معتقدات الوالدين الطبية قد تسبب إساءة لأطفالهم

يتمتع الوالدان بدرجة عالية من الحرية في اختيار نوع الرعاية الطبية التي يتلقاها طفلهم، لكن رفضهم منح الرعاية له يؤدي بهم أحياناً للوقوع في الإهمال.

حُكم في أوائل هذا الشهر على زوجين من ولاية أوريغون، يؤمنون بالعلاج عن طريق الإيمان (الرُّقية)، بالسجن لمدة ست سنوات، بسبب تهمة جنائية متعلقة بموت طفلتهم جينيفر الحديثة الولادة في العام الماضي.

سارة وترافيس ميتشل، هما عضوان في جماعة دينية اسمها أتباع كنيسة المسيح، وهذه الجماعة تتبنى العلاج عن طريق الإيمان وترفض الطب الحديث.

وكانا خامس الأزواج التابعين لتلك الكنيسة، ممن حوكموا إثر مواجهة تهمٍ جنائية على مدى السنوات التسع السابقة، بسبب رفضهم اللجوء إلى علاج أطفالهم طبياً، وذلك وفقاً لجريدة واشنطن بوست.

في الولايات المتحدة، يمكن للبالغين رفض أي علاج طبي، طالما أنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، لكن يصبح الأمر معقداً عندما يرفض الآباء معالجة أطفالهم، وخاصة حين يلعب الدين دوراً في قرارهم.

قال إفثيميوس باراسيديس “Efthimios Parasidis”، وهو طبيبٌ شرعيٌّ، وأستاذٌ في القانون والصحة العامة في جامعة ولاية أوهايو في كولومبوس، أوهايو: ” إنَّ الولايات المتحدة تحترم الحرية الدينية، لدرجة أنها مستعدة حتى لمنح الوالدين حق رفض العلاجات المنقذة لحياة أطفالهم، إذا استطاعا إثبات وجود انتهاكٍ لأحد معتقداتهم الدينية في حال قبولهم بالعلاج.”

الأديان المختلفة والعلاج الطبي

إنَّ أتباع كنيسة المسيح ليسوا وحيدين في رفض العلاجات الطبية بسبب معتقداتهم الدينية، فالعلماء المسيحيون وشهود يهوه يرفضون ذلك أيضاً بدرجاتٍ متفاوتة.

لكنَّ آرثر كابلان “Arthur Caplan”، وهو دكتورٌ في الفلسفة، وأستاذٌ في الأخلاقيات البيولوجية في كلية الطب في جامعة نيويورك، يقول أنه لا يمكنك التحقُّق دائماً من ما سيختاره الوالدان لأطفالهم اعتماداً على معتقداتهم الدينية.

ويوضح ذلك قائلاً: ” يسمع الناس أحياناً أنَّ أحداً ما  ينتمي إلى شهود يهوه أو العلماء المسيحين أو اليهود الأرثوذكس، ويبدأون بوضع الفرضيات حول ما سيسمح أو يقبل به، لكنني أعتقد من خلال خبرتي، أنَّ ذلك ليس صحيحاً.”

الأهل الذين يرفضون العناية الطبية لأنفسهم يمكن أن يسمحوا بها لأطفالهم، ويمكن لبعض الآباء أن يرفضوا الرعاية الطبية لأطفالهم في الحالات المرضية الأقل خطورة، ولكن قد يقبلوا بها في الحالات الأكثر خطورة.

كما أنَّ كابلان حذرٌ أيضاً من إطلاق الأحكام الشديدة القسوة على الوالدين بسبب اتباعهم لمعتقداتهم الدينية، ويقول: ” يجب أن نراعي أنَّ الأهل يحاولون أن يفعلوا ما هو أفضل لأطفالهم، فهم لا يفعلون ذلك لأنهم يكرهون أطفالهم أو يريدون أذيتهم.”

قوانين الولايات تتفاوت حول الإعفاءات الدينية

يُقرِّر قانون الولاية ما إذا كان قرار رفض العلاج الطبي للطفل لأسباب دينية، يعتبر قانونياً بأنه إهمال، أو ما يعرف أحياناً بالإهمال الطبي.

ولاية أوريغون هي إحدى الولايات القليلة، التي لا تسمح بالإعفاءات الدينية من الإتهامات الجنائية أو المدنية المتعلقة بالإهمال الطبي للأطفال.

لكن في العام المنصرم، منحت 43 ولاية نسبة معينة من الإعفاءات للأهال الذين منعوا الرعاية الطبية عن أطفالهم لأسبابٍ دينية، وذلك وفقاً لمنظمة CHILD USA.

في هذه الولايات، إذا رفض أحد الوالدين الرعاية الطبية لطفله، واختار بدلاً منها الاكتفاء بالعلاج الرُّوحي فقط، فلا يُعتبر الطفل “مُهملاً” بموجب القانون، حتى لو تأذى أو مات.

تختلف القوانين بين الولايات، ولكن هنالك تسعة ولايات لديها إعفاءات دينية للإهمال، أو الانتحار، أو القتل غير المُتعمَّد، أو جريمة القتل العمد. والولايات التسع هي: أركنساس، أيداهو، آيوا، أوهايو، لويزيانا، ميسيسيبي، فرجينيا، واشنطن، وفرجينيا الغربية.

تُعتبر عدد حالات الإهمال الطبي المتعلقة بالدين قليلة، مقارنة بالأنواع الأخرى لممارسات الإهمال والإساءة للأطفال التي تحدث في البلاد، ولكن المدافعين عن حقوق الأطفال مازالوا قلقين.

تقول ريتا سوان “Rita Swan” المؤسسة المساعة لمجموعة رعاية الأطفال الصحية واجب قانوني “Children’s Healthcare Is a Legal Duty”: ” الإهمال الطبي بسبب الإيمان، هو النوع الوحيد من أنواع الإهمال والإساءة للأطفال الذي يحميه القانون فعلياً في الكثير من الولايات.”

كتبت سوان مذكرات بعنوان “الفراولة الأخيرة “The Last Strawberry” حول وفاة ابنها عام 1977 نتيجة الاعتماد في شفائه على الأطباء المنتمين لجماعة العلم المسيحي.

إنَّ مدى الإهمال الطبي المرتبط بالدين في الولايات المتحدة غير معروف، ويُعزى ذلك جزئياً إلى السجلات غير المكتملة، وعدم الإبلاغ عن العديد من الحالات.

على الرغم من ذلك، قام المدافعون عن حقوق الأطفال بتوثيق 185 حالة من حالات وفيات الأطفال، وحالات ولادات الأجنة الميتة، في عائلاتٍ تابعة لولاية أيداهو تؤمن بمعتقداتٍ دينية معارضة للرعاية الطبية، مُنذ أن قامت أيداهو بتشريع إعفاء الشفاء الإيماني في السبعينيات.

قالت سوان: ” تُعتبر ولاية أيداهو بأنها الأسوأ في الدولة، ليس فقط بسبب قوانينها السيئة جداً، بل لأنَّ فيها الكثير من الأشخاص المؤمنين بالمعتقدات الدينية المعارضة للرعاية الطبية. ”

إنَّ الدين ليس سوى واحد من عدة أسباب قد يتبناها الآباء لمنع طفلهم من الخضوع للعلاج الطبي، فالمخاوف المتعلقة  بالسلامة والتفضيلات الشخصية تلعب دوراً أيضاً.

لكن كابلان يشير إلى أنَّ المجتمع الأمريكي، يميل إلى أن يكون ” أكثر تعاطفًا بقليل ” عندما يرفض الآباء الرعاية الطبية لأطفالهم لأسباب دينية، لكنه لا يرى في الواقع ” فرقاً كبيراً ” بين ذلك وبين الرفض لأسبابٍ أخرى.

قالت بيت بوتومس “Bette Bottoms”، وهي دكتورة فلسفة، وأستاذة في علم النفس والقانون، وعميدة كلية الشرف في جامعة إلينوي في شيكاغو، “حتى في الولايات التي يوجد فيها إعفاء ديني، لا يزال بإمكان المحاكم التدخل وطلب الرعاية الطبية إذا ارتأت أنَّ الطفل يواجه خطر الموت “.

وأضافت: ” في كثير من الأحيان لا يلاحظ الناس الإهمال، لذا في هذه الحالات لا يمكن للمحاكم حتى أن تتدخل، لأنها لا تعرف متى حدث الإهمال.”

متى يصبح رفض الرعاية إهمالاً؟

في هذا البلد، يتمتع الآباء بحرية كبيرة في تحديد الرعاية الطبية لأطفالهم، لذا لا يمكن التحديد بدقة متى يتحول رفض نصائح الرعاية إلى حالة إهمالٍ طبي.

وقال باراسيديس: “من المستحيل وضع قاعدة واضحة يمكنها استنباط نتيجة مثالية في كلِّ الظروف”.

تعتقد بوتومس أنَّ الأمر يعتمد على نوع العلاج الذي تمَّ رفضه.

قالت بوتومس: “يحدث الإهمال الطبي بمجرد أن يكون لديك طفلٌ يعاني من مرضٍ نعرف كيفية علاجه من خلال العلوم الحديثة، ولكن بدلاً من ذلك يختار الوالدان عدم علاجه على الإطلاق، أو الاكتفاء بعلاجه بطريقة ما مثل الصلاة.”

يقول كابلان أنه بدلاً من وضع قاعدة واضحة، يمكن للأطباء والمحاكم الاعتماد على عدة معايير لتحديد الوقت الذي يتوجب فيه على الدولة أن تتدخل.

قد تكون المحاكم أكثر ميولاً للتدخل إذا كان العلاج الذي يرفضه الآباء مُثبتاً ومُعتمداً، مثل الأنسولين لمرض السكري أو المضادات الحيوية لالتهاب السحايا.

يقول كابلان: “لا يمكن السماح للآباء بالتضحية بأطفالهم عندما تتوفر علاجاتٌ معروفة، مهما كانت أسبابهم، ويضيف: ” لكن الآباء يحظون بمزيدٍ من حرية التصرُّف عند عدم إثبات فعالية علاج ما.”

الاستعجال مهم أيضاً، فيقول باراسيديس: ” إذا كان هناك تهديداً وشيكاً لحياة الطفل، فهذه القصة تختلف تماماً عن الرَّغبة في إعطاء الطفل لقاح التهاب الكبد  B”. ويضيف أنَّ هذه الحالات لا تتعلق فقط بما يقوله الأطباء والأخصائيون الاجتماعيون ، ولكن بما يقوله الدين أيضاً، ويوضح ذلك قائلاً: “في المحكمة، ترى قضاة يلجؤون فعلياً إلى استدعاء الزعماء الدينيين، ويسألونهم أسئلة محددة حول موقف دينهم تجاه التدخلات الطبية “.

ومن ثمَّ يوجد عامل العمر، إذ يقول قال كابلان: ” لنفترض أنَّ الولد يبلغ من العمر 17 سنة، فهذا يعني أنه ليس بالغاً من الناحية القانونية، ولكنه قادرٌ في الغالب على المشاركة باتخاذ القرار، مما يمنحه دوراً في ما يحدث “.

بناءً على هذه المعايير وغيرها، يمكن اتخاذ القرار الأنسب.

هل قوانين الإعفاء الديني فعالة؟

إنَّ قوانين الإعفاء الديني لا يتَّفق عليها الجميع. تُواصل سوان وغيرها من المدافعين عن حقوق الأطفال الضَّغط على الولايات من أجل إلغاء قوانين الإعفاء الديني، كما فعلت ولاية أوريغون في عام 2011.

تقول سوان: ” أعتقد أنَّه بدلاً من ذلك، يجب أن تسن الدولة قوانين تفيد بوجوب تقييم حالة جميع الأطفال من قبل المجتمع، ويجب أن يحمل الآباء مسؤولية تأمين حاجات الحياة الأساسية لأطفالهم، بغضِّ النظر عن معتقداتهم الدينية. “، ويشمل ذلك الرعاية الطبية.

يعترف باراسيديس بأنَّ النظام الحالي في العديد من الولايات ليس “مثالياً”، لكنه يعتقد أنه أفضل من الحظر التَّام للإعفاءات الدينية من أجل الرعاية الطبية.

قال باراسيديس: ” تحاول قوانين الإعفاء خلق توازن جيد “، وأضاف: ” إذا كان الأطباء متحيزين بشدة لوضع الطفل، وتحيزت له أيضاً خدمات رعاية الطفل الحكومية، فيمكنهم عندئذٍ الذهاب إلى المحكمة وترك القرار لها “.

ويقترح أنَّه من الأفضل أن تُزوَّد المستشفيات وخدمات رعاية الطفولة بالمزيد من التوجيهات، حول كيفية التعامل مع طلبات الإعفاء الديني، وعلى ضوء ذلك من  الممكن أن يوافق كابلان على الإعفاءات.

ويقول كابلان: ” أعتقد أنَّه من الأفضل التعامل مع حالة الطفل في الأوساط الطبية، ومن الأفضل أن يأخذ أطباء الأطفال ومجتمعاتهم ولجان الأخلاقيات دورهم في هذه القضية”. ويضيف: ” لا أرى أنَّ الهيئة التشريعية للولاية مفيدة للغاية، فالقائمين عليها ليسوا كفوئين في ممارسة الطب، وهذا هو الحال ببساطة “.

لكن قضايا المحكمة والخيارات التشريعية، ليست النَّهج الوحيد، إذ يقول باراسيديس: ” أعتقد بحسب خبرتي، أنَّه من غير المرجح أن تلجأ الجهات المعنية برعاية الطفولة، إلى محاكمة الأهل أو توجيه اتهاماتٍ لهم بالإهمال الطبي، إذا استطاعت هذه الجهات إيجاد طريقة ألطف للتعامل معهم “.

يقول كابلان أنَّه في بعض الأحيان ينجح الأطباء في إقناع الآباء بالسماح بالعلاج الطبي التقليدي لطفلهم، إلى جانب الصلاة أو الطب البديل.

وحتى إذا ألغت المحكمة قرارات الوالدين، إلا أنَّ كابلان يشير إلى أهمية الحفاظ على علاقة جيدة مع الوالدين، ويوضح ذلك قائلاً: ” من الضروري تعزيز دور الوالدين لأنهم المسؤولون الرئيسيون عن الطفل، فهم سيرافقونه لبقية حياته، أما الفريق الطبي فلن يفعل ذلك.”

Source: tababah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *