من بين كافة المدن الواقعة تحت القصف.. لماذا شُبهت ماريوبول الأوكرانية بحلب السورية؟

يعتبر الوضع في مدينة ماريوبول جنوب شرق أوكرانيا الأكثر مأساوية مع استمرار القصف عليها من عدة جهات، وبحسب مسؤولين أوكرانيين فإن حجم العنف الذي تتعرض له المدينة يأتي “انتقاما” من حجم المقاومة فيها.
A view shows the besieged city of Mariupol
أحد المباني المدمرة بالقصف الروسي في ماريوبول (رويترز)

كييف- كثيرة هي المدن الأوكرانية الواقعة تحت الحرب الروسية قتلا ودمارا، يشمل المباني السكنية والبنى التحتية والمرافق الحيوية، ومئات الضحايا وآلاف المصابين وملايين النازحين أو العالقين.

لكن الوضع في مدينة ماريوبول جنوب شرق أوكرانيا يعتبر الأكثر مأساوية، مع استمرار القصف عليها دون توقف من عدة جهات، ودمار أصاب -حتى الآن- نحو 90% من مساحتها البالغة قرابة 166 كيلومترا مربعا، فلم تعد صالحة للعيش، بحسب سلطاتها المحلية.

دمار أوقف عن المدينة إمدادات الماء والكهرباء والغاز والتدفئة في وقت مبكر من أيام الحرب الدائرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، والحصار الذي فرضته عليها القوات الروسية عليها زاد من معاناة مئات الآلاف من السكان، الذين تعذر عليهم النزوح كما فعل سكان مدن أخرى.

ما أهمية ماريوبول؟

وفي حين تتبادل أوكرانيا وروسيا الاتهامات حول المسؤولية عما تتعرض له المدينة، يدفع التركيز عليها إلى التساؤل حول أهمية ماريوبول بالنسبة لكلا الجانبين.

تتبع المدينة إداريا إلى منطقة دونيتسك بإقليم دونباس التي اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بها -قبيل بداية الحرب- كـ”جمهورية مستقلة”، ولهذا يعتبر الانفصاليون في دونيتسك أن معارك ماريوبول هي معارك “تحرير” من “الاحتلال الأوكراني”.

وبمينائها التجاري، تعتبر المدينة نافذة أوكرانيا الوحيدة تقريبا على بحر آزوف حاليا، بعد أن سيطر الانفصاليون وسيطرت القوات الروسية على نوافذ أخرى، وعلى منطقة خيرسون المجاورة شمال القرم.

وكذلك، تعتبر أراضي المدينة جسرا بريا وحيدا يصل البر الروسي بالقرم التي ضمتها روسيا، وحاول الانفصاليون السيطرة عليها في 2014، لكن أوكرانيا أخرجتهم منها آنذاك.

بيوت مهدمة
من صور الدمار في حلب والتي أشار مسؤولون أوكرانيون أنها قد تتكرر في ماريوبول (رويترز)

بين ماريوبول وحلب

حصار المدينة، ومعاناة السكان، وطبيعة القصف، وعرقلة النزوح، وعجز الصليب الأحمر وغيره من المنظمات عن التدخل وإيصال المساعدات، جوانب يشبهها مسؤولون أوروبيون وأوكرانيون بما شهدته من قبل مدينة حلب السورية.

وهذا يدفع بعض الأوكرانيين -على ما يبدو- إلى اعتبار أن “المأساة فرضت توأمة بين المدينتين”، بدلا عن التوأمة التقليدية، النابعة من إرادة التعاون والتطوير المشترك في فترات السلم.

وفي هذا الجانب أيضا، يشير المسؤولون الأوكرانيون إلى عمليات القصف العشوائي، وإلى إلقاء قنابل “شديدة الانفجار”، كان آخرها قبل يومين على مسرح في المدينة، آوى إليه مئات المدنيين، ما أدى إلى مقتل وإصابة “العشرات”، بينما لا تزال عمليات البحث جارية عن ضحايا وناجين تحت الأنقاض.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال -في وقت سابق- إن “روسيا قد تلجأ لتدمير المدن الأوكرانية كما فعلت في حلب”؛ والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال إن “ما يحدث في ماريوبول يشبه إلى حد بعيد ما فعلته روسيا في سوريا بشكل عام”.

ومستشار في وزارة الدفاع الأوكرانية شبّه “مصير ماريوبول تحت القصف الروسي بمصير تعرضت له مدينة حلب في سوريا”، في إشارة إلى الدمار؛ وفي وقت أكدت فيه الاستخبارات الأوكرانية -فعلا- وصول 150 من أعوان النظام السوري للقتال إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا، في ماريوبول وغيرها من المدن.

A view shows the besieged city of Mariupol
مسؤولون أوكرانيون أكدوا أن طبيعة القصف الذي تتعرض له ماريوبول مشابه لما شهدته مدينة حلب (رويترز)

انتقام من السكان “الرهائن”

وبحسب مسؤولين أوكرانيين، فإن حجم العنف الذي تتعرض له المدينة يأتي “انتقاما” من “حجم المقاومة فيها”، ومن سكانها الرافضين لـ”الاحتلال الروسي”، بدلا عن “الترحيب به”.

وفي هذا الصدد، تؤكد هيئة الأركان الأوكرانية أن قواتها كبدت نظيرتها الروسية خسائر كبيرة في المدينة، مع الاعتراف بسيطرة الأخيرة على الضواحي الشرقية.

كما تؤكد إيرينا فيريشوك، نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، أن روسيا تتعمد احتجاز مئات الآلاف من السكان كرهائن، انتقاما منهم، لأنهم يفضلون النزوح نحو باقي أرجاء أوكرانيا، بدل الانتقال إلى روسيا أو أراض يسيطر عليها الموالون لموسكو في إقليم دونباس.

هذا، وبحسب إدارة المدينة، خلّفت عمليات القصف -حتى الآن- أكثر من 3 آلاف قتيل، يدفنون في الحدائق والطرقات ضمن “مقابر جماعية”، والرقم مرشح ليفوق حاجز الـ20 ألفا مع استمرار القصف والحصار.

ولم تسفر الأيام الماضية عن نزوح سوى 30 ألفا تقريبا من السكان، في ظل تبادل الاتهام نحو قصف الممرات الآمنة التي خصصت لهذا الغرض، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من النازحين.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *