الجزاء من جنس العمل فهكذا هي حكمة الله في خلقه. لذلك قد علمنا الله أن هناك ثواب وعقاب على مر الزمان وقد ظهر ذلك في الكتب السماوية وفي قصص أسلافنا. وظهرت مناهج الثواب والعقاب جلية واضحة في قصص الأنبياء والمرسلين في كل الديانات. المبدأ سهل جداً فمن يتصرف جيداً ويعمل الأعمال الصالحة فله الثواب على ما فعل، بينما من يتصرف بالتصرفات القبيحة ويظهر قبحه في سلوكه فله العقاب على ما فعل. الثواب والعقاب يجب أن يتم تنفيذها لتحقيق المبادئ السامية وأن تكون الجزاء المحفز أو الرادع لسلوك الإنسان ومساعدة في تقويمه.
الطريقة الصحيحة لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب
الثواب والعقاب تحقيق لعدالة السماء على الأرض
قد خلقنا الله خلفاء في الأرض لنعبده ونحقق مشيئته ونرسي رواسخ الحكمة ومبادئ الحب والعدالة. وقد وضعت القوانين السماوية كل الأحكام والمبادئ التي تحقق العدالة على الأرض، فهذه المبادئ تتلخص في تنفيذ الثواب والعقاب.
الثواب والعقاب أداة!
لما قد تم ذكره عن أهمية تنفيذ مبدأ الثواب والعقاب وأنها مرجع للفرد بحيث أنه يتحكم في تصرفاته بسبب أنه يدري ما قد يناله من جزاء. وكما قلنا أنها حكمة من الله لسيادة مبدأ الجزاء من جنس العمل. فهي بالطبع يجب أن يتم تنفيذها استناداً إلى القوانين الربانية والقوانين التي يجري عليها العرف بما لا يخالف طبيعة القوانين الربانية أيضاً، فبالتالي يجب أن يكون تنفيذ هذا الأمر حكر على من لديه الخبرة والحكمة والجرأة فوجب على من ينفذ هذه القوانين والأحكام أن يتحلى بالنظرة الشاملة والفاحصة وألا يخاف في الحق لومة لائم.
ولكن هناك كُثُر من ضعاف النفوس وكما نعلم أن من طبيعة البشر حب القوة والسلطة والسيطرة. فمنهم من يجد في منصبه ما يجعله ذا نفوذ وقوة، ولكن هناك من يستغلها في خدمة الحق ومنهم من يستغلها في خدمة نفسه وشهواته وبدل من أن يستخدمه كسيف لمحاربة ماهو سلبي في مجتمعه، يستخدمه ليكون درعاً يقيه من الناس عند محاسبته على أفعاله السيئة. لذلك وجب علينا أن نفهم أن للثواب والعقاب منهج يجب أن نتماشى مع أسسه وجوانبه حتى يكون نبراساً لنا مساعداً في تحقيق أهدافه السامية التي وُضِع من أجلها.
للثواب والعقاب منهج في التربية
للثواب والعقاب أسس معينة وضرورية بحيث أنه مبدأ يتم استخدامه في كل نواحي الحياة كالعمل والبيت وفي كل مجالات الحياة ولأغراض متعددة. فيمكن استخدامه في العمل من قِبَل المدير أو صاحب العمل لمجازاة كل شخص وإعطاء كل ذي حق حقه وتحقيق مبدأ المساواة والتنافسية أيضاً عن طريق الترغيب لمن يٌقَدَّم له الثواب أو الترهيب لمن يتعرض للعقاب. ويظهر أيضاً مبدأ الثواب والعقاب بصورة قوية في تربية الأبناء وذلك من أجل تنشئة شخصية سوية ذات سلوك قويم يكون لها تأثيرها الإيجابي على المجتمع بحيث يجعل الأبناء ساعية إلى تحقيق الأفعال الحميدة من أجل نيل الثواب حتى تصبح تلك الأفعال جزء من سلوكهم دون النظر إلى ما يلاقونه من ثناء ويجعل تركهم للتصرفات الذميمة جزء من سلوكياتهم دون الخوف من العقاب.
فالثواب والعقاب في التربية أمر شديد الخطورة لأن في حالة الخطأ في تحقيق أهدافه سينشأ جيل غير سوي ويحمل في ثنايا سلوكه وشخصيته الخوف وعدم المبالاة ودائماً ما يحتاج لرقيب حسيب على تصرفاته فلا يجد في نفسه أهل لموضع القيادة إلا ليجعل لنفسه ساتراً على قبح أفعاله. بالتالي نتحول في موضوعنا إلى منهج الثواب والعقاب في تربية الأبناء حتى نعرف الأخطاء ونعرف الخطوات الرئيسية في ذلك الأمر الحيوي.
أولاً وقبل كل شيء يجب على الآباء أن يعرفوا بالتحديد معنى الثواب والعقاب. فالثواب هو الأثر الذي يتبع سلوك حميد يسبب الرضا لمن يقوم بهذا السلوك فيجعله راغباً في تنفيذه لينال هذا الثواب. أما على النقيض نجد العقاب الذي يمثل الأثر السلبي الذي يتبع سلوك بغيض بحيث لا يجعل من يقوم بهذا السلوك مرتاحاً ويجعله غير راضٍ فبطبيعة الحال ينفر من تكرار هذا السلوك هروباً من تكرار الشعور بتلك الحالة.
ويجب أيضاً أن يعرف الآباء أن لكل خطأ وكل صواب درجة لأن من الأخطاء الشائعة التي يقوم بها الآباء هو الإفراط أو التقصير في الثواب أو العقاب. ففي حالة التقصير في الثواب يفقد الطفل الحافز في تكرار الفعل الجيد لأنه لم يشعر بالجزاء الحسن لذلك كما أنه أيضاً يشعر بالملل في حالة تكرار الجوائز الرخيصة. كما أيضاً يوجد نتائج للتقصير في العقاب وهي فقدان الطفل لقيمة الرادع عن قيامه بالخطأ، أيضاً عندما يشعر الطفل بأنه لا يوجد عقاب مؤثر فسوف لا يلتفت لأي نصيحة أو توجيه وسيتباهى بأنه يتغلب على وسيلة العقاب التي يتعرض لها ما دامت أنها لا تمنعه مما يحب. كما أن الإسراف في الثواب ينتج عنه أيضاً آثار سلبية منها أن الطفل سيغالي في جزاء عمله وتجده لن يرضى بما تقدمه له لأن كل طلباته مجابة وسقف طموحه لقاء ما يفعل لن يوجد لها حدود، على نفس الوتيرة تجد الإفراط في العقاب، فسوف تجد الطفل خائفاً متوتراً من التعامل مع الآباء ويتحول الأمر معه إلى وجود النزعة اللصوصية فسوف ينتظر غياب الرقيب الرادع وعقابه المفرط حتى يفعل ما يحلو له كما سيتولد عنده نزعة الكذب والعدوانية. فلا تسرف ولا تقصر وابتغي بين ذلك سبيلاً.
للثواب والعقاب مظاهر
من أهم عناصر منهج الثواب والعقاب في التربية هي مظاهر الثواب والعقاب. فالثواب والعقاب لهما مظاهر مادية ومعنوية.
الثواب المعنوي
الثواب الذي يعتمد على شيء غير ملموس مثل الحركة أو الألفاظ. وهو ثواب غير مكلف مثل مناداة الطفل بالألقاب التي يحب مثل اللقب الوظيفي الذي يتمنى أن يُنادى به، استعمال ألفاظ الثناء والمدح فبذلك يبلغ الطفل مرحلة الرضا النفسي عما فعل وعما تم جزاءه به، أيضاً على الابتسام والترحيب بالطفل عن إبلاغك بشيء حسن قد فعله عليه عامل كبير في إظهار قيمة ما فعل، يوجد أطفال تحب أن توضع في محل القيادة وتشعر بالمسئولية، فيمكنك استخدام هذه الخاصية إن كانت في طفلك كنوع من الثواب عن طريق أن تسند إليه مهام تتطلب مهارة أعلى فعند إنجازها سيشعر أنه قام بشيء استثنائي وينعكس ذلك على رضاه الداخلي.
الثواب المادي
هو الثواب الذي يظهر على هيئة شيء ملموس مادي له قيمة وثمن مدفوع كالهدايا والجوائز، ولكن عليك أن تحدد القيمة القصوى لهذه الجوائز كما قلنا من قبل.
العقاب المادي
نفس طبيعة الثواب المادي ولكن الجزاء يكون سلبياً لأن الفعل كان سلبياً. ومن مظاهر هذا العقاب هو الحرمان مما يحبه الطفل أو ضربه مع مراعاة عدم المغالاة في ذلك حتى لا يتحول الانطباع عند الطفل أنك تكرهه ولست تقوم سلوكه.
العقاب المعنوي
يعتبر العقاب المعنوي أشد من العقاب المادي ولكنه أقل ضرراً. ويكون ذلك على سبيل المثال كالنظرة الحادة أو أنك تهمل الطفل ولا تشعر بأهمية ما يفعل حتى يشعر بأن لا جدوى من سلوكه فيقوم بفعل ما يرضيك، كما يمكن أيضاً أن تقوم بإبعاده عن إخوته أو عن شيء يحبه، كما يمكن أيضاً أن تقوم بالتشهير بما يفعل إذا كان الفعل خطأ شنيع.
أخيراً يجب علينا أن ننوه على أشياء بسيطة ولكنها مؤثرة جداً في منهجية الثواب والعقاب. فعلى الثواب أن يسبق العقاب كما أن عليك أن تنوع طرق الثواب والعقاب. فالثواب والعقاب هو جزاء فعليك مراعاة أن هناك فروق فردية للطفل عن غيره فليس كل الطرق تنفع معه. كما يجب أن تتحلى بالحكمة وتجعل ضرب الطفل إن عاقبته هي آخر طرق العقاب.