‘);
}
شعر الرثاء في العصر الأندلسي
كان الموت وما يزال مصيبة كبرى على كافة الأصعدة وفي كل العصور والأوقات؛ لذا احتل الرثاء كغرض من أغراض الشعر العربي منزلة مرموقة في الشعر الأندلسي، وهو عاطفة شجية ينظمها الشاعر في كلمات متأثرًا لفقد حبيب أو قريب أو ممدوح غمره بكرمه وعطفه وهو من أجود الشعر وأصدقه واتجه به الشعراء عدة اتجاهات مثل رثاء الأهل والأقارب والأمراء والحكام والقادة كما رثوا المدن والممالك والحيوان والجماد.[١]
كان الشاعر الأندلسي من الذين استخدموا المراثي لتصوير المآسي التي تصيب الإنسان في حالة الفقد سواء كان المفقود إنسانًا عزيزًا أو وطنًا غاليًا أو نفسًا مريضة أو أصابها عجز ما. تألم الشاعر الأندلسي كثيرا لفقد الأحبة وكان يلقي باللوم على الموت نفسه الذي أخذ الأحبة وتركهم يعانون الويلات ولربما رثى نفسه من مرض ألم به وهدده بالموت[٢] والشاهد على ذلك من مراثي الأندلسيين قول الشاعر يحيى الغزال، في رثاء نفسه والذي يعتبر من الشعراء التقليدين الذين تأثروا بمحدثي عصره، حيث كان الشعر مصورًا للواقع:
أَلستَ ترى أَنَّ الزَمانَ طَواني
‘);
}
-
-
- وَبَدَّلَ خَلقي كُلَّهُ وَبَراني
-
تَحَيَّفني عُضواً فَعُضواً فَلَم يَدَع
-
-
- سِوى اِسمي صَحيحاً وَحدَهُ وَلِساني
-
وَلَو كانَت الأَسماءُ يَدخُلُها البِلى
-
-
- لَقَد بَلِيَ اِسمي لِاِمتِدادِ زَماني
-
وَما لِيَ لا أَبلى لِتِسعينَ حجَّةً
-
-
- وَسَبعٍ أَتَت مِن بَعدِها سَنَتانِ
-
إِذا عَنَّ لي شَخصٌ تَخَيَّلَ دونَهُ
-
-
- شَبيهُ ضَبابٍ أَو شَبيهُ دُخانِ
-
فَيا راغِباً في العَيشِ كُنت إن عاقِلاً
-
-
- فَلا وَعظَ إِلّا دونَ لَحظِ عِيانِ[٣]
-
ونلاحظ أن الشاعر الأندلسي طوّر في هذا الغرض بما كان من حياته المتحضرة، مبتعدًا عن حياة البداوة التي لا تليق به، وصار هناك اتجاه جديد في المراثي يجمع بين القديم والجديد وهو المحافظ الجديد، فهو اتجاه يحافظ على نهج القصيدة القديم من حيث اللغة والموسيقى والروح بينما يتجدد في معاني الشعر وصوره وأسلوبه وجماليات هذا النوع من الشعر.[٤]
لقد تحدثت القصيدة الرثائية في موضوع واحد في العصر الجاهلي والإسلامي سواء في العصر العباسي أو الأموي وتنوعت بين القصائد الطويلة والمقطوعات القصيرة ونظمت على البحر المتقارب ولمنسرح والسريع والوافر ولكن البحر الطويل هو المفضل لدى الشعراء في هذا النوع من الأغراض الشعرية وذلك لما في هذا البحر من قدرة على بث روح الحزن والتجلد والصبر وبث الأحزان في النفوس، وفي العصر الأندلسي استمر الحال كما هو في المرثيات عدا استخدامهم لبعض البحور الخفيفة دون التخلي عن البحر الطويل.[٤]
رثاء الزوجات
شكل رثاء الزوجات ظاهرة اجتماعية في الشعر الأندلسي؛ وذلك وفاء من الشاعر للزوجة التي عاش معها فكان لها الفضل الكبير عليه، فنراه ينظم القصائد المبكية التي تثير الحزن في نفوس المستمعين لتلك القصائد وتؤكد على أهمية المرأة ودورها في حياة الشاعر وكم كانت الخسارة التي تكبدها جراء فقدها، ويعتبر رثاء الزوجات من أكثر شعر المراثي صدقا وتأثيرا في النفس لكم العواطف الصادقة والنفس الشجية الحزينة على فراقها ومن أشهر ما قيل في رثاء الزوجات ما قاله الأعمى التطيلي في فراق زوجه[٥]
ونبئتُ ذاك الوجهَ غَيّرَهُ البِلى
-
-
- على قُرْبِ عَهْدٍ بالطّلاقة والبِشْرِ
-
بكيتُ عليه بالدُّموعِ ولو أبَتْ
-
-
- بكيتُ عليه بالتجلُّدِ والصبر
-
فليتهم واروا ذكاء مكانه
-
-
- ولو عرفت في أوجه الأنجم الزهر
-
وليتهمُ وارَوْهُ بين جَوَانحي
-
-
- على فَيْضِ دَمْعي واحْتدامِ لظى صدري
-
أمُخْبِرَتي كيفَ استقرّتْ بكِ النّوَى
-
-
- على أنّ عندي ما يزيدُ على الخبر
-
وما فعلتْ تلك المحاسنُ في الشّرى
-
-
- فقد ساءَ ظنّي بينَ أدري ولا أدري[٦]
-
رثاء المدن والممالك
من أهم الأغراض الشعرية التي كان لشعراء الأندلس الدور البارز في ظهورها هو رثاء الدول والممالك؛ ذلك بسبب كثرة النكبات والمصائب التي حلّت في جميع المناطق الأندلسية مع بداية ما يسمى بحرب الاسترداد التي قام بها النصارى لاسترجاع الأندلس وبالطبع أثر هذا في نفسية الشاعر فبكى الملك المسلوب في قصائد ولا أروع مع تحديد سبب سقوط هذه المدن والممالك والتي لخصت دوما بأنها خروج المسلمين من الأندلس .
رثى الشعراء المدن والممالك المختلفة وبينوا الفرق بين محاسن الحكم الإسلامي لهذه المناطق وما آالت إليه الأمور بعد دخول النصارى لها وكيف عاثوا في أرضها الفساد بأسلوب أدبي رائع يحمل الكثير من المشاعر والأحاسيس الراقية والرقيقة فهم يبكونها ويأملون عودتها إلى ملك العرب المسلمين، خاصة بعد حلول القرن الخامس الميلادي حيث ظهر التفكك الاجتماعي، والضغط الاقتصادي، وانھیار الدولة سياسيا فالدولة صارت دولا والحاكم صار حكاما وغدا تفرق كلمة الأمة وزيادة مظاهر الترف والإسراف والابتعاد عن بذل النفس والجهاد ملمحًا مميزا لتلك الفترة فتجرأ عليهم عدوهم وأخذ يباغتهم من حين لآخر فيفوز منهم بالمدن والحصون.[٧]
وعلى أثر هذا أخذ الشعراء يدافعون عن وطنهم ودينهم وكم جادت نفوسهم وألسنتهم بأجمل القصائد التي تحمل الأسى والحزن والحسرة على ما جرى في الأندلس ولعل قصيدة أبي البقاء الرندي المعبرة عن ضعف الحكام وضياع الأندلس بممالكها ومدنها خير شاهد على ذلك.[٧]
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
-
-
- هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
-
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
-
-
- حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
-
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
-
-
- وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
-
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
-
-
- مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
-
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
-
-
- وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
-
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
-
-
- عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
-
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
-
-
- كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
-
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
-
-
- قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
-
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
-
-
- فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
-
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
-
-
- حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
-
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
-
-
- إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ[٨]
-
المراجع
- ↑إبراهيم منصور محمد الياسين، رثاء الزوجات في الشعر الأندلسي مرثية الأعمى التطيلي نموذجا، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑هند بنت أحمد العثيم، المرثية الأندلسية زمن المرابطين والموحدين، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑يحيى الغزال، ديوان يحيى الغزال، صفحة 82001.
- ^أبهند بنت أحمد العثيم، المرثية الأندلسية زمن المرابطين والموحدين، صفحة 30-31. بتصرّف.
- ↑إبراهيم منصور محمد الياسين، رثاء الزوجات في الشعر الأندلسي مرثية الأعمى التطيلي نموذجا، صفحة 7-9. بتصرّف.
- ↑الأعمى التطيلي، ديوان الأعمى التطيلي، صفحة 84757.
- ^أبسامية جباري، تجليات رثاء الدول والممالك في الشعر الأندلسي، صفحة 1007-1008. بتصرّف.
- ↑أبو البقاء الرندي، ديوان أبي البقاء الرندي، صفحة 29425.