نحو 80% يعتمدون على المساعدات.. الأزمة الغذائية في اليمن تهدد بكارثة إنسانية وتقويض الهدنة

يعتمد نحو 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليونا، على المساعدات، وتصاعدت المخاوف مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، تعليق أنشطة الصمود وسبل العيش في اليمن، بدءا من شهر يونيو/حزيران الجاري.
Afaf Hussein (L), 10, who is malnourished, and her sister cook a meal in their family's kitchen outside their house in the village of al-Jaraib, in the northwestern province of Hajjah, Yemen, February 19, 2019. Afaf, who now weighs around 11 kg and is described by her doctor as "skin and bones", has been left acutely malnourished by a limited diet during her growing years and suffering from hepatitis, likely caused by infected water. She left school two years ago because she got too weak. REUTERS/Khaled Abdullah SEARCH "YEMEN HUNGER" FOR THIS STORY. SEARCH "WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES.
الطفلة اليمنية عفاف حسين (يسار) إلى جانب شقيقتها التي تطهو الطعام في قرية الجريب بمحافظة حجة شمال غرب اليمن، وتعاني عفاف (10 أعوام) من سوء التغذية (رويترز)

صنعاء- كان المشهد فوضويا أمام مكتب برنامج الأغذية العالمي في قرية بيت الغبان بمحافظة ذمار وسط اليمن، فالمئات يترقبون وصول مندوبي البرنامج لبدء عملية تسليم القمح الذي وصل قبل أيام إلى المخازن.

تسابق الرجال والنساء والأطفال من القرى المحيطة للحصول على حصتهم من المساعدات الإنسانية، فالمرة الأخيرة التي حصلوا عليها كانت في مطلع أبريل/نيسان الماضي، ما سبب لهم أزمة في الغذاء.

وسيطر الإحباط على محمد علي الذي كان يدور حول المخزن آملا في الحصول على مساعدات أخرى، فهذه المرة اقتصرت السلة الغذائية على كيس واحد من القمح وزن (50 كيلوغراما) فقط، واختفت الأصناف الأخرى.

تقول هاجر محمد، وهي مندوبة عملت متطوعة في عدد من المنظمات الإغاثية، إن تقليص برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة حجم المساعدات إلى هذا الحد سيكون كارثة على السكان الذين باتوا يعتمدون عليها بدرجة أساسية.

وتضيف للجزيرة نت، “كانت السلة الغذائية تضم 1.5 كيس من الدقيق الأبيض أو الأحمر، و4 كيلوغرامات من الفاصوليا البيضاء أو البازلاء أو العدس، وملحا، وعبوتين زيت سعة 4 لترات وكيلوغرامين من السكر”.

وتتحدث هاجر بأسى عن مصير الآلاف وتقول “الله يستر على الناس، كانت السلة الغذائية تصل على رأس كل شهر، وحاليا صارت تتأخر لأكثر من شهرين ومع ذلك لم يبقَ فيها إلا كيس القمح”.

نازحون من محافظة الحديدة يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات (الجزيرة)

نقص التمويل

والوضع ذاته في مخيمات النزوح بمحافظة مأرب، وسط البلاد، والتي تضم أكثر من مليوني نازح. فآخر قافلة من المساعدات وصلت قبل أسبوع، بعد أن توقفت في أبريل/نيسان الماضي، حسبما يقول للجزيرة نت رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين التابعة للحكومة اليمنية خالد الشجني.

ويعتمد نحو 80% من سكان اليمن، البالغ عددهم 30 مليونا، على المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، لكن المخاوف باتت أكبر مع إعلان برنامج الأغذية، تعليق جميع أنشطة الصمود وسبل العيش في اليمن، بدءا من يونيو/حزيران الجاري.

وفي تقريره الشهري الصادر مؤخرا، أرجع البرنامج ذلك إلى النقص في التمويل، واضطرابات في إمدادات الأغذية، وإلى احتياجه ميزانية تُقدر بنحو 1.5 مليار دولار لمواصلة أنشطته من يونيو/حزيران وحتى ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وقال التقرير إنه لا مفر من قطع المساعدات الإضافية خلال الأشهر المقبلة في ظل حاجته العاجلة لميزانية تمويلية تُقدر بنحو 1.5 مليار دولار أميركي.

وقال البرنامج، إن تعطل إمدادات القمح العالمية الناجم عن الصراع في أوكرانيا يهدد بتفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن، مع تصاعد أسعار القمح العالمية.

خطر يهدد الهدنة

ويتعاظم هذا الخطر مع ما أورده مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن أن وكالات الإغاثة ما تزال تشعر بالقلق من أن الأزمة الإنسانية في اليمن ستتدهور بشكل حاد في الأشهر المقبلة بسبب المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك ضعف العملة وارتفاع أسعار السلع بسبب حرب أوكرانيا.

وقال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة إن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2022 ممولة بنسبة 26% فقط، مما يجبر البرامج الأساسية على التقليص أو الإغلاق تماما، وهو ما يعرض حياة الملايين للخطر.

وأضاف الشجني للجزيرة نت أن “قطع المساعدات سيقوّض أيضا آفاق تحقيق مزيد من التقدم السياسي، بعد كل العمل الجاد الذي بُذل في الاتفاق على الهدنة الأخيرة وتمديدها”.

لكن الشجني يقول أيضا إن الحل الأمثل هو أن تضع الوكالات الأممية برامج لتمويل سبل العيش في المحافظات التي تشهد تركّزا للنازحين، مشيرا إلى أن كثيرا من الوكالات لم تعد تعمل في مأرب.

وقال المسؤول الأممي إن “مشاريع سبل العيش ليس لها حضور في مأرب التي تأوي العدد الأكبر من النازحين”. ويضيف أن “النازحين يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، وفي حال انقطعت سيكون الوضع كارثيا وسنواجه مشكلة إنسانية كبرى، بما في ذلك انتشار سوء التغذية خصوصا في الأسر المعدمة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات”.

ويؤكد أن “عددا كبيرا من النازحين يعيشون على السلال الغذائية كمصدر رئيسي، خصوصا الأسر التي أُصيب أو قُتل معيلوها خلال الحرب”.

يمنيات يجلسن في مخيم للنازحين قرب العاصمة صنعاء (الأوروبية)

تطور الأزمة الإنسانية

  • وفق دراسة مطوّلة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (يمني غير حكومي) نُشرت في مارس/آذار، لم يشهد اليمن مجاعة بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، والذي يعني عدم القدرة المطلقة على الوصول إلى الغذاء لمجموعة سكانية بأكملها أو مجموعة فرعية من السكان، مما قد يتسبب في الوفاة على المدى القصير.
  • وقبل بدء النزاع، كان يُعتقد أن ما يقرب من 15 مليون شخص بحاجة إلى دعم إنساني.
  • في عام 2017 صُنف نحو 17 مليون يمني على أنهم يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
  • أواخر 2017، بعد أن شدد التحالف بقيادة السعودية على الحركة في موانئ اليمن البرية والجوية والبحرية، حذّرت الأمم المتحدة من أكبر مجاعة شهدها العالم منذ عقود عديدة قد تؤدي إلى موت الملايين.
  • في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بدأت الأمم المتحدة في الإشارة إلى حالة الأمن الغذائي في اليمن على أنها مجاعة محتملة.
  • في عام 2020 قالت الأمم المتحدة إن 13.5 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، رغم استمرار المساعدات الغذائية الإنسانية.

نازحون بلا مساعدات

يكابد فارس المسعودي، وهو نازح في مخيم بمدينة الخوخة، غربي اليمن، مصاعب الحياة التي لا تنتهي، بينما فاقمت الإجراءات الجديدة لبرنامج الأغذية العالمي من معاناته.

ويقول للجزيرة نت “نحن ما (لا) نقدر نعيش (نستطيع البقاء) إلا على المساعدات المقدمة لنا، وإذا وقفوها (أوقفوها) علينا سنكون أمام محنة كبيرة.. ليس لدينا أي مصدر غذائي آخر”.

وفي الوقت الذي كان المسعودي يتحدث، كان مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله السعدي -خلال لقائه مع المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بمعالجة أوضاع النزوح الداخلي، روبرت بيبر، الجمعة- يدعو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود في إيصال المساعدات لـ3 ملايين نازح.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *