صورية أم ضرورية؟.. انقسام تونسي حول مصداقية لجان صياغة مشروع دستور جديد

تنقسم القوى التونسية حول مصداقية اللجان التي شكلها الرئيس قيس سعيّد لصياغة مشروع دستور جديد، إذ ينظر البعض لها كأطر “صورية” ويراها آخرون وسيلة لبلورة سياسات تكرس الحقوق والحريات.
ستقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم الجمعة 20 ماي 2022 بقصر قرطاج، العميد الصادق بلعيد. وكلّف رئيس الجمهورية، بالمناسبة، العميد صادق بلعيد بمهمة الرئيس المنسق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة.
الرئيس قيس سعيّد (يمين) يلتقي رئيس “الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” الصادق بلعيد في قصر قرطاج (مواقع التواصل الاجتماعي)

تونس- انطلقت في العاصمة تونس اليوم السبت أولى جلسات اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وهي إحدى اللّجان التي شكلها الرئيس قيس سعيّد لصياغة مشروع دستور جديد قبل عرضه على الاستفتاء، وسط انقسام بشأن مصداقيتها بين قوى تقاطعها لأنها “صورية” وأخرى تشارك فيها كـ”حراس” لحقوق التونسيين، وفق تعبيرهم.

وكان سعيّد أصدر مرسوما رئاسيا حمل رقم (30) لسنة 2022؛ يتعلق باستحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة لصياغة مشروع دستور جديد يعرض على الاستفتاء. وتتفرع الهيئة إلى 3 لجان هي: اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة الاستشارية القانونية، ولجنة الحوار الوطني.

الرئيس التونسي قيس سعيد يلقي كلمة خلال احتفال في القصر الرئاسي بالذكرى 66 لتأسيس قوات الأمن الداخلي مصدر الصورة: الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على موقع فيسبوك
شكّل الرئيس قيس سعيّد هيئة استشارية لصياغة دستور جديد يثور حولها جدل واسع (مواقع التواصل الاجتماعي)

ما دور اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية؟

تتولى اللجنة تقديم مقترحاتها إلى الهيئة الوطنية الاستشارية حول تطلعات التونسيين انطلاقا من المطالب التي رفعوها إبان الثورة، واستنادا إلى الاختيارات التي عبّر عنها المشاركون بالاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيّد مطلع العام الجاري.

وتعرض اللجنة الاستشارية تقريرها النهائي في 13 يونيو/حزيران الجاري كأقصى حد لمنسق “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” وأستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، على أن يناقش لاحقا في لجنة الحوار الوطني التي ستقدم المقترحات للرئيس بأجل أقصاه 20 الشهر الجاري.

وبعد ختم أعمال الهيئة الوطنية الاستشارية من الرئيس ونشرها بالجريدة الرسمية، تبدأ المرحلة الأهم في هذا المسار وهو عرض مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل للإجابة عليه بنعم أم لا، وذلك تحت إشراف هيئة الانتخابات التي أثار قيس سعيّد جدلا واسعا بتغيير تركيبتها.

هل يحق لجميع الأحزاب المشاركة في اللجان الاستشارية؟

وفق رئيس “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” الصادق بلعيد، لن تُستدعى الأحزاب السياسية الرافضة لإجراءات سعيّد المتخذة في 25 يوليو/تموز 2021. وقال بلعيد في تصريح إعلامي “لن نقبل إلا الأحزاب التي قبلت قرارات 25 يوليو/تموز ومن رفضها لن أقبله، لن أستقبل إلا من ينظرون للأمام”.

لكنه أكد استدعاء عشرات المنظمات والأحزاب والنواب والشخصيات في الاجتماع الأول للجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، اليوم السبت، في دار الضيافة بقرطاج. ومنح بلعيد المشاركين مهلة 3 أيام لتقديم تصوراتهم لتونس خلال الـ40 سنة القادمة وكيفية ترجمتها في نصوص دستورية.

ولكن ما أثار استغراب البعض إدراج أسماء شخصيات ثقافية في صلب لجنة يفترض أن تكون متخصصة في الشؤون الاقتصادية. ليس هذا فحسب، بل يتهكم البعض على تصريح رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية عميد المحامين، إبراهيم بودربالة، ومن أن له دراية بالاقتصاد “بفضل تحكمه في نفقات منزله”.

نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام للشغل
رغم إعلان الاتحاد العام للشغل رفضه المشاركة في الحوار إلا أنه أدرج ضمن تركيبة اللجان الاستشارية (الجزيرة)

ماذا عن رفض اتحاد الشغل أكبر منظمة نقابية في البلاد المشاركة؟

في مرسومه الرئاسي، حدّد الرئيس سعيد تركيبة الهيئة وكذلك اللجان الثلاث المنبثقة عنها، لكن لاعبا رئيسيا في المشهد التونسي رفض قبول المشاركة فيها وهو اتحاد الشغل، مبينا أن الحوار عبرها سيكون “شكليا واستشاريا ويُراد منه تزكية نتائج معدّة سلفا”.

ورغم رفضه المشاركة، فقد أُدرج اتحاد الشغل ضمن تركيبة اللجان الاستشارية إضافة إلى اتحاد أرباب الأعمال، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، إضافة إلى أسماء عمداء كليات الحقوق الممثلين في اللجنة الاستشارية القانونية وجزء منهم عبر عن رفضه المشاركة.

واعتبر المتحدث باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري، أن إدراج اسم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في تركيبة اللجان رغم إعلان منظمته العمالية رفض المشاركة باجتماعات اللجان فيه “تحدّ واستهانة” بالاتحاد من قبل الرئيس، رغم أن الاتحاد لم يرفض إجراءاته في 25 يوليو/تموز 2021 بل اعتبرها فرصة لتصحيح المسار.

وبسبب تعثر المفاوضات مع الحكومة الحالية أعلن اتحاد الشغل الإضراب بالقطاع العام في 16 يونيو/حزيران الجاري بما يشمل نحو 160 مؤسسة عمومية، مما يجعل الحكومة في وضعية صعبة للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في طلبها الحصول على قرض بسبب غياب التوافق حول برنامج الإصلاحات الاقتصادية.

ما الأحزاب المستبعدة أو المقاطعة للجان الاستشارية؟

تُعد حركة النهضة إسلامية التوجه -وهي التي قادت البلاد ضمن ائتلافات حزبية حاكمة من 2011 إلى 25 يوليو/تموز 2021- الخصم الأول لقيس سعيد وهي مستبعدة من المشاركة ومقاطعة في آن واحد لمساره الاستثنائي، شأنها شأن الأحزاب المعارضة الأخرى كحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وحركة تونس الإرادة.

وترى حركة النهضة أن اللجان الاستشارية “فاقدة للمصداقية”. وترى أحزاب كالتيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري، والتكتل، والمسار، والقطب، وآفاق تونس، وحزب العمال، اللجان الاستشارية “صورية” غايتها إضفاء شرعية مزيفة على “الانقلاب” على دستور 2014 والاستفراد بالحكم وتقويض المؤسسات الديمقراطية، وفق تعبيرها.

ويقول الناشط السياسي والنائب السابق حاتم المليكي للجزيرة نت، إنه رغم استدعائه للحوار فإنه قرر عدم المشاركة لأن الرئيس سعيّد اختار في المرسوم (30) تشكيل لجان استشارية أعمالها سريّة. معتبرا أن هذا “لا ينم عن حوار تشاركي حقيقي ويعكس عدم اهتمام الرئيس بالمسألة الاقتصادية والاجتماعية رغم الأزمات”.

ويرى المليكي أن عدم مشاركة اتحاد الشغل في الحوار ستكون له تداعيات سلبية على الوضع العام، منتقدا في الوقت ذاته استدعاء شخصيات ثقافية وفنية لرسم سياسات اقتصادية واجتماعية مستقبلية للبلاد. وقال “هذا يثبت الطابع الشكلي والصوري الذي ينتهجه الرئيس تجاه المسألة الاقتصادية والاجتماعية”.

بدوره عبّر القيادي بحزب التيار الديمقراطي العربي الجلاصي للجزيرة نت، عن رفضه المشاركة بلجان استشارية “قراراتها غير ملزمة وتسعى لإضفاء شرعية مزيفة على مشروع الرئيس”، منتقدا أيضا تشكيل لجنة استشارية من أعضاء “لا كفاءة لهم” في الاقتصاد والمالية، على حد وصفه.

 

 

ما رأي الأطراف المشاركة بأعمال اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية؟

وافقت عدة شخصيات ومنظمات وأحزاب سياسية على المشاركة في أعمال اللجنة الاستشارية على غرار الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك حزب حركة الشعب والتيار الشعبي وحركة النضال وغيرها.

تقول رئيس الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي للجزيرة نت، إن قبول الاتحاد المشاركة في اللجان رغم إدراكه طبيعتها الاستشارية ناجم عن سعيه ليكون “حارسا” لحقوق وحريات المواطنين ولا سيما النساء اللاتي يعانين من التمييز وانعدام تكافؤ الفرص في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفق رأيها.

وتعتقد الجربي جازمة أن المقترحات التي ستقدم خلال أعمال اللجان الاستشارية لن تكون مجرد رأي يُترك جانبا وإنما ستكون مؤثرة في مخرجات أعمال اللجان، مفيدة أن اتحاد المرأة سيشتغل وفق مسؤوليته وضميره في الدفاع عن النساء ولن يجبره أحد على كتابة أشياء لمصلحة شخص أو حزب سياسي.

وأضافت أن مهمة اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية الاجتماعية ليس كتابة برنامج اقتصادي للدولة وإنما بلورة سياسات عامة لتكريس الحقوق والحريات.

بدوره، قبِل الناشط السياسي أحمد الكحلاوي المشاركة باللجان الاستشارية “باعتبارها مدخلا مفتوحا لمختلف مكونات المجتمع للإدلاء برأيهم حول مضامين الدستور الجديد”، مؤكدا أنه لا نية للرئيس للاستحواذ على السلطة وإنما تصحيح مسار البلاد التي تردت أوضاعها بشكل خطير خلال العقد الماضي، وفق قوله.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *