أحمد عوض
أعادت قصة الدعوات لمقاطعة استهلاك الدجاج خلال الأسبوع الماضي طرح مسألة توازن الاقتصادات التي تخدم مصالح مختلف الفاعلين فيه من منتجين وتجار ومستهلكين.
وفي هذا الإطار، تعد السياسات الاقتصادية المتوازنة المدخل الأساس لبناء الاقتصادات المتوازنة، وهذا التوازن لا يمكن تحقيقه إلا بتفاعل صحي وعادل بين مختلف الأطراف المكونة للاقتصاد.
ومن هذا الزاوية يمكن النظر بإيجابية إلى حملات مقاطعة استهلاك بعض السلع بين فترة وأخرى، ومن بينها حملة مقاطعة استهلاك الدجاج التي بدأت الأسبوع الماضي وما زالت تتفاعل، ودعمتها جمعية حماية المستهلك.
هذا النوع من السلوك الاجتماعي يساهم بطريقة أو أخرى في دفع ديناميات الاقتصاد لإعادة التوازن، عندما يحدث اختلال غير محتمل فيها.
ولا شك أن ارتفاع أسعار الدجاج خلال الأسابيع الماضية لم يكن عادلا، ولم يكن سعرا يتواءم مع قدرات غالبية المستهلكين، وبخاصة بعد هجرة قطاعات واسعة منهم استهلاك اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع أسعارها أيضا.
ليس مطلوبا من غالبية المستهلكين المتضررين من هذه الارتفاعات الكبيرة لوم التغيرات والأزمات الدولية التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع وآخرها الدجاج، الذي ساهم ارتفاع أسعار الأعلاف عالميا في رفع أسعارها في السوق المحلي.
ما يهم المستهلكين من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة (وهم الغالبية العظمى من المواطنين والمقيمين) أن يبعثوا رسالة إلى المنتجين والموزعين من جهة، والحكومة المعنية بالحفاظ على توازن واستقرار الاقتصاد والمجتمع من جهة أخرى.
الرسالة إلى المنتجين والموزعين تدفع باتجاه تخفيض هوامش الأرباح التي يحققونها، وهي بالمناسبة هوامش عالية، ليس فقط في السلع الغذائية، بل في مختلف أنواع السلع، وهذا يفسر جانبا من ارتفاع كلف المعيشة في الأردن مقارنة مع عشرات الدول الأخرى.
والرسالة إلى الحكومة تدفع باتجاه أنّ عليها تحمل مسؤولياتها في ضبط الأسعار عند مستويات عادلة وفي متناول غالبية المستهلكين. وهذه سياسة لا تتعارض نهائيا مع فلسفة اقتصاد السوق الحرة التي تعتمدها حكوماتنا منذ عقود، من خلال دعم منتجي هذه السلع الإستراتيجية لتعويض وتخفيف كلف الإنتاج الناجمة عن ارتفاعات مدخلات الإنتاج.
وبالمناسبة، فإن غالبية الحكومات في العالم، بما فيها الدول التي تطبق سياسات اقتصادية (ليبرالية) تتدخل في ضبط أسعار السلع الأساسية وبخاصة الغذائية، أكان بوضع سقوف لها، أو بتقديم دعم لأسعار هذه السلع لتكون في متناول غالبية المستهلكين، لأن الموضوع يتعلق بالأمن الغذائي، وهو يفترض أن يكون مسألة إستراتيجية لدى الحكومات.
كذلك، تهدف حملات مقاطعة استهلاك بعض السلع إلى إبلاغ الحكومة أنّ هناك اختلالات داخل المجتمع، عليها التدخل لتصويبها، ليس فقط ما يتعلق بارتفاع الأسعار وبالتالي ارتفاع كلف المعيشة، وإنما ما يتعلق بسياسات الأجور أيضا، إذ أن مستويات الأجور في الأردن منخفضة جدا، وغالبية العاملين يصنفون ضمن فئة الفقراء وفق مؤشرات الإحصاءات الرسمية.
الهجمة التي طاولت دعاة حملة مقاطعة استهلاك الدجاج وداعميها من قبل البعض غير مبررة بالمطلق، لأن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب تصميم وتطبيق سياسات اقتصادية متوازنة تحفظ مصالح الجميع، والمستهلكون من أصحاب هذه المصالح. والمقاطعة سلاح سلمي يدفع باتجاه التوازنات الاقتصادية التي تحدثنا عنها.
علينا التعامل باحترام مع التفاعلات الاجتماعية السلمية، لا بل علينا تشجيعها، فهي (الباروميتر) الذي من خلاله نكتشف الاختلالات التي نعاني منها، ولعل أحد أهم أسباب الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي نعاني منها تتمثل في رفض هذه الحراكات الاجتماعية السلمية، والتعامل السلبي معها، وضيق المساحة المتاحة لها.