مرحله التقاعد

ومن الطبيعي أن نجد أن كثيراً من المتقاعدين ربما يصعب عليهم التوقف عن العمل الذي عشقوه لاسيما إذا كانوا قادرين على العمل والإنتاج، كما أن بعض المتقاعدين يتركون العمل، وهم لم يصلوا فعلياً إلى السن النظامية للتقاعد (60 سنة)، وذلك بسبب المبالغة في الأعمار، أو عدم معرفة العمر الحقيقي للمتقاعد. ويعود السبب إلى أن كثيراً من الناس في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لم يؤرخوا لتاريخ ميلادهم وخاصة في القرى، وربما زاد عمر الإنسان كثيراً أو قليلاً في حفيظة النفوس. ولهذا فإن بعض المتقاعدين يشعرون بالإحباط لأنهم لم يعدوا أنفسهم بشكل جيد لهذا التقاعد، وكأنه نهاية غير سعيدة لكفاحهم وحبهم وتفانيهم في العمل.

ونلاحظ أن المعاشات التقاعدية تستمر أحياناً دون أي تغيير يذكر، بينما تتزايد أعباء الحياة، ويرتفع مؤشر مستوى المعيشة. إن هذه المشكلة تتطلب دراسة متأنية من مصلحة معاشات التقاعد لإمكانية علاجها، وحتى لا يشعر المتقاعد بأنه يعيش عالة على المجتمع.

كما أن كثيراً من المتقاعدين يحتاجون إلى مزيد من الرعاية الصحية التي تجعل المتقاعد صحيح الجسم مقبلاً على الحياة.

وتقوم كثير من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا بتوفير الرعاية الصحية للمتقاعدين، وخاصة فيما يتعلق بتخفيض أجور العلاج الطبي في بعض المستشفيات المتخصصة. إن هذه الخدمة الصحية مهمة جداً وتستحق الدراسة في ضوء تطور الخدمات الصحية في بلادنا الحبيبة.

إن معاشات التقاعد لكثير من صغار الموظفين تحتاج إلى إعادة نظر في ظل ارتفاع مستوى المعيشة في المملكة، وعدم وجود مصادر أخرى للدخل. كما أن هناك كثيرا من المتقاعدين يعيلون عدداً كبيراً من الأفراد من الأطفال والنساء.

ولاشك أن هناك بعض البنود في نظام التقاعد يحتاج لمزيد من الدراسة وإعادة النظر مثل نصيب الزوجة في المعاش التقاعدي (المادة 24). وربما يكون من المناسب أن تعطى الزوجة نصف المعاش التقاعدي أو أكثر طالما أنها لم تتزوج أو تتوظف.

إن معاش المتقاعد للمتوفى يتآكل سريعاً مع التحاق الأبناء بوظائفهم، وزواج البنات، ويبقى مبلغ ضئيل لا يكاد يكفي لزوجة صبرت كثيراً ولم تجد بعد ذلك إلا الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع!!.

ولاشك أن دراسة متأنية لهذا الموضوع سيكون لها مردود إيجابي على أعداد كبيرة من الأرامل والأيتام.

ومادمنا نتحدث عن التقاعد والمتقاعدين فلعله من المناسب أن نطلق على المتقاعدين كلمة “المتأملين” أو “المستريحين”، حيث إن فترة ما بعد العمل كما يقول كثير من المتقاعدين هي فترة ذهبية لمراجعة النفس والتأمل في الحاضر واستلهام العبرة من الماضي كما أن التقاعد فرصة جيدة للعودة إلى الهوايات القديمة وإنشاء الصداقات المختلفة، وعمل ما يحلو للإنسان أن يعمله دون خوف من ضغوط العمل أو كثرة الاجتماعات. كما أن الإنسان بعد أن يتحرر من الأعمال والواجبات الرسمية، ربما يكون أكثر وعياً بقيمة الحياة الأخرى، فيكرس جزءاً كبيراً من وقته للتقرب من الله بالنوافل والأدعية، ولا يضيع أيامه ولياليه هدراً. وينسب للإمام علي رضي الله عنه هذا الشعر:

إذا عاش الفتى ستين عاما

فنصف العمر تمحقه الليالي

ونصف النصف يمضي ليس يدري

بغفلته يميناً عن شمال

وثلث النصف في همّ وغمّ

وشغل في المكاسب والعيال

لوجد المرء طول الدهر جهلاً

وقسمته على هذا المثال

ومهما يكن فإن العمر وإن طال قصير، والزمن وإن حسبناه بالسنين، فهو في الواقع دقائق وثوان، وما أجمل أن يكون الإنسان مثالاً طيباً لمن يأتي بعده، كما قال الشاعر أحمد شوقي:

دقات قلب المرء قائله له

إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها

فالذّكرُ للإنسان عمر ثاني

المصدر: الصحه والحياة

 

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!