مثل
العقل المدبر المفترض لاعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر خالد شيخ محمد وأربعة متهمين آخرين
أمام القضاء للمرة الأولى منذ أكثر من 18 شهرا، فيما يسعى المدعون العسكريون الأمريكيون
لتحقيق العدالة بعد عقدين من الهجمات التي هزت العالم.
وفي
إجراء يعكس التحديات الماثلة بعد تسع سنوات من جلسات الاستماع السابقة للمحاكمة، قام
القاضي الجديد الكولونيل في سلاح الجو ماثيو ماكول بتأجيل الجلسة بعد ساعتين ونصف الساعة
فقط من بدئها بسبب مسائل إجرائية متعلقة بتعيينه.
ومن
المتوقع أن تُستأنف الأربعاء، رغم أن المرافعات حول قضايا الأدلة الجوهرية قد لا تستأنف
حتى الأسبوع المقبل.
ووقف
محمد -ذو اللحية الحمراء والرمادية الكثة- في وقت سابق الثلاثاء في قاعة المحكمة
بالقاعدة البحرية الأمريكية في خليج غوانتانامو في كوبا، حيث استؤنفت المحاكمة الممتدة
منذ تسع سنوات بعد توقف طويل نتيجة كوفيد-19.
وامتلأت قاعة المحكمة العسكرية بالمدعين العامين والمترجمين
وخمسة فرق دفاع عن محمد والمتآمرين المزعومين عمار البلوشي ووليد بن عطاش ورمزي بن
الشيبة ومصطفى الهوساوي.
في الشرفة
العامة، خلف زجاج سميك، حضر أفراد من عائلات الـ2,976 شخصا الذين قتلوا قبل 20 عاما
تقريبا.
ويواجه
المتهمون عقوبة الإعدام إذا ثبتت إدانتهم.
لكن
مرحلة ما قبل المحاكمة الآن في عامها التاسع ومن أسباب تعثرها الرئيسية تعرض المتهمين
الخمسة للتعذيب بشكل متكرر من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بعد القبض عليهم.
وكان
الرئيس جو بايدن قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو،
لكن قد يمر أكثر من عام قبل بدء محاكمة كاملة، ناهيك عن التوصل إلى حكم.
سترات
مموهة
دخل
المتهمون واحدا تلو آخر مع مرافقيهم العسكريين، وجلس كل منهم إلى طاولة مع فريق الدفاع
عنه. وارتدى محمد عمامة زرقاء وكمامة متناسقة أزالها ليكشف لحية طويلة، وتجاذب أطراف
الحديث مع ابن عطاش بينما كان يتصفح كومة من الوثائق. أما ابن عطاش الذي يُزعم أنه ساعد
في التخطيط لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، فارتدى كوفية وردية وسترة عسكرية مموهة، وكان يمشي
ببطء مع طرف صناعي في ساقه التي فقدها خلال معركة في أفغانستان عام 1996. وارتدى
ابن الشيبة، وهو عضو في “خلية هامبورغ” للخاطفين، ملابس مموهة صحراوية فوق
سروال قطني أبيض في استذكار على ما يبدو لماضيه كجهادي في القاعدة.
وكشف
البلوشي، المعروف أيضا باسم علي عبد العزيز علي، عن لحية سوداء قصيرة تحت كمامته كما
أنه ارتدى قبعة تقليدية من مسقط رأسه بلوشستان إلى جانب سترة تقليدية فوق عباءة بيضاء.
وهو متهم بالقيام بتحويلات مالية ضمن المؤامرة.
ودخل
المتهم الخامس الهوساوي الذي عمل مع البلوشي، مرتديا عباءة سعودية تقليدية، حاملا وسادة
وضعها على كرسي المستشفى المخصص له بسبب تلف في فتحة الشرج يقول محاموه إنه نتيجة الاستجوابات
التعسفية من قبل وكالة المخابرات المركزية.
قاض
ثامن
وافتتح ماكول، وهو ثامن قاض يترأس الجلسات، بسؤال
المتهمين عن ما إذا كانوا يفهمون المبادئ التوجيهية لجلسة الاستماع.
أجاب
كل منهم بـ”نعم”، بعضهم باللغة الإنكليزية والبعض الآخر بلغاتهم الأم.
ثم انطلق
بعد ذلك في مناقشة بروتوكولات الوقاية كوفيد-19، بعد التأخير الطويل في الجلسات الذي
فرضه الوباء.
وقد
ثبت في الأسابيع الأخيرة إصابة العديد من الأشخاص الذين انضموا إلى جلسات استماع في
قضايا أخرى في غوانتانامو بالفيروس، رغم الشروط الصارمة للتطعيم ووضع الكمامات.
وقال
ماكول وهو يرفع كمامته للتحدث، إنه يجب على الجميع أن يضعوا الكمامة ما لم يكونوا بصدد
مخاطبة المحكمة.
وأعرب
محامو الدفاع عن حرصهم على الاستمرار من حيث توقفوا في شباط/ فبراير 2019، في مسعاهم
لاستبعاد الجزء الأكبر من أدلة الادعاء بسبب التعذيب الذي تعرض له المتهمون الخمسة
أثناء وجودهم في أيدي وكالة الاستخبارات المركزية بين عامي 2002 و2006.
وبدأ
استئناف المحاكمة ببطء، إذ ركز اليوم الأول على إجراء خاص بالمحاكم العسكرية، وهو تقييم
لخلفية القاضي نفسه للتحقيق في احتمال تحيزه. وهذا الإجراء حساس لأن القاضي والمدعين
والعديد من محامي الدفاع جزء من السلك القانوني في البنتاغون.
هكذا
أفلت شيخ محمد في التسعينيات من الأف بي آي
ركزت
“بي بي سي” في تقرير لها بمناسبة استئناف المحاكمة على العميل الخاص
فرانك بيليغرينو الذي كان يطارد شيخ محمد منذ التسعينيات وقبل أن يصبح بطل هجمات
11 أيلول/ سبتمبر.
وقبل
سنوات من هجوم 11 أيلول/ سبتمبر، كان عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي، فرانك بيليغرينو،
يتعقب خالد شيخ محمد بتكليف من مكتب التحقيقات الفيدرالي للتحقيق في تفجير مركز التجارة
العالمي في عام 1993.
وكان
تحويل شيخ محمد الأموال إلى أحد الضالعين في الهجوم، نقطة البداية التي لفتت انتباه
السلطات الأمريكية لأول مرة إلى اسمه.
أدرك
عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي حجم طموح شيخ محمد في عام 1995، عندما ارتبط اسمه بمؤامرة
لتفجير عدة طائرات ركاب دولية فوق المحيط الهادي.
وفي
منتصف التسعينيات، اقترب بيليغرينو من الإيقاع به إذ تعقبه إلى قطر.
سافر
هو وفريق كامل إلى عُمان، حيث إنهم خططوا للعبور منها إلى قطر واعتقاله.
كانت
الطائرة جاهزة لإعادة المشتبه به، لكن الدبلوماسيين الأمريكيين الموجودين هناك عاندوا
ولم يتخذوا إجراءات سريعة.
ذهب
بيليغرينو إلى قطر، وأخبر السفير ومسؤولين آخرين في السفارة بأن لديه لائحة اتهام ضد
شيخ محمد بسبب مؤامرة تتعلق بطائرات ركاب، لكنه يقول إنهم بدوا حذرين جداً تحسباً لإثارة
المشاكل في البلاد.
ويتذكر
بيليغرينو: “أظن أنهم اعتقدوا أن فعلا كهذا قد يخلق متاعب مع حكومة البلاد ويزعجهم”.
وفي
نهاية المطاف، أبلغ السفير بيليغرينو، بأن المسؤولين القطريين زعموا أنهم فقدوا مسار
محمد.
يقول:
“كان ثمة قلق وغضب وإحباط، كنا نعلم حينها أننا أضعنا الفرصة من بين أيدينا”.
لكنه
يقر بأنه في منتصف التسعينيات، لم يكن يُنظر إلى محمد على أنه هدف يحظى بأولوية كبيرة.
لم يتمكن بيليغرينو حتى من إدراجه في قائمة أكثر عشرة أشخاص مطلوبين في أمريكا.
“قيل
لي إن هناك الكثير من الإرهابيين هناك بالفعل”.
ويبدو
أن محمد تلقى بلاغاً بشأن اهتمام الولايات المتحدة به، ففر من قطر، وانتهى به المطاف
في أفغانستان.
يقول
بيليغرينو: “عندما اكتشفنا أنه هو من كان فعلياً وراء اعتداءات 11 سبتمبر، لم
يكن هناك من هو أكثر تعاسة مني”.