على الرغم من أنَّ هذا الأمر قد يبدو بسيطاً نظريَّاً، إلا أنَّه من الهام ملاحظة الحالة مزاجية الناس تجاه التعلم. بالنسبة إلى عديدٍ من الأشخاص، لقد مضَت سنواتٍ عدَّة منذ آخر مرة أمسكوا فيها كتاباً غير الكتب المدرسية. وليس أمراً مفاجئاً أن يتوقف معظم الناس عن التعلم بجديَّة بعد الانتهاء من الجامعة أو الكليَّة.
من الجيد التركيز على التعلم من جديد؛ لأنَّه بمجرد التعمق في ماهيَّة التعلم، سندرك أنَّ التعلم المدرسي لم يكن الأمثل.
يمكِن أن يكون التعلم الذاتي أداةً جيدة لمساعدتك على مواصلة التعلم طوال الحياة. لذلك، سنناقش في هذا المقال ما يعنيه التعلم الذاتي ونذكُر بعض النصائح لمساعدتك.
تعريف التعلم الذاتي؟
التعلم الذاتي هو في جوهره أن يتولى المرء مسؤولية التعلم بنفسه، وأن يستخدمه وسيلةً للتطور، فهو أسلوبٌ يختلف اختلافاً جذرياً عما يُدرَّس في معظم المدارس. بمعنىً آخر، هو أسلوب فعال جداً يمكِن لأي شخص استخدامه، وسيكون من الجيد استخدامه في البيئة المدرسية.
في الواقع، توجد مدرسة واحدة في الولايات المتحدة يمكِن أن تَشهد على ذلك نظريَّاً وعمليَّاً، وهي مدرسة بريسبان المستقلة (Brisbane Independent School). نظراً لأنَّها لم تكن مقيَّدة بالمناهج الفيدرالية، والتي يمكِن أن نقول عنها ضعيفةً في أفضل الحالات، فأمكنها اعتماد هذا الشكل من أشكال التعلم.
وقد كانت عضوة الكونغرس الأمريكي “جينيفر هاينز” (Jennifer Haynes) هي السبب وراء استخدام هذا النوع من التعلم، والتي بدأت التدريس في مدرسة بريسبان في التسعينيات. ومن هنا تطوَّر التعليم الذاتي ليصبح منهجاً يركِّز على 7 خصائص هي:
- المرح.
- الاستقلالية.
- تقييم الاستيعاب الداخلي.
- تَقبُّل التجربة.
- التحفيز الذاتي.
- تقبُّل الذات.
- المرونة.
انطلاقاً من هذه الخصائص، عبَّرت هاينز عمَّا لاحظَته قائلةً: “تُدرَج هذه الخصائص في مناهجنا ويجري متابعة كل طالبٍ في سلسلة متواصلة من التطور والنمو. إنَّه لأمر جيد أن نرى كيف يمكِن للطالب أن ينتقل من حاجته إلى مدرِّس يساعده في تحديد فكرة لمشروعٍ ما إلى تطوير خطة مشروعٍ وتنفيذها وحده في سنواته الأخيرة؛ إنَّهم يتعلمون كم من الرائع تطوير فكرتك الخاصة، والأهم من ذلك طريقة إنجاز المَهمَّة دون أن تَخضع لمراقبة أحد في أثناء إنجازها”.
خصائص المتعلم الذاتي:
يمنح الطلاب في مدرسة بريسبان نظرةً شاملة على بعض خصائص المتعلم الذاتي. ويمكننا استكشاف المزيد، لاسيَّما عندما نفكِّر في الأساليب المذكورة أعلاه كطرائق لتحسين أسلوب التعلم الذاتي.
نتيجة هذه الأساليب، نشأت عديدٌ من البحوث في مجال التعليم على مر السنين والتي تُظهر جميع أنواع الآثار الجانبية الإيجابية لهذا النوع من التعلم، بما في ذلك تعليم الكبار.
أولاً، يشمل التعلم الذاتي تولِّي الأشخاص زمام المبادرة في عملية التعلم، ثم مواصلتها. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنَّه عند حدوث مثل هذا الأمر، يُظهِر الناس عزمهم ومثابرتهم، ويعملون على تحسين دوافعهم الذاتية ونزاهتهم.
ثانياً، يَشعر الطلاب بمزيدٍ من القوة والسلطة من خلال التعلم الذاتي. فنتيجة اعتماد التعلم على الإنترنت، يمكننا أن نرى هذا الأمر كشكلٍ من أشكال التعلم الذاتي. ومع ذلك، تحتاج إلى التعلم بسرعة عندما يتعلق الأمر بالدورات التدريبية عبر الإنترنت والتعلم القائم على حل المشكلات.
ثالثاً، يطوِّر الأشخاص الذين يعتمدون على التعلم الذاتي مهارات مفيدة أخرى؛ حيث سيتمكَّنون من صياغة أهداف التعلم وتحديد دوافعهم الداخلية بسهولةٍ أكبر. ومع ذلك، يمكِن تطبيق هذه الأنواع من المهارات على مجالات أخرى خارج مجال التعلم.
على سبيل المثال، نحتاج جميعاً إلى تحديد الأهداف إذا أردنا أن نتطور ونثري أعمالنا وحياتنا المهنية؛ ممَّا يعني تعلُّم طريقة تحديد أهدافٍ مفيدة نتحمس لتحقيقها أكثر من تحديد هدفٍ لا نهتم لأمره.
نقدِّم لك فيما يلي بعض الخصائص الأخرى للمتعلمين الذاتيين:
1. شديدو الحرص على ممارسة التأمل:
يتطلب الأمر كثيراً لمعرفة اهتماماتك وطريقة تحفيز نفسك. ونتيجةً لذلك، يقضي كثيرٌ من المتعلمين الذاتيين وقتاً في التقييم والتفكير.
2. فعَّالون:
نتيجةَ الانتقال من التعلم الفعال إلى التحفيز الفعال، يصبح هؤلاء الأفراد أكثر فاعلية في تعلُّمهم.
3. أشخاص داعمون:
يحظى التعاون والعمل الجماعي بتقدير المتعلمين الذاتيين. يعلِّمك هذا الأمر طلب المساعدة والتوجيه وتقديم المساعدة عند الحاجة، مما يعني تحقيق التفاعل بين الفريق نتيجة ذلك.
4. امتلاك شعور أكبر بالمسؤولية:
في التعلم الذاتي، يتولى الأشخاص زمام المبادرة ويقررون الوقت المناسب وطريقة ونوع التعليم الذي سيتلقُّونه. يُعدُّ هذا الشعور بالمسؤولية أمراً هاماً لاسيَّما في القرن الحادي والعشرين، حيث يبدو أنَّ التعليم قد توقَّف عن التطور والتقدم.
5. فضوليون:
تُشجعنا طريقة التعليم الذاتي على معرفة سبب أي شيء والتوقف عن استخدام عبارة “لا أعرف” كإجابة. وبالتالي، نتعلم طرح الأسئلة الأكثر أهمية وتأثيراً والتي تحفز النقاش والاكتشاف والتعلم.
الأمر الرائع في التعلم الذاتي هو أنَّه يمكننا اتِّباعه في حياتنا.
طريقة تطوير التعلم الذاتي:
لا يُعدُّ تطوير هذه الاستراتيجية أمراً صعباً. بالنسبة إلى معظم الناس، من الضروري تقديمها بشكلٍ صريح، ولكن ستساعدك الطرائق التالية في تطوير وتعلُّم هذه الاستراتيجية.
1. تحديد أهداف التعلم:
لا يمكِنك أبداً تحقيق أي هدف إذا لم يكن لديك تصوُّرٌ يحدِّد شكله. لذا، حدِّد ما الذي تريد تعلُّمه أولاً، وضع أهدافاً تعليمية محدَّدة بحيث يمكنك قياسها مع مرور الوقت.
2. معرفة سبب أهمية التعليم الذاتي:
لا تعتد على قبول أي أمر كما يبدو دون التفكير فيه. كن فضولياً واسأل أسئلة تجعلك تهتم بمعرفة إجابتها، وحاوِل التعمق في تلك الإجابات من خلال طرح بعض الأسئلة الأخرى مثل “لماذا” و”كيف”، وابحث عن الإجابات.
3. البحث عن التحديات:
رغم أنَّ التحديات قد تكون غير مريحة في البداية، إلا أنَّها ممتعةٌ ومفيدة. ابحث عن تحدٍّ يتعلق بمشكلة يهمُّك حلها، وسيكون من المفيد التغلب على هذا التحدي مما سيدفعك لمواصلة التعلم.
على سبيل المثال، إذا كنتَ ترغب في تعلُّم لغة جديدة، تحدَّ نفسك بقراءة كتابٍ واحد بهذه اللغة كل شهر ولاحِظ كيف سيصبح الأمر سهلاً مع مرور الوقت.
4. التحقق من عملية التعلم الخاصة بك:
يصبح التعلم أفضل عندما تحدِّد معايير التعلم الخاصة بك. بغضِّ النظر عن الدرجات، قيِّم تقدُّمك في مقابل أهداف التعلم الشخصية. يجب عليك التوصل إلى طريقةٍ مفيدة لتقييم ما تعلَّمتَه.
5. فهم نهج التعلم الخاص بك:
يوجد كثيرٌ من الموارد لمساعدتك في تحديد أساليب التعلم، ولكن هل تعرف ما هو الأسلوب الذي يناسبك؟
خذ وقتَك في التفكير بشكلِ منهج التعلم الخاص بك وغَيِّرهُ من وقتٍ لآخر في أثناء المشاركة في أسلوب التعلم الذاتي. يُعدُّ معظم الأشخاص متمكِّنين في عديدٍ من أساليب التعلم، ويمكِنهم غالباً تطوير الأساليب التي يشعرون بأنَّهم ضعيفون فيها. جرِّب لتعرف الأسلوب الذي سينجح معك على الأمد الطويل.
6. كشف كافة الأمور المتعلقة بالموضوع الذي تتعلمه:
تعرَّف على الموضوع الذي تتعلَّمه من خلال التحقق من كافة الأمور المتعلِّقة به. اقرأ المقالات التي تجدها ممتعةً، أو شاهِد محادثات تيد (TED) المتعلِّقة بالموضوعات الموجودة في قائمة تعلُّمك.
7. غرس فكرة الدافع الذاتي:
يُعرَّف الدافع الذاتي بأنَّه الدافع الذي تحركه الحوافز الداخلية. قد يبدو مفهوماً بسيطاً، لكنَّ كثيراً من الناس يواجهون صعوبةً في التعامل معه. ولحسن الحظ، يمكِن تعلُّمه وأحد أشكاله هو مشاركة ما تعلَّمتَه مع الآخرين.
حاوِل ألَّا تقسو على نفسك إذا كنتَ تبحث عن تطوير الدافع الذاتي. سيمنعك كثرة النقد الذاتي من مواصلة رحلة التعلم الخاصة بك. حاوِل أن تبقى إيجابياً قدر الإمكان وتزيد من الامتنان والتقدير لكل الجهود التي تبذلها من أجل تعليمك.
8. الاستفادة ممَّا تعلَّمتَه:
حاوِل أن تستفيد مما تعلَّمتَه، فهذا الأمر لا يساعدك في ترسيخ ما تعلَّمتَه فحسب؛ وإنَّما يمنحك شيئاً تتطلع إليه دائماً.
9. الاستفادة من الوقت:
قد ننشغل أحياناً ولا نجد الوقت الكافي للتعلم، لكنَّ ضيق الوقت هذا هو سببٌ كافٍ للاستفادة من الوقت الذي نملكه بالفعل.
يمكنك أخذ استراحة غداء لمدة ثلاثين دقيقة لتناول طعامك ومتابعة الدورة التعليمية، أو إذا ذهبتَ إلى صالة الألعاب الرياضية، فاستمِع إلى المدوَّنات الصوتية أو إلى كتابٍ صوتي في أثناء الجري على جهاز المشي.
10. وضع قائمةً بالمواضيع التي تريد أن تتعلمها:
فكِّر في قائمة الموضوعات التي تريد التعرف عليها بحيث تحوي عديداً من الأمور. يمكِن أن تكون مواضيع عامة أو محدودة، ويمكن أن تساعدك هذه القوائم في تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها.
11. الاهتمام بالتقدم أكثر من الأداء:
نحن لا نتوقف عن التعلم بالفعل؛ حيث يوجد دائماً بعض المعلومات أو وجهات النظر التي نتعرف إليها كل يوم. ومع ذلك، عندما تريد التعلم بشكلٍ فعَّال، حاوِل في أثناء التعلم التركيز على التحفيز أكثر من التركيز على الأداء الفعلي.
12. وضع أهدافٍ واقعية:
يُبنى التعلم الذاتي على نظامٍ نضعه نحن، وللتأكد من أنَّ النظام جيد، يجب أن تحرص على أن يكون كل شيءٍ ضمن الحدود التي وضعتَها؛ فآخر شيء تريده هو الشعور بالإحباط من التعلم.
حاوِل أن تبدأ بأمرٍ صغير واعمل وفق طريقتك الخاصة. على سبيل المثال، إذا كنتَ تريد معرفة طريقة البرمجة، فلا تتوقع أن تتمكَّن من إنشاء موقع ويب يعمل بصورةٍ كاملة خلال شهر. بدلاً من ذلك يمكِنك البدء بأمورٍ بسيطة كهدف أقرب للواقعية.
13. إنشاء مجموعة تتضمن زملاء في التعلم:
حاوِل أن تمتلك مجموعة من الأشخاص بحيث يمكنك التعاون والتواصل معهم. ستدفعك هذه المجموعة من الأشخاص إلى معرفة مزيدٍ من المعلومات وقد تساعدك عندما تريد التحدث عمَّا تعلَّمتَه، والأفضل من هذا كله، يمكن أن تتواصل مع هذه المجموعة إمَّا عبر الإنترنت أو بعيداً عنه.
أفكار أخيرة:
يُعدُّ التعلم الذاتي أساس الحصول على تجربةٍ تعليمية أكثر ثراءً. وعلى الرغم من أنَّ رغبة الناس في التعلم بدأَت تتناقص، إلا أنَّ ذلك يرتبط بأساليب التعليم القديمة وغير الفعالة، والتي لا تُشجع على التعلم بعمق ولا تدعم الطلاب لتحديد أهداف تعليمية يهتمون بها.
يُعدُّ التعلم الذاتي هاماً؛ لأنَّه يعلِّم الناس أن يكونوا أكثر استقلالية ومسؤولية؛ حيث يساعدهم على تطوير المهارات اللازمة لتحقيق التحفيز الداخلي والاكتفاء الذاتي، وطرح أسئلة مفيدة ومؤثِّرة، وغيرها.
في ظل الوضع الحالي، يُعدُّ الوقت الآن هو أفضل وقتٍ للبدء في التعلم الذاتي والوقوع في حب التعلم مرة أخرى.
المصدر