أحمد الدباغ-الجزيرة نت
سجل العراق خلال الشهرين الماضيين عشرات الهجمات التي شنها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في محافظات الأنبار (غرب) وصلاح الدين وكركوك ونينوى (شمال) وديالى (شرق) أدت لقتل وجرح العشرات أكثرهم من القوات الأمنية، مما أعاد الحديث عن عودة نشاط مقاتلي التنظيم وامتلاكهم زمام المبادرة مرة أخرى بعد نحو ثلاث سنوات من استعادة القوات العراقية السيطرة على جميع المدن التي احتلها التنظيم.
وتأتي هذه الهجمات تزامنا مع انسحاب القوات الأميركية من نحو 12 قاعدة في مختلف المحافظات، وانكفاء وجودها في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار وقاعدة حرير بأربيل.
الجيش قادر
يؤكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية اللواء تحسين الخفاجي أن تصاعد العمليات “الإرهابية” ضد القوات العراقية جاء بعد سلسلة ضربات مؤلمة تلقاها تنظيم الدولة، وأن الأخير ليس لديه القدرة على المكوث في أي موقع لأكثر من 20 دقيقة.
وعن الاستهداف الأخير لمقاتلي الحشد الشعبي في منطقة مكيشيفية بمحافظة صلاح الدين فجر السبت الماضي، أكد الخفاجي للجزيرة نت أن الاستهداف نجم عنه مقتل عشرة عناصر من الحشد وجرح آخرين، في حين أشار إلى أن العمليات العسكرية في نينوى والأنبار وديالى لا تزال مستمرة واستطاعت القوات العراقية تحييد العديد من مقاتلي التنظيم ومصادرة أسلحتهم ومعداتهم خلال الأسابيع الماضية.
ونفى الخفاجي أن تكون القوات العراقية قد تأثرت بانسحاب القوات الأميركية، مؤكدا أن سلاح الجو العراقي وطائرات أف 16 لا تزال تعمل بكل كفاءة مع وجود الذخيرة اللازمة والصيانة المستمرة من الكوادر العراقية.
أما عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عن تحالف الفتح كريم عليوي فعزا تصاعد نشاط التنظيم إلى الخلاف السياسي بين الأحزاب العراقية، وأن واشنطن سمحت مؤخرا لتنظيم الدولة بعودته للنشاط المسلح وذلك للضغط على السياسيين العراقيين لتشكيل الحكومة، منوها إلى أن التنظيم يستغل الوضع الاقتصادي وفيروس كورونا في تصعيد هجماته.
للانسحاب تأثير
من جانبه، عزا القيادي في التيار الصدري والرئيس الأسبق للجنة الأمن والدفاع البرلمانية حاكم الزاملي تصاعد هجمات التنظيم إلى تأثر المؤسسة العسكرية العراقية بالتغييرات والتجاذب السياسي، وإلى أن هذه المؤسسة باتت تشهد تدخلا كبيرا من خلال الجذب الحزبي لترشيح بعض القيادات للمناصب الأمنية، مما أدى إلى فساد بعضها وانشغالها بتهريب النفط وجمع الإتاوات.
ويمضي الزاملي في حديثه للجزيرة نت ليشير إلى أن انسحاب القوات الأميركية من المناطق المهمة أثر بشكل كبير على الوضع الميداني من ناحيتين، إحداهما اعتماد العراق على الدعم الجوي والرصد والمراقبة الأميركية مع إغفال الحكومة العراقية بناء منظومة أمنية متكاملة.
وأضاف أن طائرات أف 16 ودبابات الإبرامز العراقية تعتمد في صيانتها وتسليحها على أميركا، وأن العراق بما أنه لم يضع شروطا وقيودا في عقود التسليح والتجهيز مع واشنطن بغض النظر عن بقاء قواتها أو انسحابها، فإنه بات رهينا للدعم الأميركي.
ويعتقد النجيفي أن نشاط التنظيم سيتصاعد مع انسحاب القوات الأميركية، إذ كانت واشنطن تتشارك مع بغداد في المعلومات الاستخباراتية والدعم الجوي، وأنه لا يمكن الاعتماد على المجاميع الاستخباراتية العراقية التي تعمل في كثير من الأحيان على مهمة ملاحقة الخصوم السياسيين، بحسبه.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، يلفت إلى أن العراق قد يمر بأيام “صعبة” الصيف القادم، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور واستمرار التمحور الإيراني الذي يساهم في عدم حصول العراق على دعم التحالف الدولي، وفق النجيفي.
جاهزية الجيش
ورغم أن العراق يمتلك موارد بشرية كبيرة في منظومته الأمنية، فإن الخبير الأمني هشام الهاشمي وفي حديثه للجزيرة نت يؤكد أن الانسحاب الأميركي أثر في الجاهزية العراقية في تقنيات تفتقدها بغداد كالتجسس والمراقبة الجوية والاتصالات والاستخبارات وسلاح الجو.
ويضيف الهاشمي أن ذلك أدى إلى ظهور الكثير من المناطق الهشة التي لا يستطيع العراق التحرك تجاهها كما قبل الانسحاب، مؤكدا أن التنظيم يرى أن ما هزمه في أرض التمكين هو دور التحالف الدولي العملياتي وليس القوات العراقية.
ويذهب في هذا الطرح الباحث الإستراتيجي معن الجبوري الذي يؤكد أن الانسحاب ألقى بظلاله على الوضع الأمني في البلاد، خاصة أن الجيش العراقي بعد 2003 يعتمد في عتاده وتدريبه على أميركا.
وأضاف الجبوري في حديثه للجزيرة نت أن الولايات المتحدة كانت عاملا كبيرا في مساندة العراق على الصعيد التكميلي واللوجستي وفي تحرير المدن، وأن الانسحاب استثمره تنظيم الدولة في التحرك بحرية أكبر.
ويرى أن التنظيم لم ينته في 2017، وإنما قُضي على دولة الخلافة فقط، ليعود مقاتلوه مرة أخرى إلى الصحارى والكهوف ليستأنفوا نشاطهم السابق.
ويتخوف العراقيون من تصاعد هجمات ونشاط التنظيم إلى ما كان عليه قبيل سيطرته على مساحات شاسعة من العراق في يونيو/حزيران 2014.