‘);
}

بلاغة القرآن الكريم

بُعث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رسولاً إلى قومه، وهو منهم وينتسب إليهم، يعرفونه ويعرفون صدقه وخُلقه، حتى إنّه لُقّب بالصّادق الأمين قبل بعثته، لكن ما أن جاء قومه بالبيّنات والتوحيد حتى استنكروا عليه ذلك، ورفضوا الانضمام إلى دعوته، ولم يكن ذلك تشكيكاً بصدقه أو أخلاقه، بل كان تكبّراً، وفجوراً، وابتعاداً عن التوحيد؛ رغبةً في البقاء على ما اعتادوا عليه من عبادة الأصنام وتقديسها، ولا شكّ أنّه يُضاف إلى ذلك رغبة بعضهم بالبقاء سادةً لأقوامهم مسيطرين على القبائل والأموال والتجارة ظلماً وجوراً، فالإسلام كان يساوي بين العبد والحرّ، الغنيّ والفقير، وهذا شيءٌ مستهجنٌ عند بعض السّادة في القبائل.

وقد كان من المُشركين الذين اعترفوا بصدق رسالة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأثنوا عليها لكنّهم لم يقبلوا الدخول في دينه: الوليد بن المغيرة، فقد أتى النبيّ يوماً فاستمع إلى القرآن الكريم، فرقّ قلبه له، وذهب إلى أبي جهل، فعرف أبو جهل أنّه مال إلى ذكر الله، فتوجّه إليه، وحاول ثنيه عن أيّ محاولةٍ للدخول في الإسلام؛ بأن عرض عليه المال ليصرفه عن ذلك، ثمّ فكّر معه بقولٍ يقال في النبيّ؛ حتى يصرف عنه الناس، فقال الوليد: (وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنّه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلمّا فكّر قال: هذا سحر، يؤثر يأثره عن غيره).[١]