تمرد الابناء هل هو بداية لبناء شخصيتهم؟

Share your love

 

بين كل اب وابن هناك حوار سري , يقول فيه الاب للابن : ( لابد ان اختلف عنك . لابد ان تكون لي شخصيتي المستقلة , لابد ان يكون لي رأي يختلف عن رأيك ).
ويقول الاب للابن : ( لابد ان تتفوق على انجازاتي . اريدك ان تكون افضل مني ).
ويرد الابن : ( لا داعي لان تجرني الى منافستك. لن اكون كما تريد , ولن احقق لك احلامك المكسورة . سأكون شخصية مختلفة عنك في كل شئ ).
ونفس مضمون الحوار بين الام وابنتها . تقول الابنة : ( لم يعد الزمن زمنك . لقد راحت عليك . اصبحت انا الانثى الجميلة المتفوقة . سأكون مختلفة عنك في كل شئ . ولن افقدك ابدا ) .
وتقول الام : ( لابد لك ان تتفوقي في حياتك , لابد ان تكون حياتك افضل من حياتي ).
فترد الابنة : ( انا اسفة . ان حياتك كلها لا تعجبني , لن احاول تقليدك ابدا , سأخرج بقطار عمري عن القضبان التي سار عليها قطار عمرك ).
وهذا الحوار لا يجور بالكلمات , ولكن بالساوك وفيه يلحظ الاب وتلحظ الام علامات تمرد المراهق او المراهقة.
قد يبدا التمرد والاختلاف من اصرار المراهق ان تكون وسيلة الترفيه عن نفسه مختلفة , فأذا كان الاب يحب سماع عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وام كلثوم وفرانك يسناترا وأديث بياف , فأن الابن يفضل ان يسمع فرقة الـ ( آبا ) و ( علي حميدة ) و ( مايكل جاكسون ).
قد يفضل الاب رؤية لوحة ( رامبرانت ) , لكن الابن لن يفضل حتى ( بيكاسو ) لو كان الاب يفضله , وقد يؤيد الاب حزبا سياسيا معينا او شخصية تاريخية لها بطولة ما , لكن الابن سيبحث عن نقائص هذا الحزب او نقائص تلك الشخصية السياسية , وسيعلن انه يسير في الخط المضاد.
ومن السهل جدا ان يظهر هذا التمرد في اختيار المجال الدراسي , فأذا كان الاب قد درس الطب فأن الابن سيحاول الا يدرسه في البداية , وقد يعلن عن هذا التمرد ظاهريا , وقد يرى انه من المناسب له دراسة الطب واختيار تخصص آخر غير تخصص الاب . ومثل ذلك يحدث بين الام وابنتها.
مثل هذه الالوان من التمرد لا تنفي ان المراهق يحترم والده لمميزات يراها جديرة بالفخر , وتحترم المراهقة والدتها لاسباب تراها جديرة بالأحترام , وبجانب ذلك يرى المراهق في سلوك الوالد ما يزعجه ويثيره.
ان الاب في نظر الابن يملك الكثير ويسيطر على الكثير . ان ملابس الاب قد تثير المراهق فيرى ان والده يرتدي افخر الملابس , لكن هذا الوالد يقول لابنه : ( لن اشتري لك السترة الجلدية الغالية لانك في عمر النمو وما يصلح لك هذا العام لن يناسب جسدك في العام القادم ) . وقد تقول الام لابنتها : ( من المستحسن ان تاخذي حذائي القديم لانه يتناسب معك ) . هنا تثور ثائرة الابنة : ( لماذا يفضل الاب الكبار انفسهم على من هم اصغر منهم ؟ ) . وقد يظهر التمرد في شكل آخر , فعندما يكتشف الابن ان سلطة والده تشمل كل من في المنزل , فأنه يتساءل : لماذا يسيطر ابي بهذا الشكل ؟.
وعندما ترى الابنة ان سلوك امها ملئ بالاحتشام فقد تقول : ( لماذا تتصرف امي على هذا النحو من التخلف ؟ ).
ويزداد التمرد في حالة السيطرة المباغ فيها من الام او الاب.
وهذا التمرد هو في الحقيقة استكمال لرحلة المنافسة التي بدأت بين الابن وابيه منذ ان كان في الرابعة او الخامسة او السادسة , وكذلك الحال بالنسبة للفتاة .
ان الابن يستأ،ف التمرد لانه صار ناضج الحجم فقط , ويخيل اليه انه صار ناضج الخبرة ايضا . انه يحاول التدخل في كل صغيرة وكبيرة , انه يبدي الرأي في ديكور المنزل و وهو يريد ان تصبح حجرته الخاصة في المنزل – ان كان له حجرة خاصة – افضل من حجرات زملائه واقرانه في منازلهم .
والفتاة تبحث عن نواحي النقص في ادارة الام للبيت وتستكملها , انها تنظر – على سبيل المثال – الى قوائم الطعام الموجودة بالمجلات وتحاول ان تقوم بأعدادها وتصر على ان يبدأ طعام الافططار في ميعاد محدد وان ترتب المائدة وكأنها افضل مائدة في العالم , وقد تلتفت الى الحمام لتنظفه تماما , وقد يحصر الابن نفسه في ترتيب غرفته وكذلك الفتاة .
انك كشاب تحت العشرين تعرف انك صرت في تمام الرجولة او ادنى من تمامالرجولة قليلا , وسيكون لك عملك الخاص , وستستطيع ان تتزوج وأن تكون منزلك الخاص , ويزعجك ان يعتبرك والدك ووالدتك ومجتمعك مجرد كائن صغير السن .
وانت كفتاة تحت العشرين عندما يسألك احد عن سنك فأنك تزيدين من عمرك سنة , لانك ترغبين في ان تكوني اكبر عمرا , وترين ان دورك قد اتى لتكوني تلك الشابة الجميلة التي تجذب عيون الجنس الآخر , وسيأتي من يدق باب قلبك ليسألك ان تكوني له زوجة , وسيكون عندك اطفال وهذا الاحساس يعطيك الدافع لان تسلكي بطريقة تشعر معها والدتك انك تدفعينها جانبا . وقد لا تفعلين ذلك الا في لحظات الغضب .
وفي المجتمعات الريفية تجد الابن يقول لابيه : ( لقد نعبت , دعني اقم بالعمل في الحقل وحدي ) . وقد تقول الابنة لامها : ( لقد تعبت طوال الايام والسنوات , دعيني اقوم بأعمال البيت ) .
يحدث ذلك في مجتمعاتنا الريفية , بينما يحدث في المجتمعات الامريكية امر مختلف فعندما لا يستريح الابن المراهق للهجة والده المسيطرة , فهو يخرج من البيت , وكذلك تفعل الفتاة , وفي النهاية يحاول الشاب الامريكي ان يستمر في التحدي وان يواصل حياته الى ان يتقن عمله ويصبح له دخله الخاص بعد الكثير من تجارب الفشل . وتواصل الابنة الفتاة رحلة التحدي , وتبني حياتها الخاصة.
وآباء وامهات هذه الايام يحاولون بكل الطرق ان يكونوا اقل سطوة وسيطرة على جيل الشباب , ان الاب في هذا الزمان يحاول ان يكون متعقلا في اوامره للابن . والاب والام يمارسان في عصرنا الكثير من الكرم في قيادة البنت او الابن , ان احساس الآباء والامهات بتشجيع الابناء صار مرهفا في هذا الزمان , وكل منهم يحاول ان يكتم شعوره بنفاذ الصبر , والآباء والامهات يحاولون كتمان صرخات الرفض لبعض من تصرفات الابناء , ويحدث كل ذلك في محاولة من الاباء والامهات من اجل تدريب الابناء على تعلم قواعد السلوك المهذب . والابناء يحاولون الامتثال رغم بعض مظاهر الغضب والتذمر , وليس حقيقيا ما نقرؤه عن انحراف كل الجيل الجديد , لان الانحراف جيل بأكمله مسألة مستحيلة . وكل ما يحدث ان وسائل الاعلام تضخم في انحرافات نفر قليل من الاجيال الشابة . اننا لا نرى الابناء يضربون الآباء , ولا نرى الابناء يهينؤن الآباء.
ان اهانة الصغار للكبار امر لا يحدث الا نادرا , وتقوم له الدنيا وتقعد.
وفي بعض الاحيان يأخذ تمرد الابناء شكلا اخر , هذا الشكل يثير انزعاج الام تماما , فهي تجد ابنها اثناء مراهقته كثير النقد لها.
ان الابن يحول ثورته ضد الاب لتصبح نقدا للام في مظهرها وسلوكها , وتراه يتفجر بالغضب عندما تذكره امه بضرورة القيام بواجباته الناقصة , وهناك شكل اخر لثورة الابناء ضد الآباء : انه عقاب الابناء للآباء بالفشل الدراسي . ان الاسرة تفاجأ بأن ابنها المراهق يفشل في الدراسة رغم انه قد نجح في السنوات السابقة بتفوق , ويكون الفشل الدراسي نتيجة لاهمال الابن لمسؤولياته الدراسية او لذهابه الى الامتحان دون ان يقرأ المادة التي يجب ان يؤديها في الامتحان , وتفاجا الاسرة بأن الابن صار كثير الجدل في الحصة الدراسية مما يجعل المدرسين يضجون بالشكوى منه , ويرفض ان ينفذ اوامر المدرسين , انه يحول ثورته على ابيه الى ثورة على المدرس , وانا لا اتحدث هنا عن الطفل المعدم الذي يذهب الى المدرسة دون افطار , ولا اتحدث عن الابن الذي يحيا في دوامة المشاكل الاسرية , ولا اتحدث عن الابن الذي لا يؤمن اصلا بجدوى التعليم , بل اتحدث عن ابن تتوافر له الامكانات ولا ينجح دراسيا . وقد يتاجل ظهور الفشل في حياة الاب حتى المرحلة الجامعية , وخصوصا في حالات الابناء الذين يدرسون في نفس دائرة تخصص الآباء , ان الفشل هنا ينبع من ان الابن يخاف في الدخول في مباراة مع الاب عندما كان في الخامسة او السادسة , ان هذا الخوف المتولد بشكل غير منطقي في اعماق الابن قد يكون لعدم ثقة الابن في قدرته على الاجادة في العمل مثل ابيه ولذلك يخاف من الاحساس بالمهانة . وقد يكوون خوفه نابعا من توهم غير منطقي بانه لو تفوق على الاب فأن الاب سيعاقبه .
وما سبق هو مجرد امثلة لمشاعر اللاوعي التي تتشعب وتكمن ثم تظهر اثارها في السلوك . وهذه الامثلة لا تحلل كل اسباب الفشل الدراسي , انما يأتي استخدامها هنا لنشر بعض من مشاكل المراهقين.
ومثل هذا الفشل الدراسي له هدف اخر في اللاوعي , انه يعذب الآباء والامهات المتطلعين الى نجاح الابن في الدراسة , وهذا واحد من اكثر انواع العقاب اللاواعي للآباء .
ان الابن لا يقصد ذلك بل انه يبذل كل الجهد للنجاح الدراسي .
وتظهر احيانا صعوبة الدخول مع الآباء في مباراة التنافس على نحو مختلف , فعندما يسأل احدهم شابا في السادسة عشر عن المهنة التي ينوي احترافها , فقد تكون اجابة الشاب : ( لم احدد بعد , الا انني متأكد من شئ واحد وهو انني لن اعمل في الميدان الذي يعمل فيه ابي لانه مجال لا يعجبني على الاطلاق ) .
هذا هو العمر الذي تظهر به عدم ثقة الابن في قدرته على منافسة الآباء . ولكن هذا الابن عندما يصل الى الثامنة عشر قد يسأل والده الطبيب : ( لماذا يقررون علينا ان كل هذه الكمية من دروس الكيمياء ؟ ) فيجيب الاب : ( انهم يفعلون ذلك من اجل الطلبة الذين سيدرسون الطب ) .
هنا يقول الطالب : ( لعلها تساعدني انا ايضا اثناء دراستي للطب ) . ان الابن يقول ذلك وكأنه يلقي بخبر يعرفه الاب من قبل , رغم ان الابن لم يسبق له ان اخبر والده بذلك . ان الفتى في مثل هذه الحالة يكون قد نضج بما فيه الكفاية فلم يعد يشعر بالخوف من المنافسة مع الاب , وبعض من الوان التمرد قد تكون مفيدة , كأختيار الابن لهواية فنية لا يرضى عنها الاب ويتفوق فيها الابن , وفي مجتمعنا الكثير من الامثلة على ذلك , مثل ( توفيق الحكيم ) الذي كتب الرواية والمسرحية على الرغم من معارضة اهله الفن , ومثل ( يوسف وهبي ) الذي درس التمثيل .
وهناك الوان من التمرد لها طابع سلبي وان كانت تعبر عن الرغبة في الاحتجاج و مثل ارتداء الشاب لملابس الجينز في مناسبات رسمية , او الذهاب الى المدرسة او الكلية دون غسل الوجه او الاسنان , او ترك الغرفة التي ينام فيها دون ان يقوم بتنظيمها وترتيبها , انها فوضى تذكرنا بأيام بأيام ظفولته عندما كان يعلن امتعاضه واستيائه لاتفه الاسباب .
والمشكلة الاساسية الهامة التي تواجه الشاب او الفتاة اثناء المراهقة , ورغم انه لا يفكر فيها بصورة واعية , هي مشكلة الهواية , انه يبحث عن هويته الحقيقية , انه يفكر في الشخص الذي سوف يكونه , وكيف يبدأ الطريق الى بناء هذه الشخصية , ولا نعني بذلك نوع العمل الذي سيختاره لنفيه او الهوايات التي يمارسها , ولكن نعني البنيان الشامل للشخصية , انه يفمر في كيفية تفكير اصدقائه و واسلوب حياة عائلية , وكيف يسلك الوان السلوك التي تؤكد له انه انسان مستقل .
ويتحكم في بناء الشخصية الشامل ثلاثة عناصر رئيسية :
اول هذه العناصر هو الشخصية السابقة له اثناء الطفولة , لقد حاول الطفل منذ عامه الثالث ان يقلد اباه , وحاولت الفتاة ان تقلد والدتها . ان الشخصية السابقة للشاب او الفتاة كان مجرد انخراط في سلوك الوالدين , والشاب في مرحلة مراهقته يحاول ان يصل الى الاستقلال , لذلك يبدأ في تحطيم اعتماديته المطلقة على اسرته , لا بمعنى ترك البيت والحياة بعيدا عن الاسرة , ولكن الشاب يحاول ان يدرس ما حوله ويدرس افكاره واهدافه الخاصة , ويتعرف على المشاكل التي يعيش فيها مجتمعه , ويبدو الشاب متطرفا , نافذ الصبر , كثير النقد لمجتمعه , هذه هي الصورة الخارجية , لكن الصورة الداخلية التي في اعماقه تختلف , انه يفكر في حلول جديدة للمشاكل التي يواجهها المجتمع , تلك المشاكل التي تعايش معها الآباء , لكنها تبدو بالنسبة للشاب وكأنها الغرق في الوحل .
والعنصر الثاني الذي يتحكم خفي بناء الشخصية هو مدى قوة التمرد واتساع افق الشاب ليعرف على اي شئ يتمرد , ان الشاب الذيي يحصر تمرده في اطار النلابس الغريبة او قص الشعر على الموضة السائدة , ولا يتعمق في فهم ظروف مجتمعه ويدرس لماذا يعيش مجتمعه كل تلك المشكلات , مثل هذا الشاب سرعان ما يخبو منه التمرد , ولا يبقى منه ما بوصله ويصقل شخصيته , اما الشاب الذي يدرس مشاكل المجتمع فيمكنه بفكرة بسيطة ان يطور مجتمعه , واالعالم المعاصر فيه من المشاكل ما يحتاج الى جهد الكثير من الشباب وموهبتهم , ليفعلوا مثلما فعل السابقون منهم , ان التاريخ يضم الكثير من قصص التقدم والابتكار والاكتشافات العلمية والمدارس الفنية والمذاهب الفلسفية , وابطال تلك القصص الواقعية كانوا مجرد شباب على ابواب مرحلة النضج , وكانوا قادرين على نقد وتقييم انجازات الماضي وامتلاك القدرة على اكتشاف احتياجات مجتمعاتهم , واستطاعوا ان يتقدموا بأفكارهم واعمالهم ليطوروا مجتمعاتهم الى الافضل .
 

المصدر: شباب عا النت

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!