ضحى عبد الخالق

تنظم بيئة العمل الفاعلة قاعدة قانونية عامة مفادها بأن كل إضرار بالآخرين يلزم فاعله بتعويض الضرر، وهي قاعدة لو تم تطبيقها أثناء حركة العمل اليومية، لما ارتكب إنسان أي فعل قد يفضي الى الأذى ولأصبح البشر أكثر وعيا وإتقانا لكل ما يقوم به ومتحسبين لأنهم سيكونون مجبرين بلحظة ما على التعويض.

فعندما التزم مواطن في العالم الآخر بألا يقطع حبل السير أو يحدف بالزجاج أو بألا يقتل كلب جاره لصوته المزعج، فهذا لأن دية الأخير باهظة!.

وبالواقع هم لا يديرون بيئة الأعمال بشكل أفضل لأنهم يمتلكون ضميراً أعلى أو حساً أو أخلاقا أرفع، لكن التطبيق الصارم لديهم لحدود المسؤولية وكلفة التعويض يجبر الإدارات على التفكير بسلامة الإجراءات خطوة بخطوة حتى آخر شخص وإجراء بسلسلة الإنتاج. وتدربهم على مراجعة التطبيقات وتقييم المخاطر ودراسة الأثر، قبل القيام بأي عمل وأثناء القيام بأي عمل وبعد الانتهاء منه، حتى لحظة التسليم.

لا تسعى القاعدة الى الانتقام أو إنشاء مجتمعات فاضلة خالية تماماً من الأخطاء، لكن تدير قضية المسؤولية بعد تأمين التغطية.

فلو حدث أن مات أبرياء في ميناء باليابان، على سبيل المثال، لاستقال المسؤول هناك طوعاً، ولن يتمكن أي شخص أصلاً من قبول حادث مفضٍ الى الضرر بل البعض عندهم قد انتحر بسبب حوادث شبيهة، ولكن هذا تطرف!

في حين أن المجتمعات الأقل تعقيداً تنزع الى الشخصنة والتبسيط وإلى القدرية عكس الاحتكام الصارم لقاعدة المسؤولية لتحديد من المسؤول بالضبط؟ وبلا وجل.

حادثة ميناء العقبة هي حادث من بين آلاف الحوادث التي تقع بالعالم بشكل يومي، ليست الأولى أو الأخيرة، وتقوم الآن ثلاث شركات تأمين محلية بالتغطية توزعت فيما بينها بوالص التأمين المتعددة بكلف الخسائر الواقعة إما على الأشخاص، أو على الممتلكات، أو على الآخرين.

كما وتقوم الدولة بالتحقيق، والمؤسسات ويقوم معيدو التأمين من شركات انجليزية وألمانية بالتحقيق. وحتى مواقع التواصل قامت بالتحقيق؛ حيث لاحظنا التصريحات التي تم تداولها مبكراً وتأثيرها على مركز المؤمن عليهم عندما يتم الإقرار مسبقاً بوجود الإهمال المفضي قبل صدور تقرير الادعاء العام.

في حادثة ميناء العقبة تحول الجمهور كله الى مدعٍ عام، وإلى مخمن أضرار أيضاً cost adjusters، ما يضعف بالعادة من المركز المالي للمؤمن عليه عند المطالبة بسقوف التعويضات العليا.

الدرس المستفاد من حادثة ميناء العقبة تلخص بالسؤال الجمعي من قبل جمهور قلق ومتعاطف، عن من الذي يتحمل هذا؟ ومن يعوض من؟. وخسارة من هي بالواقع؟. وفي محور مسؤولية التابع عن متبوعه، كيف سيتعامل المسؤول لدينا مع حال الموت والمرض والتعطيل والإعاقة الناجم عن الإدارة العامة بقصد أو بإهمال أم بغيره؟.

كما ونتوقع ازدياداً بقضايا التعويضات العامة (أمانة، بلديات، إدارة منشأة، أشغال وطرق، أخطاء مهنة، حوادث، عطل وضرر والضرر المعنوي)، كما وأتنبأ بقدوم ظاهرة الدعاوى الجماعية الى الأردن class action law suites وسيقود ذلك حتماً النقابات المهنية، ولهذا التأمين مهم. الحقيقة هي أن العالم من حولنا قد تغير ومعه كل التوقعات.

وسيأتي يوم تطلب فيه بوليصة التأمين لدينا على أصابع اليدين، (ولهذا دلالة خاصة إن كنت عازفاً على البيانو وكانت هي المهنة ومصدر الدخل)، وسنستشير المحامين قبل الحديث أو الحركة أو التوقيع على أي قصاصة وقبل المباشرة بأي إجراء، ما سيلزم الإدارات على التعامل مع مسألة إدارة المخاطر بطريقة استباقية.

اليوم ستقوم شركات التأمين بدفع التعويضات برداً على كل متضرر، لا بسلام على أي مقصر لأنه لن توجد بوليصة ستقدر على تعويض عائلة فقدت قبطان سفينتها!. وكل حادث لا يشمله التغطية التأمينية المناسبة، سيتحول لدينا اليوم و(بالعامية) الى دمار وخراب بيوت أيضاً. لكل هذه الأسباب التأمين مهم.

المقال السابق للكاتبة 

حدث في العام 1974

[wpcc-iframe class=”wp-embedded-content” sandbox=”allow-scripts” security=”restricted” style=”position: absolute; clip: rect(1px, 1px, 1px, 1px);” title=”“حدث في العام 1974” — جريدة الغد” src=”https://alghad.com/%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85-1974/embed/#?secret=gEsojVR43w%23?secret=Dog5liNbnl” data-secret=”Dog5liNbnl” width=”600″ height=”338″ frameborder=”0″ marginwidth=”0″ marginheight=”0″ scrolling=”no”]

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا