي لهم حجرَ المروءةِ، تستكينُ أنوثةً، تتلو لهم نصَ اعترافِ الصحوِ، والقلق الطليقِ. تبكي الغيابَ، رحيلَ […]

مراثي بيروت

[wpcc-script type=”57241165b3a1df1533584c54-text/javascript”]

مذْ علّقوا وجهَ المدينةِ، واستخاروا حربَهم،
وهبوا مرايا الموت أقنعةَ الحروبِ، فقايضوا بيروتَ
بالبحرِ، وأوهامِ الطريقِ،
هي تشتهي كلُّ العرائسِ والأغاني والمراثي، فتتوهُ بالوجع الغريق.
لا تشبه المدنَ المباحةَ للخطايا، إذ تقرأ القداسَ والتعزيمَ،
والتأويلَ دون مواسمِ الخوف العتيقِ،
ترمي لهم حجرَ المروءةِ،
تستكينُ أنوثةً، تتلو لهم نصَ اعترافِ الصحوِ، والقلق الطليقِ.
تبكي الغيابَ،
رحيلَ من عبروا مثل الفراشاتِ الشغوفة بالحريقِ..
لا شيءَ في الحربِ القريبةِ، لا شيءَ في الحربِ البعيدةِ،
كلُّ الحروبِ تشابهتْ، وتعاقبتْ وتخاصمتْ، وتعثرتْ عند
الأنوثةِ،
إذ يلمع الجسدُ البهيُ كنجمةٍ، يعلو بطينِ الخلقِ، يوهبه النشيدَ، غوايةَ المعنى، وأسرار الوصايا..
فيكون وجهُك سرَّه،
وتكون سرتُك البليلةُ بدءَه
أو بدءَ من جاءوا خفافا، يغسلونَ الأرضَ بالكافورِ،
أو بدءَ من جاءوا إلى الحمرا البليلةِ بالشظايا.

2

بيروتُ، بيروتُ، يا بيروت..
يصحو نداؤكِ كالسؤالِ، يُبادلُ الهذيانَ بالحمّى، وماءِ النار،
يُشاطرك العطالةَ والغناء،
يصحو التناقضُ عنده، إذ لا مجازَ يُدثّرُ الفكرةَ،
ولا البلاغةَ ترتدي ثوبَ الفقيه، ورِقّة الصوفي..
هي بعضُ أسئلةِ الموتِ السريع، موتِ القطا، والقبلةِ الأولى..
من أوهمَ القاتلَ بالصحوِ القديم؟
من علّقَ البارودَ والتيزابَ والنتراتَ والسي فور فوق الماء؟
من قايضَ المقهى بعاقرةِ الغيابِ؟
من؟ من؟ من؟
أسئلةٌ متروكةٌ مثلَ الفراغِ،
لها طعمُ الأكاذيب/ الوصايا والرمادُ،
تمحو الممراتِ الصغيرةَ، والأراجيلَ وضحكةَ الأنثى،
وتمشي مثل مجنونٍ يدغدهُ العنادُ..
شهقتْ بليلِ النارِ حدَّ نزيفها،
وتوضأتْ بالجمرِ،
دون جراحها، قد تُستفّزُ وقد تُعادُ..

3

بيروت
بيروت
«امرأة تولد في تابوت»٭٭
تُعلّق الأسماءَ والوجوهَ والحكايا،
تؤجّر التاريخَ للمغنّي، والمرفأَ للقراصنة،
والبيت للصوص.
تنام دون قبلة المساء، ترشّ ليلها بالتعاويذ،
تسهو عن قميصَ يوسف، وأصابعِ زليخا،
وخطيئةِ العزيز..
يا الهي، هكذا أخبرني أولاد أحمد**
أحتاج إلى تمردٍ للتحولِ، وأسئلةٍ للقلق،
ومغفرةٍ للأخطاء،
لا أريد أنْ أذهبَ وحيدةً للجحيم،
فالنارُ يصنعُها الآخرون، الآخرون الجحيم كما قال سارتر،
لكني سأذهبُ وحيدةً للحبِ،
إذ أتوهجُ، وأشفُّ، وأسكرُ، وأشتعلُ
دون نتراتِ الأمنيوم.
يا إلهي
أنا مدينةٌ فينيقيةٌ قديمة، بادلها التجار والقراصنة بالبحر،
لكنها بادلتهم بالريح، والأغاني والفيروز والبياض..

٭ كاتب عراقي
٭٭ بلند الحيدري ـ شاعر تونسي راحل

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!