يتميز الفنان الحروفي محمد سحنون بتجربته الرائدة في مجال الحروفيات وفن الخط العربي، ليقدم منجزا جماليا من تجربته الغنية التي مظهرت بصمته الخاصة في مجال الفن الحروفي المنحوت، حيث تناغمت أعماله بين إيقاعات الحروفيات وطابع المنحوتات، وامتزاج الخطوط العربية بأساليب فن النحت. فالفنان محمد سحنون أحدث لنفسه أسلوبا إبداعيا خاصا، فاتجه نحو التعبير في رسومه بخطوط ذات حركات متتالية، يبسط أشكالها بأقل كمية ممكنة في الفضاء. وبذلك ففي المنظور النقدي يبدو أن القاعدة الفنية لديه هي حروفيات منحوتة يحقق بها أشكالا جديدة، يطلق من خلالها سراح الحرف ويبعده عن كل القيود، إذ يبتكر ويبدع وينوع في الشكل وفي الكثافة والتموقع اللوني والحرفي بتجسيم رائق.
إنه أسلوب فريد يتفاعل معه المبدع محمد سحنون بقدر ما تستدعيه أعماله الإبداعية من تحولات فنية وتجديدية. وهذا من مميزاته في تناول مجال الخط العربي في بؤر نحتية، وبسط تمثلاته في نطاق العلاقة بين جماليات الخط وجماليات التشكيل والتعبير وجماليات النحت. وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي لدى المبدع التونسي الذي يوازن بين مختلف المواد راميا إلى المجال الفني بكل معطياته الجمالية.

إن أعماله تحمل خصائص معينة فريدة، وذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الفن كل الغايات الإبداعية، ومن جماليات الخط كل حركياته وسكناته وكتله وتركيباته واسترسالاته وتدويراته، ومن فن النحت كل أساليبه الموسيقية التي تزرع الحركة في أعماله. فهو يدرك عن جدارة عملية توظيف الحرف والمساحة واللون في الشكل المنحوت، لينسج الإبداع الفني الذي تتبدى فيه الجماليات في نسق حسي بديع.
إن تجربة الفنان محمد سحنون قد تحققت في لغة حروفية خاصة مبنية على التحول في الخامة والتحول من الخامة إلى النحت، فتضحى أيقونية دالة على مرامي كثيرة من التعابير عن الهواجس والانفعالات، بل إنها تحدد مجموعة من العلائق بين مكونات مختلفة من الخامات المتنوعة التي يتأسس عليها الفضاء الحروفي ليشكل قيمة فنية في المشهد الحضاري التونسي والعربي، وفي الوعي الفني باعتباره أسمى قيمة ترسم أنبل الأهداف.
وبذلك فهو بهذه الأعمال الإبداعية يغذي التجربة العربية الفنية الجمالية المتنوعة في البناء والهندسة والشكل والخامة بقدر ما تشكله تقنياته من غنى، وما يشكله تصميم الحروف العربية لديه من نسق فني يخترق مجمل التكوينات، ليصل بالحروف في إطارها الرمزي المجرد إلى قيم فنية قائمة بذاتها، وقيم جمالية تؤكد المسار الإبداعي للخط العربي وقدرته الفائقة على اختراق كل المجالات الإبداعية الأخرى، من تشكيل ونحت وغيرهما.. ليتبدى فنا له مقوماته الأساسية وجمالياته الفريدة في المظهر الحضاري العربي. فالأعمال الحروفية للفنان محمد سحنون تُمكن القارئ من استيعاب مختلف الجماليات بشكل مباشر بناء على التحولات الحروفية التي تحدث صيغا جمالية داخل النسق الخطي الفني التعبيري النحتي البديع، الذي تتبدى فيه تفاعلات فنية وتعبيرية وجمالية، تتسم بالسكون أحيانا وتدب فيها الحركة التي تحدث نوعا من الموسيقى أحيانا أخرى. إنها صور جمالية تؤكد المقصديات التحولية للحروفية العربية، وتؤكد في الآن نفسه الطريقة القويمة في الأسلوب الفني الذي يعتمده الفنان محمد سحنون، إذ يعبر بمفردات لغته الخطية الخصبة، ويعمد إلى نماذج فراغية، من نسيج عالمه المنمق البديع الممزوج بنحت الحروف وفق خاصيات فنية وجمالية، ووفق طقوس حروفية تثبت القيم الجمالية التونسية. إذ يسعى تجسيد الأشكال الحروفية المختلفة وفق منهج فني سليم.
للفنان محمد سحنون إمكانات تقنية هائلة يوظفها بأسلوب حروفي خاص، فيثبت الخامات والألوان والتعبير والنحت بأسلوبه الفريد، بقدر وافر من التجربة. فتظل منجزاته في فن الحروفية غاية في الإبداع تزداد تحولا وجمالا كلما استجد جديدها.

٭ كاتب مغربي