حدث في مثل هذا الأسبوع (5 - 11 ربيع الأول)

حدث في مثل هذا الأسبوع (5 – 11 ربيع الأول)

حدث في مثل هذا الأسبوع 5 - 11 ربيع الأول وفاة عبد الرحمن الكواكبي 5 ربيع الأول1320هـ 1902م..

Share your love

حدث في مثل هذا الأسبوع (5 - 11 ربيع الأول)

وفاة عبد الرحمن الكواكبي 5 ربيع الأول1320هـ (1902م):
عبد الرحمن الكواكبي علم من أعلام الإصلاح في العالم الإسلامي خلال العصر الحديث، وكانت معركته الكبرى مع الاستبداد السياسي الذي سخّر حياته وقلمه وفكره لمحاربته والتوعية بأخطاره على الشعوب وتقدمها، وقاسى في سبيل ذلك الكثير من آلام الغربة والهجرة ووحشة السجن وعذاب الاضطهاد.
والكواكبي مفكر وفقيه وكاتب ومحام سوري من مدينة حلب، ذو اطلاع واسع، وصاحب ذكاء خارق، وله أسلوب بليغ في الكتابة من أشهر كتبه “طبائع الاستبداد” و “أم القرى”.
دعا للإصلاح ومعالجة الفتور والضعف والأمراض التي أصابت الأمة الإسلامية، وحاول أن يقوم بتوصيف الداء فأنكر التعصب المذهبي، والجمود الفقهي، وما عليه بعض الطرق الصوفية وما فيها من منكرات وعقائد باطلة، وكذلك التنبيه على تقصير العلماء في نشر العلم للقضاء على الجهل، وسكوتهم على ظلم الولاة، بل وتقديم الفتاوى الباطلة التي تتماشى مع أهوائهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى إهمال تعليم المرأة وعدم الاهتمام بها، وغير ذلك من أفكار ناضجة في الارتقاء والنهضة لا خلاف عليها.
رأى الكواكبي أن العلة الأولى في تخلف المسلمين تكمن في الاستبداد الذي استشرى بعد عصور الازدهار الإسلامي التي تميزت بالعدل والإنصاف والمشاركة والشورى، والاستبداد عنده يعني التخلُّف والقصور؛ لأن الاستبداد لا يسمح بقيام المؤسسات السياسية بمهامها الأساسية، وإذا سمح بقيامها ببعض مهامها فإنه يسمح به بشكل غير صحيح وغير متكامل، وسواء أكان الاستبداد فرديًا أم جماعيًا، فإنه ينعكس بشكل سلبي على شتَّى شئون الحياة العامة، في الوقت الذي تنعم فيه المجتمعات الحرة بالعدل والمساواة.

المولد والنشأة:
وُلد “عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي” في حلب سنة 1266هـ ، 1849م، ونشأ في بيت عريق في نسبه وجاهه، له اتصال بالعلم، فكان أبوه أمين الإفتاء في حلب، ويقوم بالتدريس في الجامع الأموي والمدرسة الكواكبية التي كانت تسير على نهج الأزهر في تدريس علوم الدين.
وفي هذا الجوّ العلمي المحافظ تربَّى “عبد الرحمن الكواكبي”، وتفتَّحت عيناه، فشبَّ محبًّا للعلم وأهله، وتلقَّى تعليمه في المدرسة الكواكبية في حلب، كما كان التلاميذ يتعلمون في زمانه، وإلى جانب ذلك آثر أن يتزود بقدر من الثقافة رآه ضروريًا، فدرس العلوم الرياضية والطبيعية وتعلَّم اللغتين الفارسية والتركية، فأعانه ذلك على الاطلاع على فنون متعددة من الثقافة العامة وعلى كتب التاريخ والقانون ونظُم الحكم بوجه خاص.

في خضمّ الحياة:
بدأ “الكواكبي” حياته بالتدريس ثم بالتجارة، وتقلَّب في عدة مناصب، ثم اشتغل بالصحافة، فأسس في سنة (1296هـ ، 1878م) جريدة الشهداء ، وهي أول جريدة عربية صدرت في حلب، لكنها أُغلقت بعد أن صدر منها 15 عددًا فقط، ثم عاد فأصدر جريدة “الاعتدال” سنة (1297هـ ، 1879م)، لكن السلطات العثمانية في حلب أغلقتها هي الأخرى.
ثم اشتغل بالمحاماة، وكان “الكواكبي” مطبوعًا على العمل للأمة وخدمة الناس بحكم مركز أسرته ومكانتها بين الناس ومنصبها العريق في رئاسة الأشراف، وهيأ له عمله في المحاماة أن يكشف عورات النظم الاستبدادية وفساد الحكام، وكان جريئًا في عمله، حتى إنَّه أقام الدعوى مرارًا على “جميل باشا” والي حلَب؛ ليستردَّ منه أراضيَ اغتصبها من المزارعين، ووُفِّق في كسب هذه القضايا.
وجرَّ عليه هذا النشاط الإصلاحي ثائرةَ السلطات المحلية، فتعرَّض للسجن في سنة (1304هـ ، 1886م) بتهمة الاشتراك في محاولة اغتيال الوالي العثماني “جميل باشا” فانطلقت الجماهير ثائرة لإطلاق سراحه، فأُفرج عنه بعد أيام، و تم عزل الوالي جميل باشا و جاءت السلطات العثمانية بوال جديد، عَرف قدر “الكواكبي” فعينه رئيسًا لبلدية حلب، لكنَّ ذلك لم يُثنِه عن النضال ضد الاستبداد ومظالم السلطة، فسُجن من جديد بتهمة التآمر ضد السلطان العثماني وحُكِم عليه بالإعدام، ثم استأنف الحكم أمام محكمة بيروت، فتبين لها زيف التهمة، وتأكد القضاة من تلفيق والي حلب، فبرأت المحكمة ساحته.

الكواكبي في القاهرة:
قرر “الكواكبي” الهجرة إلى مصر سنة 1314هـ ، 1896م؛ ليتابع نضاله من هناك، وكان المجال قد انفتح أمامه لنشر آرائه، وبدأ في نشر فصولٍ من كتابه “طبائع الاستبداد” سنة 1318هـ ،1900م، وكان لهذه الفصول أثر عظيم في نفوس الأحرار في العالم العربي والإسلامي، وفي العام نفسه أصدر كتاب (أم القرى) حيث نسَّق موضوعاته في قالب مؤتمر إسلامي عُقد في مكة وحضره مندوبون عن الهند والصين والعراق والشام ونجْد واليمن ومصر وتونس ومراكش، وأَجرى على لسان كل عضو ما يصدق على أحوال قطره، وبالعبارات التي تستعمل فعلاً في إقليمه؛ مما يدل على خبرة بعيدة المدى بأحوال هذه الأقطار، ومن خلال هذه المحاورات بثَّ “الكواكبي” آراءه في الإصلاح.
وفي سنة 1319هـ ،1901م قام “الكواكبي” برحلة إلى أطراف العالم الإسلامي، وقد استغرقت  هذه الرحلة عامين، امتدت سياحته خلالها إلى ساحل إفريقية الشرقية وسواحل آسيا الغربية، وزار بلاد العرب، وزار أيضًا الهند وتركيا، ودخلها من سواحل المحيط الهندي، وأوغل فيها حتى بلغ أطراف الشمال، واجتمع بالأمراء وشيوخ القبائل، ودرس حياتهم وإنتاجهم وأعمالهم، محاولاً الوقوف على أمراض العالم الإسلامي ووسائل الإصلاح فيه.

من كلماته المأثورة:
– يحدد “الكواكبي” ثلاثة قواعد لمقاومة الاستبداد وهي :
1- الأمَّة التي لا يشعر كلُّها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحقُّ الحريّة
2- الاستبداد لا يقاوَم بالشِّدة، إنما يُقاوم باللين والتدرُّج
3- يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ما يُستَبدَل به الاستبداد حتى لا تقع بلبلة بعد سقوطه فيستولي على السلطة مستبد أشد ظلماً من سابقه

– والاستبداد كما يقول: “أعظم بلاء؛ لأنَّه وباء دائم بالفتن وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسَّلب والغصْب، وسيْلٌ جارفٌ للعمران، وخوفٌ يقطع القلوب، وظلامٌ يعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر، وصائلٌ لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي”.

– المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن أو تحصيل منافع عامة أو الدفاع عن الاستقلال.

– العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ، بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة.

– الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال : ” أنا (الشرُّ)، وأبي (الظلم)، وأمّي (الإساءة)، وأخي (الغدر)، وأختي (المسْكَنة)، وعمي (الضُّرّ)، وخالي (الذُّلّ)، وابني (الفقر)، وبنتي (البطالة)، وعشيرتي (الجهالة ) ، ووطني (الخراب ) ، أما ديني وشرفي (فالمال المال المال).

– فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار, لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء كثور هائج أو مثل فيل ثائر … ، وتحطم نفسها وأهلها وبلدها قبل أن تستسلم للزوال، وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل والاستعباد , وعدم تأملهم في معنى الآية الكريمة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْكُمْ خاصَّةً وَاعْلَـمُوا أنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ).
– لا يفرحنَّ المستبدُّ بعظيم قوَّته ومزيد احتياطه، فكم جبّارٍ عنيدٍ جُنِّد له مظلومٌ صغير.

طبائع الاستبداد
تتوهج عبقرية الكواكبي وتتجلى في قدرته الهائلة على تحليل طبائع الاستبداد واستكشاف ماهيته وتحديد مساراته واستشراف منعطفاته.
فبعد مرور قرن ونيف على رحيل الكواكبي، ما زال كتابه المتألق (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) يتقدم على غيره منارةً عالية في قدرته على إضاءة تعقيدات الاستبداد السياسي العربي المعاصر، وكأن الكواكبي يبرهن اليوم على حضوره المظفر كشاهد عيان على ما يفيض به زمننا من أهوال التحولات السياسية التي تتجه إلى ترسيخ كل أشكال الاستبداد والإكراه والقمع الذي تمارسه الديكتاتوريات السياسية والثقافية المعاصرة.

ويكمن عنصر الأهمية والإثارة في أن الكتاب يتضمن تحليلا بارعا لما هو قائم اليوم، إذ يتيح لنا أن ندرك مختلف التجليات السياسية والاجتماعية والفكرية للاستبداد في نسق منظومي متكامل، وكأني بالكتاب يجمع بين دفتيه خلاصات علم السياسة والدين والاجتماع وعلم النفس في فهم قضايا الاستبداد والتسلط والقهر في مختلف المجتمعات الإنسانية القديمة منها والمعاصرة.
هذا غيض فيض من عبقرية الكواكبي التي تجلت في كتابه الفريد طبائع الاستبداد، فكل كلمة في هذا الكتاب تعادل وزنها ذهبا لمن يعرف مكامن العظمة في الكلّم. وسيبقى هذا الكتاب تراثا فكريا حيّا لا تقدر كلماته وأحكامه بثمن لما ورد فيه من تعرية لطبيعة الاستبداد وتجلياته.

و كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” من الكتب الجديرة بالقراءة والدراسة، وعلى الرغم من أنه مرت على تأليفه سنوات طويلة، إلا أنه يشخص الحالة السياسية الراهنة بصورة دقيقة ومعبّرة. يتحدث عن الاستبداد وطبائعه، كما يتحدث بإسهاب عن المستبد وحاشيته وعلاقة الاستبداد بالدين والمال والمجد والعلم وغيرها، بجانب ذلك يقدم الكتاب في نهايته وصفة دقيقة عن كيفية التخلص من الاستبداد.
من يطالعه يعرف بجلاء أن للاستبداد طبائع وسننا مضطردة، لا تتحول ولا تتبدل، لا تختلف باختلاف الزمان والمكان. ومن يقرأ الكتاب يظن أن الكواكبي قد كتبه الآن، ولم يمر على تأليف الكتاب أكثر من مئة عام، وكأن الكتاب يتحدّث عن استبداد حاضر وقائم، لا استبداد سابق وماض. وسيدهشك الأمر من ذلك التطابق المدهش .

كان مقصد “الكواكبي” من كتاباته جميعًا هو إيقاظ وعي الحرية والكرامة في نفوس العرب والمسلمين؛ لأنه إذا استيقظ الوعي تبعه السعي والإقدام، وزال فتور العزائم وتراخي الهمم الناشئ عن التواكل، ووعي الحرية يحتاج إلى أنصار وأعوان، وأول أعوانه: العلم، فبه يرسخ في نفوس الناس أن الحرية أفضل من الحياة نفسها وأكرم، وأن الشرف أعز من المنصب والمال، والعلم هو المرشد إلى الحقوق والهادي إلى السبيل الصحيح لنيلها وصونها، وهو الذي ينبه إلى الظلم، وكيف يُرفع، ويشير إلى الكرامة البشرية وقيمتها، ولذلك حرص الطغاة والمستبدّون على أن يظل الناس في عمىً وجهالة.
والعلم الذي يمثل خطرًا حقيقيًّا على الاستبداد ليس هو العلم المحفوظ حفظًا آليًا دون أن يكون له أي أثر في النفوس، ولا يخشى المستبد إلا من العلماء الراشدين الواعين لما علموا.

وفاة “مفاجئة ”
توفي في القاهرة فجأة في يوم 5 ربيع الأول1320 هـ ، الموافق 1902م حيث شاع أنه دس له السم فمات متأثرا من ذلك، ودفن بالقاهرة رحمه الله رحمة واسعة.
ورثاه كبار رجال الفكر والشعر والأدب في سوريا ومصر، ونقش على قبره بيتان لحافظ إبراهيم:

هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى  هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا عليه   فهذا القبر قبر الكواكبي

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!