
نادين النمري
عمان – تنبه قضية الفتى المتسول الذي تم ضبطه الأسبوع الماضي وتبين لاحقا وجود تهمة جريمة قتل بحقه، الى ضرورة تفعيل برامج التأهيل والرعاية اللاحقة للأطفال المتسولين لحمايتهم من الانجراف الى عالم الجريمة.
ورغم عدم توضيح حيثيات الجريمة المتهم بها هذا الفتى لكن ما توصلت له “الغد” من معلومات تبين أن الحدث والذي يمتهن التسول منذ فترة مشتبه به بارتكاب جريمة قتل بالاشتراك مع بالغين، لتذكر هذه الحالة بقضية قاتل الطفلة نبال ذات السبع سنوات، والتي تبين لاحقا أنها قتلت على يد حدث عمره 17 عاما وهو من ممتهني التسول والنبش في النفايات.
وإن كانت قضية الفتى الذي تم ضبطه مؤخرا أو قضية قاتل الطفلة نبال وصلت حد جناية القتل، لكن سجلات المحاكم مليئة بقصص لأطفال تم استغلالهم والاتجار بهم من قبل ذويهم في أعمال التسول ونبش النفايات ليتحولوا لاحقا الى مجرمين في قضايا السرقة تحديدا.
وتشمل تعديلات مسودة قانون مكافحة الاتجار بالبشر الموجودة حاليا في مجلس النواب، بندا يعتبر “التسول المنظم نوعا من أنواع جرائم الاتجار بالبشر”، وشمل التجريم كذلك “إجبار الأطفال على العمل كباعة متجولين وغير ذلك من أشكال العمل القسري للأطفال، كالعمل بنبش النفايات”.
وبحسب آخر احصائية لوزارة التنمية الاجتماعية حول حالات ضبط المتسولين، فإنه تم منذ بداية العام وحتى منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ضبط 1690 متسولا ومتسولة 870 منهم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، أي ما يشكل نحو 52 % من اجمالي المتسولين، في حين تشكل النساء والاطفال معا نحو 90 % من المتسولين المضبوطين.
ويرى مختصون أن الخطورة في هذه الارقام تكمن في أن تسول الاطفال يعتبر نوعا من الاتجار بالبشر، بالتالي فإن الآلية التي يتم التعامل بها بتكفيل الاطفال المتسولين من قبل ذويهم وهم غالبا من مستغلي الاطفال، “لن تسهم في حماية الاطفال”، داعين الى وضع برامج تأهيل ومتابعة لاحقة لضمان الحماية لهؤلاء الاطفال.
وفي هذا السياق تقول المديرة التنفيذية لمركز تمكين للدعم والمساندة لندا كلش، إن “تسول الاطفال يعتبر شكلا من أشكال الاتجار بالبشر، وهو ما نصت عليه مسودة تعديل قانون منع الاتجار بالبشر”، لافتة الى مسودة قانون منع الاتجار بالبشر والتي اعتبرت افعال التسول للأطفال اتجارا بالبشر وشددت عقوبتها.
وتابعت كلش، “كونهم ضحايا إذن لا بد من حمايتهم من خلال برامج الادماج وإعادة التأهيل، ففي معظم الحالات، كما في دول العالم، يتحول الضحية المجبر على التسول الى تاجر بالبشر مستقبلا، أو مسخرا لتوجيه المتسولين أو اي نوع من انواع الجرائم الاخرى”.
وأضافت، “من المهم عدم وصم هؤلاء الاطفال، وإنما الإحاطة بحالته من جميع جوانبها والعمل على معالجة التحديات وتوفير برامج تدريبية وتعليمية لهم ومتابعتهم على المدى الطويل”. وأشارت الى أن “ذلك يتطلب وقف الاجراءات التي يتم التعامل بها حاليا، وتحديدا تكفيل الطفل من قبل مسخّريه وهم غالبا اسرته أو ولي امره، الى جانب اعادة النظر في مسألة الحماية والادماج والتدريب”.
من جانبه يقول مدير مديرية مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية ماهر الكلوب، إن “التحدي الابرز عند التعامل مع قضايا المتسولين وتحديدا الاطفال منهم، أن الطفل يعود بعد خروجه من دار التأهيل الى البيئة الخصبة للانحراف”، موضحا أن “هذا الطفل ينزل الى الشارع للتسول ثانية وهناك يتعرف على اشكال عديدة من الانحراف ويتحول لاحقا إما للعمل على تسخير الآخرين في التسول أو السرقة أو فرض الإتاوات”.
وأكد أن “التعاطي مع هذه المشكلة ليس امرا سهلا فحتى مع تطبيق برامج تأهيل في المراكز والرعاية اللاحقة، إلا أن الاشكالية تكمن في عدم استجابة الاسر للرعاية اللاحقة”، مشيرا الى أن “المردود المالي للتسول عال جدا، ولذلك غالبا ما ترفض الاسر إلحاق اطفالها في البرامج التعليمية والتأهيلية باعتبار اطفالهم مصدر دخل لهم”.
وللخروج من هذه الأزمة يعول الكلوب على مسودة قانون تعديلات منع الاتجار بالبشر لـ”معالجة مشكلة “المسخرين للأطفال ومستغليهم في التسول وليس توقيف الطفل فقط”.
وزاد، “ثبت عدم جدوى توقيف الاطفال لأنه يتم الافراج عنهم ليعودوا للتسول مجددا، لكن في مشروع القانون الجديد فإن عقوبات مغلظة تقع على المسخرين وفي حال تشديد العقوبات وتجفيف تواجد المسخرين والمتاجرين بالاطفال سنتمكن من محاربة هذه الآفة”.
ويلفت الكلوب كذلك الى أهمية رفع الوعي المجتمعي بضرورة عدم تقديم اي مبالغ مالية للمتسولين، لما فيه مصلحة للطفل، ويقول، “ما دام الطفل يحقق عائدا ماليا فإن “اسرته ومسخّره سيستمر باستغلاله.. رسالتنا للمواطنين لحماية هؤلاء الاطفال هي وقف اي مساعدة مالية لهم”.
جانب آخر يلفت اليه الكلوب وهو توجه يتم بحثه حاليا هو القيام بتجربة على عينة من المتسولين لسحبهم من عالم التسول.
و”بحسب الدراسات التي قامت بها وزارة التنمية تبين أن نحو 24 % من المتسولين وضعهم المالي مترد، ويمكن مثلا التعامل مع عينة من هذه الفئة وتمكينها اقتصاديا من خلال التدريب والتأهيل وتوفير مشروع انتاجي لهم شريطة أن يكونوا راغبين بذلك، اضافة الى التزامهم بشروط تتعلق بحماية اطفالهم وإدماجهم بالتعليم”، كما يقول كلوب. ويضيف، إن مشروعا رياديا من هذا النوع قد يساهم في تقليل هذه الحالات ولو بنسبة معينة فضلا عن الأثر الكبير المتوقع لتعديلات قانون منع الاتجار بالبشر.