بدأ القضاة التونسيون إضرابا عاما في المحاكم التونسية كافة اليوم الاثنين ولمدة أسبوع قابل للتجديد، احتجاجا على قرار الرئيس قيس سعيد عزل 57 قاضيا، في وقت دعت فيه قوى سياسية مختلفة لحوار وطني جامع وإسقاط مشروع الاستفتاء على دستور جديد.
وكان القضاة أقروا في جلسة طارئة للمجلس الوطني لجمعية القضاة سلسلة من التحركات، من بينها عدم استبدال القضاة المعزولين، بالإضافة إلى عدم الترشح إلى عضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، ودعوة القضاة إلى الدخول في اعتصامات مفتوحة بكل مقرات الهياكل القضائية.
وشارك في اتخاذ قرار الإضراب كل الهياكل النقابية القضائية من نقابة وجمعية وقضاة شبان وقضاة إداريين، علما بأن قرار الإضراب استثنى الأذون بالدفن وقضايا الإرهاب الشديدة.
وقال رئيس الجمعية أنس الحمادي إن من يظن أنه قادر على الاستئثار بالسلطة التنفيذية والقضائية وإهانة القضاة واهم، وإنهم لن يتركوا المجال للسلطة التنفيذية لتلعب على الانشقاقات الداخلية.
من جهتها، دعت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية بتونس المحامين وموظفي المحاكم إلى إنجاح إضراب القضاة. وقالت إنها تساند القضاة في معركتهم المفصلية من أجل الاستقلال.
كما أعربت أحزاب سياسية وتنظيمات وهيئات مدنية تونسية عن رفضها وإدانتها قرارات العزل، متهمين الرئيس سعيد بمحاولة وضع يده على السلطة القضائية وتوظيفها سياسيا.
حوار جامع
وفي سياق متصل، دعا رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تنبثق من حوار وطني جامع، وذلك ضمن تحركات تهدف إلى الدفاع عن الديمقراطية في مواجهة حكم الفرد الواحد.
وأكد الشابي -خلال اجتماع في ولاية قفصة- أن الهدف هو إسقاط الاستفتاء، ورأى أنه ابتزاز للإرادة التونسية ويقوم على تمزيق أول دستور صاغه نواب منتخبون.
في الأثناء، حذر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من حالة استبداد غير مسبوقة قد تقود البلاد إلى الإفلاس أو إلى حرب أهلية، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
وأكد الغنوشي -خلال مؤتمر صحفي- أن الحركة ستواصل مع شركائها “إسقاط الانقلاب” وما ترتب عليه من مراسيم مثلت “انقلابا على الدستور”، وفق تعبيره.
وشدد على أن البلاد تحتاج إلى الحوار بين مختلف الأحزاب السياسية بمشاركة قيس سعيد أو من دونه.
تزامن ذلك مع تواصل جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد وانطلقت أولى جلساته السبت الماضي، تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور جديد يوم 25 يوليو/تموز المقبل، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد.
ويشارك في جلسة الحوار الأولى ممثلون عن منظمات غير حكومية، و4 أحزاب (حركة الشعب، والتيار الشعبي، وتونس إلى الأمام، وحركة النضال الوطني).
في حين رفض الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية تونسية) المشاركة في الحوار بصيغته الحالية، وقاطعته أحزاب أخرى، منها المسار، وآفاق تونس، وحركة النهضة، وقلب تونس، والتيار الديمقراطي، والوطنيين الديمقراطيين الموحد.
في السياق نفسه جدد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل حفيظ حفيظ دعوة المنظمة للشروع في حوار شامل وحقيقي دون قرارات مسبقة، من أجل ترسيخ دعائم الحريات وتطوير المؤسسات الديمقراطية وتكريس مبدأ فصل السلطات وتوازنها والتوافق حول عقد اجتماعي وتنموي جديد.
وقال حفيظ -في كلمة ألقاها في مؤتمر منظمة العمل الدولية بجنيف- إن تونس تمر بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية ومؤسساتية، قال إنها تهدد جديا المكاسب الديمقراطية التي حققها الشعب التونسي.
وأرجع حفيظ تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى عجز النخب التي تولت حكم تونس من بعد الثورة على تطوير المؤسسات الديمقراطية ما أدى إلى تعطل لغة الحوار في البلاد.
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، إذ فرض سعيد إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
وتقول قوى تونسية إن هذه الإجراءات تمثل “انقلابا على الدستور” وتستهدف تجميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بيد الرئيس.
في حين ترى قوى أخرى أن تلك الإجراءات تهدف إلى “تصحيح مسار ثورة 2011″، التي أطاحت آنذاك بالرئيس زين العابدين بن علي.
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، تعاني تونس صعوبات اقتصادية خطيرة، أبرزها التضخم المتسارع والبطالة المرتفعة. وتحاول البلاد المثقلة بالديون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي لا يقل قدره عن 4 مليارات دولار.