نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية (Foreign Policy) تقريرا عن الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، يقول إن التكنوقراطي الذي كان يظهر سلوكا لطيفا وحبا للتكنولوجيا وودا للغرب، تحوّل إلى صقر حرب مجنون.
ونقلت كاتبة التقرير إيمي ماكينون مراسلة المجلة لشؤون الأمن القومي والاستخبارات، عن محللين، أن ميدفيديف يتطلع إلى تغطية ظهره ودعم مستقبله السياسي مع بدء الاضطرابات الداخلية التي أحدثتها الحرب الروسية على أوكرانيا بالظهور، والتكهنات حول صحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصاعد مستمر.
ونسبت إلى مارك غاليوتي الزميل بمعهد رويال يونايتد للخدمات بالولايات المتحدة، قوله إن “هناك الكثير من القلق بين النخبة السياسية الروسية، حتى بين الذين يُعتبرون تحت حماية بوتين. بالنسبة للبعض، هذا يعني البقاء بعيدا عن الأنظار، وبالنسبة للبعض الآخر، يستوجب التظاهر بأنهم صقور. لكن كل هذا ينبع من الإحساس العام بأن الشتاء قادم ولا أحد يعرف كيف سيكون”.
رسائل تهديد لأميركا
وأوردت أن ميدفيديف بدأ يميل هذه الأيام إلى استخدام تويتر ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى لنشر رسائل شائنة حول المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، بالإضافة إلى توجيه تهديدات مستترة لمهاجمة الولايات المتحدة ومسح أوكرانيا من الخريطة. ففي منشور على تلغرام يوم الاثنين، قال إن على الولايات المتحدة أن تتوسل إلى روسيا لاستئناف مفاوضات الحد من التسلح. وكتب: “دعهم يركضوا أو يزحفوا إلى الخلف ويطلبوا ذلك”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، قبل وقت قصير من بدء روسيا تعزيز وجود قواتها على طول حدودها مع أوكرانيا، نشر ميدفيديف مقالا في صحيفة كوميرسانت الروسية، تضمن نظريات مؤامرة وازدراء زعماء أوكرانيا. وفي مقطع مليء بإيحاءات معادية للسامية، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي -وهو يهودي- بأنه مدين للنازيين.
وقالت ماكينون إن التهديدات بالحريق أصبحت هي القاعدة من قبل كبار المسؤولين الروس والمضيفين على التلفزيون الحكومي الروسي، ولكن حتى بهذه المعايير، أثارت ملاحظات ميدفيديف -الذي كان ذا سلوك لطيف- الدهشة.
روسيا تهديد وجودي لأوروبا
واستمرت تقول إن انحدار الرئيس السابق إلى حالة من الغضب الشديد ضد الآلة الغربية يعكس تحول روسيا الأوسع من جار مزعج إلى تهديد وجودي لأوروبا، وربما أسوأ.
ونقلت عن تاتيانا ستانوفايا المحللة السياسية الروسية ومؤسسة “شركة آر بوليتيك الاستشارية”، قولها إن ما يجري حاليا في روسيا يُعتبر واحدة من أكبر المؤامرات في السياسة الداخلية للبلاد، ونظرا لإدراكه للصقور المحيطين، فإن من المحتمل أن تكون ثورات ميدفيديف محاولة لكسب التأييد في المناخ السياسي الجديد لروسيا، والذي أصبح أكثر تعصبا قوميا بشكل ملحوظ وغير متسامح مع المعارضة منذ غزو أوكرانيا، مضيفة أن روسيا تغيرت، ويجب على ميدفيديف أن يظهر أنه ينتمي إليها.
وذكرت ماكينون أن عزلة ميدفيديف ازدادت في السنوات الأخيرة، حيث تم اعتقال حلفائه أو طردهم إلى المنفى، مما جعله معتمدا على “بوتين الطيب”.
بعض سمات شخصيته السابقة
ولفتت الانتباه إلى أنه عندما تم تنصيب ميدفيديف رئيسا عام 2008، بعد أول ولايتين رئاسيتين لبوتين، أعاد تنشيط الآمال في روسيا والغرب بأن الإصلاح لا يزال ممكنا. فقد أظهر ميدفيديف شخصية مختلفة بشكل ملحوظ عن أسلافه. ففي عمر 42 عاما فقط، لم يكن ملوثا إلى حد كبير بالنظام السياسي السوفياتي، حيث تخرّج من كلية الحقوق قبل بضع سنوات فقط من سقوط جدار برلين. وكان يتحدث عن ضعف الديمقراطية والاقتصاد غير الفعال في البلاد، وبدا أنه يتبنى التكنولوجيا الحديثة ومتفائل بتأثيرها الإيجابي الذي يجتاح العالم.
وأشارت إلى سعي الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وانفتاحه على روسيا بقيادة ميدفيديف، وإلى “إعادة ضبط” علاقة البلاد مع موسكو، حيث سافر إلى موسكو خلال سنته الأولى في المنصب.
كذلك نسب التقرير إلى يوجين رومر مدير برنامج روسيا وأوراسيا التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله إن ميدفيديف تراجع منذ سنوات عن دوره كشخصية سياسية مستقلة عن بوتين، ونسب إلى تاتيانا ستانوفايا قولها إن ميدفيديف يقاتل من أجل مكانه المستقبلي في روسيا ما بعد بوتين.